يُمرِّر النظامُ الضوءَ من صمام ثنائي ليزري رخيص، عبر أنبوب مليء بالماء، ويعمل كعدسة أسطوانية؛ لتكوين صحيفة رقيقة من الضوء. وتقوم مجموعة من تروس "الليجو" بنقل العينة وتدويرها عبر صحيفة الضوء؛ لإنتاج قطاعات ضوئية، يَجري التقاطها بعدئذ بواسطة الهاتف. يتكلف الجهاز - من دون الهاتف - حوالي 200 دولار أمريكي.

صَمَّم كولومبيلي مع زميله خوردي أنديلا - الذي يعمل في معهد العلوم الفوتونية في برشلونة أيضًا - نظام "ليجوليش" في البداية لاستعماله كجوائز لأفضل لوحات الإعلانات في مؤتمر مجهرية صحيفة الضوء، الذي نَظَّمَاه في عام 2014، لكنهما حَدَّثا التصميم بعد ذلك؛ لجَعْله ملائمًا للتطبيقات العلمية، لكنْ بتكلفة أكبر بعشرة أضعاف. يقول كولومبيلي إنه يمكن للباحثين استخدام ذلك التصميم المعدَّل، المصمَّم كإضافة للاستريوسكوب ذي الرؤية ثلاثية الأبعاد، لإتقان إجراءات تجهيز عيِّناتهم قبل حجز موعد على جهاز المرفق المركزي للمجهرية الرقمية المتقدمة. ويضيف: "نعتقد أن هذا يمكن أن يساعد العديد من المختبرات، لأنه سيتيح لهم الحصول بسهولة على نظام يمكنهم صنعه واستخدامه في غضون أسبوع، مقابل أقل من 2000 دولار أمريكي".

من المختبر إلى الميدان

إنّ قابلية الهواتف الذكية للنقل تجعلها مفيدة للغاية في المواقع النائية. ففي أواخر العام الماضي - على سبيل المثال - أخذ بيتر كاونتوَيْ - عالِم البيولوجيا المكروية البحرية في مختبر بيجَلو لعلوم المحيطات في شرق بوثبَيْ بولاية مَيْن - جهاز شركة "بايوميم تو3" إلى محطة بَالْمَر في شمال القارة القطبية الجنوبية. استخدم هو وفريقه الجهاز، لدراسة كيفية استقلاب البكتيريا البحرية للديميثيلسولفونيوبروبيانات dimethylsulfoniopropionate، وهو مركّب عضوي كبريتي، تُنتِجه العوالق النباتية الدقيقة المشارِكة في صنع أنماط الطقس العالمية.

وأخذ إيمانويل رينود - في كلية دبلن الجامعية - هاتفه الذكي إلى جزيرة فاكارافا المرجانية الصغيرة في بولينزيا الفرنسية؛ لدراسة صحة وبِنْيَة الشعاب المرجانية ضمن مجموعة من مقاسات الطول. وللحصول على أوسع زاوية رؤية، جَمَع فريقه بين تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين، والطائرة الورقية "كودي" Cody، وهي طائرة ذات تصميم فائق الاستقرار، طَوَّرها رائد مجال الطيران، صامويل فرانكلين كودي، في عام 1901.

استخدم الفريق الطائرة الورقية لحَمْل هاتف "أندرويد" رخيص في الهواء، ثم سَحَب زورق صغير الطائرة لمدة ست ساعات تقريبًا. التقط الهاتف صورة كل 20 دقيقة، ثم ضغط الصور، وأرسل البيانات إلى كمبيوتر في أسفل. عُولجت الصور فيما بعد، من أجل رسم خريطة ثلاثية الأبعاد للشعاب المرجانية. وبلغت تكلفة التجهيزات الكلية حوالي 400 دولار؛ وهي قيمة زهيدة، أتاحت لهم تَرْكها للباحثين المحليين؛ لمتابعة عملية الرصد، بعد عودة الفريق إلى دبلن.

يقول رينود إنه حتى في جزيرة فاكارافا - التي يبلغ تعداد سكانها 400 نسمة فقط - تنتشر الهواتف في كل مكان. ويضيف: "إننا نريهم فقط أنه بدلًا من إرسال الرسائل النصية طوال الوقت، بإمكانهم أيضًا القيام بأشياء مفيدة".

.. وإلى العيادة

يمكن للهواتف الذكية (والأجهزة ذات الصلة القابلة للارتداء، مثل ساعة أبل، وفيتبيت، وساعة الدراسة التي أَعلنت عنها مؤخرًا شركة "ألفابت" أن تجمع بيانات ذات أهمية طبية، مثل عدد الخطوات، ومعدَّل نبض القلب. ففي شهر إبريل الماضي، ذكر موقع أخبار الأعمال الأمريكي CNBC أن شركة "أبل" كانت تقوم بتطوير مستشعِرات؛ لقياس سكر الدم عبر الجلد. ويحاول الباحثون إيجاد طرق جديدة، لاستخدام مثل هذه البيانات في الإجابة عن أسئلة ذات صبغة علمية.

تتيح تطبيقات "أبل ريسيرش كيت"  - على سبيل المثال - للعلماء استخدام أجهزة "آيفون" في تجنيد الناس في مجال الدراسات الطبية، بالإضافة إلى إجراء الدراسات أيضًا. تقول إيفان تشان، مديرة الطب المشخصن والصحة الرقمية في معهد علوم الجينوم والبيولوجيا متعددة المستويات في كلية آيكان الطبية بماونت سيناي في مدينة نيويورك: "أرى أنها فكرة رائعة حقًّا". وتضيف قائلة إنّ كثيرًا من المستخدمين يأخذون هواتفهم الذكية حيثما ذهبوا، وتعترف قائلة إنها "مدمنة استخدام الهاتف الذكي"، وتتابِع بقولها: "فهو معي في كل ساعة، وفي كل يوم من أيام الأسبوع". وتوفِّر تطبيقات "ريسيرش كيت" طريقة للجمع بين تلك الجاذبية الشاملة للهواتف الذكية، وفضول الناس العلمي الفطري؛ لتحقيق إنجاز "رائع بحق"، على حد قولها.

عندما أطلقت شركة "أبل" تطبيقات "ريسيرش كيت" في عام 2015، أعلنت عن خمس دراسات أولية تستخدم تلك التطبيقات. بعض تلك الدراسات يَستخدم مستشعرات الهاتف الذكي؛ لتوثيق أعراض المريض؛ واستخدمت دراسات أخرى المستشعِرات في عمل مسح للمرضى، أو جمْع بيانات يقوم مستخدمو الهواتف بإدخالها. كانت تشان باحثًا رئيسًا في إحدى هذه الدراسات، وهي دراسة صحية عن الربو، حيث يُطلَب من المشاركين الإجابة عن أسئلة حول صحتهم كل يوم، ثم ربط تلك المعلومات بالأماكن التي كانوا فيها. تقول تشان إنه بفضل الذكاء التسويقي لشركة "أبل"، تَجاوَز استخدام التطبيق توقعاتها كثيرًا، إذ جرى تحميله حوالي 35 ألف مرة، وسجل 3 آلاف مشترك تسجيلًا كاملًا، ووافقوا على المشاركة في غضون ثلاثة أيام فقط.

ومع ذلك.. ففي النهاية، قد يمكِّن نموذج "ريسيرش كيت" الدراسات القائمة على الهواتف الذكية من الانتقال إلى ما هو أبعد من مجرد الملاحظة والرصد نحو توفير رعاية صحية مشخصنة بالفعل. وقد أطلق فريقٌ - يضم في عضويته جنيفر رادين، عالمة الأوبئة بمعهد سكريبس للعلوم النقلية في لا هويا بكاليفورنيا - مؤخرًا تطبيقًا قائمًا على "ريسيرش كيت"، يهدف إلى مسح دراسي للنساء الحوامل؛ للتعرف على الأعراض التي يشعرن بها. وتقول رادين إنه عن طريق الاستفادة من تجمُّع كبير ومتنوع من النسوة، يأمل الفريق في استخدام البيانات؛ لتقديم توصيات مشخصنة تناسِب تحديدًا نوع جسم المرأة، أو عِرْقها، واكتشاف المضاعفات مبكرًا، وحتى تقليل عدد الزيارات إلى الطبيب.

وسواء تحققت تلك المزايا، أم لم تتحقق، فإن ثمة شيئًا واحدًا مؤكدًا، وهو أنه لا توجد أي إشارة على انخفاض حدة التنافس العالمي في التباهي بالتميز التقني بين مطوِّري الهواتف الذكية. وتلك بشرى طيبة للمستهلكين؛ ورائعة للعِلْم.



جيفري إم. بِركل محرر التكنولوجيا في دورية Nature.

نقلها مصطفى محمد