تعود المملكة العربية السعودية إلى الانخراط مع العراق بعد نحو ربع قرن من انقطاع العلاقات. بدأ التقارب في العام 2016، وتسارع بقوة في أواسط الع...
تعود المملكة العربية السعودية إلى الانخراط مع العراق بعد نحو ربع قرن من انقطاع العلاقات. بدأ التقارب في العام 2016، وتسارع بقوة في أواسط العام 2017 ويتوقع أن يتحرك بسرعة أكبر بعد الانتخابات العامة في العراق في أيار/مايو 2018، خصوصاً إذا نجح رئيس الوزراء حيدر العبادي بتمديد فترة وجوده في السلطة في عمليات عقد الصفقات التي ستلي الانتخابات حول تشكيل الحكومة. تتمثل استراتيجية الرياض في ركوب موجة الكبرياء الوطنية العراقية، وإعادة الاستثمار في البلاد اقتصادياً وبناء علاقات عبر جميع خطوط الفصل العرقية والطائفية. لكن إذا كان هدفها تقليص النفوذ الإيراني في العراق، فإنها ستجد أن العديد من العراقيين – حتى أولئك الذين ينتقدون نفوذ إيران الطاغي – يعتبرون ذلك خطاً أحمر، أو وسيلة لإعادة بلادهم ميداناً للاشتباك الإقليمي. إذا تحركت بشكل أسرع مما ينبغي وفضلت الضخ المباشر للأموال على المساعدة الاقتصادية الهادفة والمحسوبة بعناية، فإنها ستغذي الفساد المستشري بدلاً من أن تحد منه. وستكون بحاجة لإسكات الخطاب الطائفي لتحقيق التواصل مع سائر أجزاء الطيف العرقي والديني في العراق.
يقول العراقيون من مختلف المجموعات السياسية، والطائفية والاجتماعية إنهم يرحبون بما يبدو أنه تغيير في المسار. وتنبع حماستهم جزئياً من الضرورة. تأتي العلاقة الجديدة وسط إجماع دولي نادر على وجوب تعزيز الهدوء في العراق، خشية عودة البلاد إلى الصراعات العنيفة. لقد تم تطهير معظم الأراضي العراقية من تنظيم الدولة الإسلامية، ويتنامى الشعور بالكرامة الوطنية وتتعزز ثقة المستثمرين. لكن إذا لم تستطع الحكومة وشركاؤها تحقيق مكاسب ملموسة من حالة السلام، وتأمين المناطق المحررة، ووقف حلقة الأعمال الانتقامية الطائفية والعرقية، يمكن لهذه المكاسب أن تتلاشى بسهولة. لقد بدأ الشركاء الغربيون أصلاً بالتراجع عن التزاماتهم المالية، على أمل أن يقوم حلفاؤهم الخليجيون بسد الفراغ.
إن تجدد انخراط السعودية في العراق له مزايا مقارنة بأفعالها في أماكن أخرى في المنطقة. يوفر العراق فرصة للمسؤولين السعوديين لتطبيق الدروس التي تعلموها من التدخلات الأقل نجاحاً في سورية واليمن. في العراق، تستطيع السعودية أن تستغل نقاط قوتها، ببناء الدعم والنفوذ السياسي من خلال الحوافز الاقتصادية، بينما تتجنب الأفعال العسكرية المباشرة أو بالوكالة. يمكن لإعادة دخول السعودية السياسي والاقتصادي إلى العراق أن يعزز الاتجاهات الداخلية فيه وأن يستفيد منها، أي بالتحديد تنامي المشاعر المعادية للإيرانيين والرغبة بإقامة علاقات إقليمية متوازنة.
على عكس ما يتبادر إلى الذهن، فإن حقيقة أن الرياض تنطلق من نقطة منخفضة يمكن أن تكون نعمة مخفية. على الطرفين العمل بجدية لإعادة بناء الثقة، وإيجاد شبكة من الأشخاص الذين يمكن التواصل معهم واجتذاب الرأي العام. إن القوة المالية للمملكة تمنحها نفوذاً، لكنها غير كافية كي تحصل على ما تريد. ستكون الرياض بحاجة للصبر الاستراتيجي من أجل بناء النفوذ الذي تسعى إليه.
يمكن للرياض أن تسهم في تحقيق استقرار العراق، لكن ينبغي لهذه العلاقة أن تناور في حقل ألغام من العقبات. العقبة الأولى هي الأكثر جوهرية؛ حيث إن تجدد اهتمام السعودية بالانخراط في العراق مستمدة من رغبتها بمواجهة النفوذ الإيراني. لكن العراقيين بحاجة ماسة إلى منع بلادهم من التحول إلى مسرح آخر للأعمال العدائية بين السعودية وإيران. كما ستشكل معايرة سرعة الانخراط تحدياً أيضاً. العراقيون يريدون مكاسب فورية وملموسة من عودة السعودية. لكن إذا حاولت الرياض فعل أكثر مما ينبغي بأسرع مما ينبغي، فإنها يمكن أن تغرق في وحول البيروقراطية والفساد – أو حتى أن تستفز رد فعل إيراني. سيتوجب على السعودية والعراق التخلص من عادات قديمة، مثل العمل حصرياً من خلال الرعاية والمحسوبية السياسية والسماح باستخدام الخطاب الطائفي التحريضي من قبل رجال الدين والمعلقين الإعلاميين.
إذا كانت مخاطر الانخراط كبيرة، فإن عدم الانخراط سيشكل حماقة أكبر. كما يعترف صناع السياسات السعوديون بصراحة، فإن ترك العراق في حقبة ما بعد العام 2003 دون شركاء عرب أقوياء أبقى البلاد معتمدة على المساعدة الأمنية، والدعم بالطاقة، والتمويل السياسي والتجارة من إيران، وجعل مؤسساتها الأمنية ضعيفة أمام الاختراق الإيراني. مثل هذا النفوذ غير المتوازن ساعد على تهميش العرب السنة ومهد الطريق أمام صعود تنظيم الدولة الإسلامية.
التقرير كاملاً:عودة السعودية للعراق
المصدر: موقع مجموعة الأزمات
https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/iraq
يقول العراقيون من مختلف المجموعات السياسية، والطائفية والاجتماعية إنهم يرحبون بما يبدو أنه تغيير في المسار. وتنبع حماستهم جزئياً من الضرورة. تأتي العلاقة الجديدة وسط إجماع دولي نادر على وجوب تعزيز الهدوء في العراق، خشية عودة البلاد إلى الصراعات العنيفة. لقد تم تطهير معظم الأراضي العراقية من تنظيم الدولة الإسلامية، ويتنامى الشعور بالكرامة الوطنية وتتعزز ثقة المستثمرين. لكن إذا لم تستطع الحكومة وشركاؤها تحقيق مكاسب ملموسة من حالة السلام، وتأمين المناطق المحررة، ووقف حلقة الأعمال الانتقامية الطائفية والعرقية، يمكن لهذه المكاسب أن تتلاشى بسهولة. لقد بدأ الشركاء الغربيون أصلاً بالتراجع عن التزاماتهم المالية، على أمل أن يقوم حلفاؤهم الخليجيون بسد الفراغ.
إن تجدد انخراط السعودية في العراق له مزايا مقارنة بأفعالها في أماكن أخرى في المنطقة. يوفر العراق فرصة للمسؤولين السعوديين لتطبيق الدروس التي تعلموها من التدخلات الأقل نجاحاً في سورية واليمن. في العراق، تستطيع السعودية أن تستغل نقاط قوتها، ببناء الدعم والنفوذ السياسي من خلال الحوافز الاقتصادية، بينما تتجنب الأفعال العسكرية المباشرة أو بالوكالة. يمكن لإعادة دخول السعودية السياسي والاقتصادي إلى العراق أن يعزز الاتجاهات الداخلية فيه وأن يستفيد منها، أي بالتحديد تنامي المشاعر المعادية للإيرانيين والرغبة بإقامة علاقات إقليمية متوازنة.
على عكس ما يتبادر إلى الذهن، فإن حقيقة أن الرياض تنطلق من نقطة منخفضة يمكن أن تكون نعمة مخفية. على الطرفين العمل بجدية لإعادة بناء الثقة، وإيجاد شبكة من الأشخاص الذين يمكن التواصل معهم واجتذاب الرأي العام. إن القوة المالية للمملكة تمنحها نفوذاً، لكنها غير كافية كي تحصل على ما تريد. ستكون الرياض بحاجة للصبر الاستراتيجي من أجل بناء النفوذ الذي تسعى إليه.
يمكن للرياض أن تسهم في تحقيق استقرار العراق، لكن ينبغي لهذه العلاقة أن تناور في حقل ألغام من العقبات. العقبة الأولى هي الأكثر جوهرية؛ حيث إن تجدد اهتمام السعودية بالانخراط في العراق مستمدة من رغبتها بمواجهة النفوذ الإيراني. لكن العراقيين بحاجة ماسة إلى منع بلادهم من التحول إلى مسرح آخر للأعمال العدائية بين السعودية وإيران. كما ستشكل معايرة سرعة الانخراط تحدياً أيضاً. العراقيون يريدون مكاسب فورية وملموسة من عودة السعودية. لكن إذا حاولت الرياض فعل أكثر مما ينبغي بأسرع مما ينبغي، فإنها يمكن أن تغرق في وحول البيروقراطية والفساد – أو حتى أن تستفز رد فعل إيراني. سيتوجب على السعودية والعراق التخلص من عادات قديمة، مثل العمل حصرياً من خلال الرعاية والمحسوبية السياسية والسماح باستخدام الخطاب الطائفي التحريضي من قبل رجال الدين والمعلقين الإعلاميين.
إذا كانت مخاطر الانخراط كبيرة، فإن عدم الانخراط سيشكل حماقة أكبر. كما يعترف صناع السياسات السعوديون بصراحة، فإن ترك العراق في حقبة ما بعد العام 2003 دون شركاء عرب أقوياء أبقى البلاد معتمدة على المساعدة الأمنية، والدعم بالطاقة، والتمويل السياسي والتجارة من إيران، وجعل مؤسساتها الأمنية ضعيفة أمام الاختراق الإيراني. مثل هذا النفوذ غير المتوازن ساعد على تهميش العرب السنة ومهد الطريق أمام صعود تنظيم الدولة الإسلامية.
- في مسعاها لإصلاح الضرر الذي حدث، يمكن للسعودية أن تساعد في تعزيز قوة الدولة العراقية بحيث تتمكن بغداد من لعب الدور الذي يقول العديد من العراقيين إنها تتطلع له، والمتمثل في أن تكون جسراً بين الجيران المتحاربين، بدلاً من أن تكون ميدان معركة. ويمكن للخطوات الآتية أن تساعد في تحقيق ذلك:
- ينبغي على السعودية أن تعطي الأولوية للانخراط الاقتصادي مع العراق بشكل يحقق مكاسب ملموسة وفورية وتعزيز المشاريع طويلة الأمد. وينبغي أن تتركز الجهود على إعادة الإعمار، وتوفير فرص العمل والتجارة، ومحاولة تحقيق التوازن في الاستثمارات في سائر أنحاء البلاد.
- على الرياض أن تدرس خطوات نحو الاعتراف العلني بالممارسات الدينية الشيعية بوصفها مذهباً إسلامياً، بما في ذلك: التحرك للقبول بشرعية الفقه الشيعي، وتهدئة الخطاب المعادي للشيعة من رجال الدين السعوديين، وإصدار بيانات والقيام بإجراءات تعبر عن احترام الطقوس الدينية الشيعية، والحد من التمييز المستمر ضد الشيعة في المملكة، وتعزيز درجة أكبر من التسامح الديني داخل السعودية وتشجيع مؤسستها الدينية السنية على الانخراط بشكل غير رسمي مع رجال الدين الشيعة في النجف.
- ينبغي على الحكومة العراقية أن تعطي الأولوية لإعادة الإعمار والمصالحة بين الأطراف والمجموعات العراقية من خلال إصدار تشريعات وأنظمة تسهل عمل المانحين وتعزز مصلحة المستثمرين، ومضاعفة جهود محاربة الفساد، وضمان تقديم خدمات ومساعدات متساوية في سائر أنحاء البلاد، وتشجيع روح العمل غير الطائفية وغير العرقية في أوساط قواتها الأمنية.
- ينبغي على إيران أن تشجع وتدعم الاندماج المتوازن للاعبين الأمنيين شبه المستقلين في المؤسسات الأمنية الوطنية العراقية. ينبغي على السعودية والحلفاء الخليجيين أن يفهموا أن هذه العملية ستكون شاقة بالضرورة – وينبغي أن يتم التعامل معها بحذر إذا أُريد لها النجاح. وينبغي على طهران أن تشجع جهود العراق لتنويع تحالفاته الإقليمية.
- ينبغي على الرياض وطهران البحث عن أرضية مشتركة للقيام تدريجياً ببناء قاعدة للتعاون، أو في الحد الأدنى التعايش، في العراق. يمكن لهذا الجهد أن يشمل تعزيز المصالح المشتركة مثل بناء اقتصاد عراقي أقوى، وضمان سلامة أراضي البلاد، وإصلاح القطاع الأمني وتخفيف الآثار المزعزعة للاستقرار الناجمة عن التغير المناخي في المنطقة.
التقرير كاملاً:عودة السعودية للعراق
المصدر: موقع مجموعة الأزمات
https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/iraq