افضى القتال الذي دار في حزيران/يونيو في "الهلال النفطي" في ليبيا، وهي منطقة ساحلية تحتوي معظم منصات تصدير نفطها، إلى استيلاء عسكري...
افضى القتال الذي دار في حزيران/يونيو في "الهلال النفطي" في ليبيا، وهي منطقة ساحلية تحتوي معظم منصات تصدير نفطها، إلى استيلاء عسكري وجيز على المنشآت النفطية، ولاحقاً، إلى محاولة لتعميق الشرخ المؤسساتي بين الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس ومنافستها في الشرق.
ما أهمية ذلك؟
أدّت هذه المناوشات إلى انخفاض صادرات ليبيا النفطية إلى النصف، ممّا تسبّب في انخفاض حاد في العائدات من العملة الأجنبية وصدمة للاقتصاد الذي يعتمد بشكل مفرط على السلع الاستهلاكية المستوردة ويوشك أصلاً على الانهيار. لقد تم تحاشي نشوب أزمة عندما تراجعت الحكومة في الشرق، لكن المظالم الكامنة خلف هذا الصراع ما تزال دون تسوية.
ما الذي ينبغي فعله؟
تتمثل الخطوة الأولى في إجراء مراجعة دولية لعمليات المصرفين المركزيين المتنافسين، ,وهي الخطوة الأولى التي ينبغي أن تؤدي إلى إعادة توحيد المصرف المركزي. وتشمل الخطوة الثانية في وجوب انخراط الأمم المتحدة انخراطا واضحا مع الشرق، بما في ذلك تأمين المنشآت النفطية في المفاوضات المستقبلية حول إعادة هيكلة القطاع الأمني.
لقد انتهت المواجهة التي دامت ما يناهز الشهر حول منصات تصدير النفط الخام في شرق ليبيا. لكن مواجهة أخرى يمكن أن تنشأ في وقت قريب جداً إذا لم تتم معالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع. في 11 تموز/يوليو، أعلن الجيش الوطني الليبي، وهو القوة التي تسيطر على الشرق، أنه سيستأنف التعاون مع المؤسسة الوطنية للنفط الموجودة في مدينة طرابلس الغربية، ممّا يقلل مخاطر تعميق الانقسام المؤسساتي في البلاد و حتى لا تتفاقم أزمتها الاقتصادية العميقة أصلاً. لكن ينبغي على المعنيين الليبيين والدوليين استغلال قرار الجيش الوطني الليبي في التخفيف من حدّة التنافس للسيطرة على موارد البلاد ومؤسساتها المالية وإنهاء التوترات حول سوء إدارة الأموال العامة. هذا وإلا فإن معاناة الشعب ستستمر مع احتمال تجدد المواجهات المسلحة.
سارت أزمة المنصات النفطية على ثلاث مراحل. بدأت في 14 حزيران/يونيو بهجوم قاده إبراهيم الجضران، وهو قائد سابق لحرس المنشآت النفطية، في ما يسمى الهلال النفطي، وهي منطقة ساحلية شرقية يصدَّر منها أكثر من نصف النفط الخام الليبي. كانت محاولة الجضران تسعى إلى بسط سيطرة قصيرة الأمد ؛ لكن الجيش الوطني الليبي استعاد سيطرته على الهلال النفطي في خلال أسبوع.
في أواخر حزيران/يونيو، تطور النزاع إلى صراع أكبر حول السيطرة على عائدات النفط والغاز. فقد أعلن قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، أنه لن يسمح باستمرار المؤسسة الوطنية للنفط، ومقرها طرابلس، بإدارة مبيعات النفط من المنصات الشرقية، بل أناط هذه المهمة للمؤسسة الوطنية للنفط المتوقفة عن العمل ومقرها بنغازي والتي أسست عندما انقسمت مؤسسات البلاد في العام 2014. كانت الإدانة الدولية سريعة، بالنظر إلى أن المؤسسة الوطنية للنفط لا تتمتع بصلاحيات قانونية طبقاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وكانت نتيجته هو توقف كلي لمبيعات النفط من شرق ليبيا ؛لأنه يمنع شراء أو بيع النفط من كيان غير قانوني. فانخفضت صادرات البلاد بمعدل 50%، ما أدى إلى تفاقم نقص العملة الصعبة.
تراجع حفتر في 11 تموز/يوليو تحت ضغوط دولية مكثفة وبوصول عدة رسائل مشجعة صادرة من طرابلس. وكانت أهم هذه الرسائل الطلب الذي تقدم به رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، فايز السراج، إلى مجلس الأمن لتشكيل لجنة دولية للإشراف على مراجعة مستقلة لتوزيع الأموال من قبل المصرف المركزي الليبي. كما أن حفتر طالب هو أيضاً بمثل هذه المراجعة. كما أنه يرى هو وأنصاره هذا المطلب فرصة للدفع نحو حكومة "وحدة" وإعادة فتح قضية إدارة المؤسسات الاقتصادية والمالية في البلاد.
لن يكون تشكيل حكومة وحدة وطنية ولا إيجاد قيادة جديدة للمؤسسات الاقتصادية والليبية أمراً سهل التحقق، بالنظر إلى الانقسامات المؤسساتية العميقة، وتراكم انعدام الثقة منذ العام 2014، وبالأخص، المصالح المتعارضة بين السياسيين الليبيين المتناحرين على المناصب في التركيبة الجديدة. كما أن التزام اللاعبين الدوليين الصارم بالاتفاق السياسي الليبي، وهو إطار الحكم الذي وافقت عليه الأمم المتحدة والموجود منذ كانون الأول/ديسمبر 2015، سيقيض الجهود المبذولة في هذا الاتجاه.
لهذا السبب، ينبغي على الأطراف أن لا تفوّت الفرصة التي وفرتها دعوة السراج إلى مراجعة توزيع الأمم المتحدة لعمليات الدفع التي يقوم بها المصرف المركزي. إنها خطوة أساسية لبناء الثقة من شأنها أن تمهد الطريق لتوحيد المؤسسات المنقسمة في البلاد. الا أنه لم يتفق الطرفان بعد إلى حد الآن على أي أساس ستتم عملية المراجعة ومن سيشمل التدقيق المالي، ومن ينبغي أن يجريه؟ أو لأي غاية بالتحديد؟ يمكن لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن تساعدهم على تعريف الشروط المرجعية.
على سبيل المثال، ينبغي أن تجرى المراجعة من قبل شركة دولية للتدقيق في الحسابات بدعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وينبغي أن يكون الهدف إجراء مراجعة شفافة للمعاملات المالية للمصرف المركزي منذ العام 2014 كأساس للسياسات النقدية والمالية للحكومة وليس للتحقيق في الفساد المزعوم أو فرض إدارة جديدة لهذه المؤسسة. لن تكون مثل هذه المراجعة كافية لتسوية الأزمة الاقتصادية، أو لاستئصال معضلة الفساد المستشري أو لمنع التصعيد العسكري. لكنها ستبعث برسالة قوية مفادها أن الأطراف جادّون من أجل جسر الانقسامات في البلاد، وإعادة توحيد المصرف المركزي وتحقيق الاستقرار.
ولتحقيق هذه الأهداف، ينبغي على بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن تزيد من حضورها في شرق ليبيا وأن تكون بمثابة جسر بين المؤسسات القائمة في طرابلس والمؤسسات المنافسة لها في الشرق، والتي ينبغي إشراكها لوضع حد للانقسام المؤسساتي. إضافة إلى ذلك، ينبغي أن تساعد السلطات الليبية على وضع إستراتيجية توافقية جديدة حول إعادة هيكلة سلسلة القيادة في القوات المنتشرة لتأمين منشآت النفط والغاز لمنع الادعاءات المتنافسة بالشرعية من أن تطلق شرارة حرب جديدة.
كما ينبغي للأحداث الأخيرة في الهلال النفطي أن تذكر الجميع بأن الصراع في ليبيا له أبعاد اقتصادية إضافة إلى الأبعاد السياسية والعسكرية. وأن أي إستراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في البلاد ينبغي أن تعالج جميع هذه المكونات الثلاثة بطريقة متكاملة.
يعترف صناع السياسات والخبراء – بما في ذلك الأمم المتحدة، والدول الأعضاء ذات الصلة فيها والسلطات الليبية – بوجود طبقات عديدة لهذا الصراع. إلا أنهم وعلى مدى سنوات استمروا بإعطاء الأولوية للبعد السياسي للأزمة وقدموا بشكل رئيسي حلولاً سياسية – آخرها، الانتخابات – لتوحيد البلاد. لكن دون تحقيق المزيد من التقدم لمعالجة الانقسامات في المؤسسات الاقتصادية والمالية، من المرجح ان تصبح الانقسامات العسكرية والسياسية أكثر تجذراً، ممّا يجعل احتمال التوصل إلى تسوية سياسية أمرا بعيدا .
التقرير كامل: مابعد مواجهات الهلال النفطي الليبيمابعد مواجهات الهلال النفطي الليبي
المصدر: موقع مجموعة الأزمات
https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/north-africa/libya/189-after-showdown-libyas-oil-crescent
ما أهمية ذلك؟
أدّت هذه المناوشات إلى انخفاض صادرات ليبيا النفطية إلى النصف، ممّا تسبّب في انخفاض حاد في العائدات من العملة الأجنبية وصدمة للاقتصاد الذي يعتمد بشكل مفرط على السلع الاستهلاكية المستوردة ويوشك أصلاً على الانهيار. لقد تم تحاشي نشوب أزمة عندما تراجعت الحكومة في الشرق، لكن المظالم الكامنة خلف هذا الصراع ما تزال دون تسوية.
ما الذي ينبغي فعله؟
تتمثل الخطوة الأولى في إجراء مراجعة دولية لعمليات المصرفين المركزيين المتنافسين، ,وهي الخطوة الأولى التي ينبغي أن تؤدي إلى إعادة توحيد المصرف المركزي. وتشمل الخطوة الثانية في وجوب انخراط الأمم المتحدة انخراطا واضحا مع الشرق، بما في ذلك تأمين المنشآت النفطية في المفاوضات المستقبلية حول إعادة هيكلة القطاع الأمني.
لقد انتهت المواجهة التي دامت ما يناهز الشهر حول منصات تصدير النفط الخام في شرق ليبيا. لكن مواجهة أخرى يمكن أن تنشأ في وقت قريب جداً إذا لم تتم معالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع. في 11 تموز/يوليو، أعلن الجيش الوطني الليبي، وهو القوة التي تسيطر على الشرق، أنه سيستأنف التعاون مع المؤسسة الوطنية للنفط الموجودة في مدينة طرابلس الغربية، ممّا يقلل مخاطر تعميق الانقسام المؤسساتي في البلاد و حتى لا تتفاقم أزمتها الاقتصادية العميقة أصلاً. لكن ينبغي على المعنيين الليبيين والدوليين استغلال قرار الجيش الوطني الليبي في التخفيف من حدّة التنافس للسيطرة على موارد البلاد ومؤسساتها المالية وإنهاء التوترات حول سوء إدارة الأموال العامة. هذا وإلا فإن معاناة الشعب ستستمر مع احتمال تجدد المواجهات المسلحة.
سارت أزمة المنصات النفطية على ثلاث مراحل. بدأت في 14 حزيران/يونيو بهجوم قاده إبراهيم الجضران، وهو قائد سابق لحرس المنشآت النفطية، في ما يسمى الهلال النفطي، وهي منطقة ساحلية شرقية يصدَّر منها أكثر من نصف النفط الخام الليبي. كانت محاولة الجضران تسعى إلى بسط سيطرة قصيرة الأمد ؛ لكن الجيش الوطني الليبي استعاد سيطرته على الهلال النفطي في خلال أسبوع.
في أواخر حزيران/يونيو، تطور النزاع إلى صراع أكبر حول السيطرة على عائدات النفط والغاز. فقد أعلن قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، أنه لن يسمح باستمرار المؤسسة الوطنية للنفط، ومقرها طرابلس، بإدارة مبيعات النفط من المنصات الشرقية، بل أناط هذه المهمة للمؤسسة الوطنية للنفط المتوقفة عن العمل ومقرها بنغازي والتي أسست عندما انقسمت مؤسسات البلاد في العام 2014. كانت الإدانة الدولية سريعة، بالنظر إلى أن المؤسسة الوطنية للنفط لا تتمتع بصلاحيات قانونية طبقاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وكانت نتيجته هو توقف كلي لمبيعات النفط من شرق ليبيا ؛لأنه يمنع شراء أو بيع النفط من كيان غير قانوني. فانخفضت صادرات البلاد بمعدل 50%، ما أدى إلى تفاقم نقص العملة الصعبة.
تراجع حفتر في 11 تموز/يوليو تحت ضغوط دولية مكثفة وبوصول عدة رسائل مشجعة صادرة من طرابلس. وكانت أهم هذه الرسائل الطلب الذي تقدم به رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، فايز السراج، إلى مجلس الأمن لتشكيل لجنة دولية للإشراف على مراجعة مستقلة لتوزيع الأموال من قبل المصرف المركزي الليبي. كما أن حفتر طالب هو أيضاً بمثل هذه المراجعة. كما أنه يرى هو وأنصاره هذا المطلب فرصة للدفع نحو حكومة "وحدة" وإعادة فتح قضية إدارة المؤسسات الاقتصادية والمالية في البلاد.
لن يكون تشكيل حكومة وحدة وطنية ولا إيجاد قيادة جديدة للمؤسسات الاقتصادية والليبية أمراً سهل التحقق، بالنظر إلى الانقسامات المؤسساتية العميقة، وتراكم انعدام الثقة منذ العام 2014، وبالأخص، المصالح المتعارضة بين السياسيين الليبيين المتناحرين على المناصب في التركيبة الجديدة. كما أن التزام اللاعبين الدوليين الصارم بالاتفاق السياسي الليبي، وهو إطار الحكم الذي وافقت عليه الأمم المتحدة والموجود منذ كانون الأول/ديسمبر 2015، سيقيض الجهود المبذولة في هذا الاتجاه.
لهذا السبب، ينبغي على الأطراف أن لا تفوّت الفرصة التي وفرتها دعوة السراج إلى مراجعة توزيع الأمم المتحدة لعمليات الدفع التي يقوم بها المصرف المركزي. إنها خطوة أساسية لبناء الثقة من شأنها أن تمهد الطريق لتوحيد المؤسسات المنقسمة في البلاد. الا أنه لم يتفق الطرفان بعد إلى حد الآن على أي أساس ستتم عملية المراجعة ومن سيشمل التدقيق المالي، ومن ينبغي أن يجريه؟ أو لأي غاية بالتحديد؟ يمكن لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن تساعدهم على تعريف الشروط المرجعية.
على سبيل المثال، ينبغي أن تجرى المراجعة من قبل شركة دولية للتدقيق في الحسابات بدعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وينبغي أن يكون الهدف إجراء مراجعة شفافة للمعاملات المالية للمصرف المركزي منذ العام 2014 كأساس للسياسات النقدية والمالية للحكومة وليس للتحقيق في الفساد المزعوم أو فرض إدارة جديدة لهذه المؤسسة. لن تكون مثل هذه المراجعة كافية لتسوية الأزمة الاقتصادية، أو لاستئصال معضلة الفساد المستشري أو لمنع التصعيد العسكري. لكنها ستبعث برسالة قوية مفادها أن الأطراف جادّون من أجل جسر الانقسامات في البلاد، وإعادة توحيد المصرف المركزي وتحقيق الاستقرار.
ولتحقيق هذه الأهداف، ينبغي على بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن تزيد من حضورها في شرق ليبيا وأن تكون بمثابة جسر بين المؤسسات القائمة في طرابلس والمؤسسات المنافسة لها في الشرق، والتي ينبغي إشراكها لوضع حد للانقسام المؤسساتي. إضافة إلى ذلك، ينبغي أن تساعد السلطات الليبية على وضع إستراتيجية توافقية جديدة حول إعادة هيكلة سلسلة القيادة في القوات المنتشرة لتأمين منشآت النفط والغاز لمنع الادعاءات المتنافسة بالشرعية من أن تطلق شرارة حرب جديدة.
كما ينبغي للأحداث الأخيرة في الهلال النفطي أن تذكر الجميع بأن الصراع في ليبيا له أبعاد اقتصادية إضافة إلى الأبعاد السياسية والعسكرية. وأن أي إستراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في البلاد ينبغي أن تعالج جميع هذه المكونات الثلاثة بطريقة متكاملة.
يعترف صناع السياسات والخبراء – بما في ذلك الأمم المتحدة، والدول الأعضاء ذات الصلة فيها والسلطات الليبية – بوجود طبقات عديدة لهذا الصراع. إلا أنهم وعلى مدى سنوات استمروا بإعطاء الأولوية للبعد السياسي للأزمة وقدموا بشكل رئيسي حلولاً سياسية – آخرها، الانتخابات – لتوحيد البلاد. لكن دون تحقيق المزيد من التقدم لمعالجة الانقسامات في المؤسسات الاقتصادية والمالية، من المرجح ان تصبح الانقسامات العسكرية والسياسية أكثر تجذراً، ممّا يجعل احتمال التوصل إلى تسوية سياسية أمرا بعيدا .
التقرير كامل: مابعد مواجهات الهلال النفطي الليبيمابعد مواجهات الهلال النفطي الليبي
المصدر: موقع مجموعة الأزمات
https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/north-africa/libya/189-after-showdown-libyas-oil-crescent