محمد صلاح....يكفي أن يُذكر إسمه في بداية أي مقال حتى يتوقع القارئ باقي المقال، فهو عن صفاته وأخلاقه وما مايفعله في إنجلترا. تماماً مثلما يكت...
محمد صلاح....يكفي أن يُذكر إسمه في بداية أي مقال حتى يتوقع القارئ باقي المقال، فهو عن صفاته وأخلاقه وما مايفعله في إنجلترا. تماماً مثلما يكتب في كل وسائل الإعلام. هذه هى الصورة المبهرة ذات الألوان الساطعة التي يتم تداولها وتخطف الأبصار.
لكن مع تسليط الأضواء وزيادتها وبدون أن نشعر تظهر تحت نفس الأضواء التفاصيل الصغيرة والجوانب الآخرى السلبية التي لانريد أن تظهر وقد لا تلفت الإنتباه في الأضواء الخافته المعتمة للصورة.
فما هي التفاصيل والجوانب السلبية التي كشفتها الأضواء المسلطة على محمد صلاح وكيف فضحت مصر والمصريين
الاهتمام الإعلامي المبالغ فيه
كل صباح عندما تفتح جريدة الأهرام ليس لقرائتها بل كتعود فقط على وجودها وكفعل تقوم به تلقائيا مثل غسل الوجه والأسنان، تجد داخل الجريدة وكموضوع ثابت مثل الشعار الموجود أعلاها موضوعين أساسين يتم تغطيتهما، الأول عن السيسي والثاني عن محمد صلاح.

قد يكون محور الموضوع الأول منطقي كتغطية لنشاط رئيس الدولة ولكن الغير منطقى هو تغطية نشاط محمد صلاح، فنشاط محمد صلاح مرتبط بأداء مباريات الدوري الإنجليزي كل أسبوع وفي حالة مباريات بطولة أوربا تصبح مبارتان كل أسبوع، فمن غير الممكن أن يكون نشاط محمد صلاح الذي يتم تغطيته نشاط يومي فمن أين تأتي هذه الأخبار التي نجدها كل صباح.
ليست القضية هي أخبار وإنجازات محمد صلاح بل الغرض هو البحث عن أي مثال يكون قدوة للشباب في الطموح والمستقبل الواعد لكي يتغلب على الإحباط الموجود لديهم ويسود المجتمع المصري وقد يؤدى الى الغليان. غير واعين لمن سعى لهذا أن نجاحات محمد صلاح هي في دول أوروبية مما يرسخ مفهوم الياس في التقدم داخل هذه الدولة ويزيد من الإحباط.


هذا المنطق في التفكير هو نفس الأسلوب الذي إنتهجه الرئيس المخلوع حسنى مبارك عندما تبنى هو وأولاده منتخب كرة القدم المصري والترويج المبالغ فيه لإنجازاته للتغطية على إخفاقات الدولة، وهو الأسلوب الذي عجّل بنهاية حكمه، فالتركيز على النجاح يظهر بالمقابل الفشل ولاننسى كيف أن روابط المشجعين " الألتراس" التي شجعتها الدولة إعتقاداً منها أنها متنفس لطاقة الشباب وإلهاء لها تحولت الى لعب دور سياسي كان له دور مهم في ثورة يناير.
النظام الرياضي الفاشل
ممدوح عباس (رئيس نادي الزمالك في ذلك الوقت) يرفض ضم محمد صلاح لأنه لاعب محلي. هذه المفاجأة التي توضح مدى ماوصل إليه النظام الرياضي المصري من تهالك. فلازال ينظر للنشاط الرياضي في مصر حتى الآن كحصة العاب في مدرسة في منطقة شعبية تم إلغاء الملاعب منها لبناء فصول تعليمية، ويستولي المدرسين على حصة الألعاب من أجل مجموعات التقوية. أو كما يضرب الأب أو الأم إبنهما لأنه يلعب كره في الشارع ويترك دروسه حتى لايضيع مستقبله.

رغم كل الأضواء والمال والأهتمام الذي يحيط بكرة القدم الآن، لازال الفكر القديم العقيم يسيطر على إدارتها، فقانون الرياضة يرتكز على فكرة الهواية وأن الرياضة مكملة لنشاط الأعضاء وليست قائمة بذاتها، فالأندية تجمع بين النشاط الاجتماعي والرياضى على الورق فقط ولكن الاهتمام منصب على الجوانب الاجتماعية ولايستثنى من ذلك إلا القليل من الأندية على رأسهم الأهلي والزمالك.

وإدارة الأندية تحت سيطرة مجموعة من الهواة المنتفعين الذين لايفقهون شيء في الإدارة الرياضة ومنتجين لكل المشاكل الموجودة حالياً.
حتى النادي الأهلي الذي يفخر بتقاليد إدارته المحترفة ترك الفكر الإحترافي وشغل جمهوره وأدخله في أوهام العظمة بتضخيم قضية عبد الله السعيد.
فاللاعب لم يفعل مايلام عليه فقد تفاوض مع الإدارة على تجديد العقد وعندما لم يصل لإتفاق قبل العرض الأعلى حتى لو كان من المنافس مثلما يفعل كل اللاعبين المحترفين ومثلما فعل الأهلي نفسه عندما تعاقد مع عبد الله السعيد وباقي فريق النادي الإسماعيلي.
محمد صلاح كان لديه الطموح والثقة فكشف أيضاً عن عيوب آخرى في النظام الرياضي. من منشئات متهالكة ونظام تدريب عفى عليه الزمن حتى الوصول الى الترويج لفكرة أن هناك فروق جينية وعقلية بين اللاعب المصري والأجنبي تجعل اللاعب المصري غير قادر على الإحتراف وبالتالي المنافسة العالمية، أي أن العيب ليس في النظام الرياضي بل في الشخصية والقدرات الجسدية للاعب المصري. ماجعل أي فريق مصري يدخل منافسة عالمية يكون فاقداً للثقة ومهزوم مقدماً.

وإخترع الجميع معلقين ونقاد شعار إرتاح له اللاعبين وهو "التمثيل المشرف"، فأصبح النظام الرياضي مجال للإنتفاع المادي بدون ضغوط ومسئوليات معنوية وبدون ضوابط ويتم التغطية على كل ذلك بشعارات تتلاعب وتدغدغ العواطف مثل "نادي القرن" و"النسر الذي يحلق فوق الجميع" ويرد عليه النادي الأخر بشعار النادي الذي أصبح له "درع وسيف" وشعار "يارب النصر لمصر" حتى أصبحت أي مباراة أو بطولة مثل عملية الولادة المتعسرة للجمهور المصري.
صورة الإسلام في الغرب
"إذا أحرز محمد صلاح أهداف سوف أكون مسلماً...."، جزء من أغنية يرددها جمهور ليفربول في إنجلترا التي نتذكر منها ريتشارد قلب الأسد قائد الحرب الصليبية. هذا التغيير الفكري تجاه الإسلام وصورة المسلم جعل الصحف الإنجليزية ترصد سلوكيات اللاعبين المسلمين في الدوري الإنجليزي مثل بول بوجبا لاعب مانشستر يونايتد ومسعود أوزيل لاعب الأرسنال، وكيف تغير هذه الأمثلة الطيبة من نظرة الأنجليز للإسلام والمسلمين، وتلقى الضوء على الجوانب الإيجابية في المسلمة بعيداً عن الصورة النمطية التي يتم تداولها بسبب المسلمين المتطرفين في أوروبا.
لكن هل الفهم الصحيح للشخصية المسلمة والمسلمين ستجعل أنجلترا وأوروبا تسحب إعترافها بإسرائيل و تعتذر عن المظالم التي وقعت على الشعوب المسلمة. هل ستقوم الولايات المتحدة بتغيير مواقفها من الصراعات في المنطقة والبعد عن إستخدام كل الوسائل المشروعة والغير مشروعة للسيطرة على مقدرات المنطقة وإبتزازها كما حدث من الرئيس الأمريكي "ترامب" في إشارته عن السعودية وأنها دولة غنية ويريد بعض من أموالها.
[embed]https://www.youtube.com/watch?v=ekYZWsbXk8g[/embed]
إن الترويج لفكرة عداء الغرب لنا بسبب عدم فهمه للإسلام بسبب تصرفات القلة التي تشوه صورة الإسلام الحقيقية هو ترويج لفشل النخب الاجتماعية التي تعجز عن مواجهة التحديات الفكرية والإجتماعية التي تواجها الدول العربية.
فالمطامع لا يحركها الفهم وعدم الفهم بل تحركها المصالح، فأروبا خاضت حربين عالميتين دمرتا القارة بين دول تنتمي لنفس المكان ونفس منابع الحضارة فلايمكن القول أن فرنسا لاتعرف ألمانيا أو إيطاليا وإنجلترا لاتعرفا النمسا.
الصراعات تندلع لتحقيق المصالح الإستراتيجية والإقتصادية، والقوى الذي يستطيع أن يطور قدراته حتى يمكنه مواجهة هذه التحديات. أما العاجز فهو يلجأ الى الحل الأسهل وهو لوم النفس وجلد الذات وإلقاء تبعية الفشل على المظلوم وليس الظالم. مثل الموقف الشهير عندما تم تمزيق ملابس الصيدلانية أمام مجلس الوزراء في أحداث الثورة وكشف جسدها، فما كان من العجزة أن ألقوا عليها اللوم لأنها لم ترتدي ملابس أسفل العباءة التي مزقها الجنود البواسل.
ذوق فلاحي
فلح .... ذوقك فلاحي.....الفلاح لما يتمدن يجيب لأهله مصيبة......مقولات مأثورة يتداولها القاهريون وأشهرها "قروي ساذج بهرته أضواء المدينة".
الجميع يتذكر شخصية "محفوظ أبو طاقية" القروي الساذج في مسرحية "هاللو شلبي". هذه هي الصورة النمطية لمن يفدون للمدين من الأرياف (الصعيدي الغبي والقروي الساذج) رغم أن كثير من أعلام مصر لم يكونوا قاهري المولد بل من الأرياف مثل عباس العقاد الذي قدم من الصعيد وإمام الدعاة محمد متولي الشعراوي.

إستمر هذا النمط من التفكير وتزايد حتى أصبح مثل الورم السرطاني مع ظهور جيل يرى كل ماهو مصري قديم متخلف وكل ماهو قادم من الغرب متحضر تنويري. ظل هذا الجيل منبهر بكل ماهو غربي ومؤمن كل الإيمان أن لديه رسالة حضارية لجعل الشعب المصري مثال للنموذج الغربي المتحضر. فقام بمحاولة تغيير نمط معيشة الشعب المصري بداية من تغيير القوانين والملابس والأفكار وحتى الذوق العام في الأكل والفنون ونهاية باللغة المستخدمة بين أفراد هذه النخبة.
وفي بداية التسعينات ومع إنفراط عقد الإشتراكية وظهور طبقة طفيلية إغتنت من الفساد الوظيفي والإقتصادي والمالي لكنها فقيرة في الأصل والعراقة، بحثت هذه الطبقة عن أصل بديل فلم تجده إلا في التشبه الى حد التطابق مع أسلوب الحياة الأمريكي فإنفصلت إجتماعياً عن باقي المجتمع وإنغلقت على نفسها أكثر وأكثر وأصبح لها حياتها الخاصة وصحفها ومجلاتها التي تكتب الأنجليزية ومدارسها وفنونها وحتى أماكن الإستجمام التي أسعارها بالتأكيد بعيده عن متناول باقى طبقات الشعب ولغتها التي تحولت الى مسخ شبيه بأغاني الفرانكو أراب نصفها عربي والثاني أنجليزي.

أصبحت هذه الطبقة مجتمع مغلق كأنه من عالم آخر يرى نفسه أنه المتحضر ويحيط نفسه بالأسوار بعيداً عن الآخر الهمج الغوغاء.
لم تكتفي هذه الطبقة بالإنكفاء على الذات أو حتى النظر لباقي الشعب نظرة فوقية متعالية. بل أفسدت كل ما يحتفي به الشعب من متع بسيطة. فالمقاهي البسيطة التي يجتمع فيها الشعب أصبحت كافيهات تجمع النساء والرجال وتشهد سلوكيات لم يعتاد على الجمهور البسيط من قبل.
الإحتفالات الرمضانية الروحانية في حي "الحسين" إنتشرت الخيم الرمضانية في الفنادق كبديل للكباريهات ويمارس فيها كل ما يخالف أجواء الشهر الكريم.
في الفن وبسبب إقبال الناس على التليفزيون في شهر رمضان كترفيه ملتزم يناسب روحانية الشهر الكريم، لم يسلم وحولوه الى شهر مسلسلات تمارس فيه وتروج كل أنواع الموبقات من شرب خمور وخيانة ودعارة وعري.

حتى الدعوة الدينية لم تسلم من هؤلاء، فأفرزت نوع جديد من الدعوة وأصبح هناك دين ومشايخ الخمس نجوم في برامج الدعاة وشباب وسيم مهندم لكي يليق بهذا الوسط يركز في دعوته على المشاعر ويخاطب العواطف بعيداً عن الأحكام والموانع والضوابط التي يفرضها الدين لإستقامة الحياه ولكنها ثقيلة في نظرهم. فتحول الدين الى شيء روحاني منفصل عن الواقع ولايتداخل معه لكنه فقط يعطي راحة نفسيه لممارسة كالراحة النفسية التي تعطيها تمارين اليوجا.
ولا عجب أن نرى في كثير من مواقع الإنستقرام الخاصة بالفنانات إنعكاس لهذا النمط من التديّن. فتجد صورة للفنانة بالشورت أو المايوه وصورة بجانبها بها أيات قرآنية تحض على الفضيلة أو أدعية مأثورة أو تهنئة بأيام الجمع والمناسبات الإسلامية. لكي توضح الفنانة أن رغم ماتفعله فإن قلبها عامر بالإيمان الذي لانعرفه.

هل الكلام الذي سبق مجرد فلسفة تحاول أن تستغل الاهتمام بمحمد صلاح...... لا ليس الأمر كذلك بل هو في صلب الموضوع، فالإحتفاء بالكرة ومباراياتها ليس بسبب حب أو فهم اللعبة بل بسبب أنها أصبحت تجذب الأضواء، فهى فرصة لهؤلاء للشهرة فقط غير معنيين أو عالمين بالرياضة نفسها. تحول جمهور كرة القدم الى متفرج كمن يشاهد فيلم سينمائي وليس جمهور متفاعل مشجع ففقد المنتخب الروح التي تحركه كما كان يقال "الجمهور هو اللاعب رقم 12" في الملعب. وبسبب هذا الجمهور خرجت مصر من تصفيات كأس العالم أمام الجزائر في السودان بسبب الجمهور الإعلامي الذي بحث الفريق عن تشجيعة ومؤازرته في وقت الحاجة وقت أن كان مهزوماً فلم يجده.

وفي التصفيات الأخيرة، كاد الموقف يتكرر، فأنت أمام جمهور جاء ليظهر على شاشات التلفزيون وفنانات لوضع صورهم على الإنستقرام. وعندما تعادلت مصر والكونغو خيم على الإستاد صمت القبور ولم ينقذ الفريق إلا هتافات بعض المشجعين الحقيقين وحماس محمد صلاح الذي إنتقل لباقي الفريق وروح اللاعبين وقتالهم لأخر دقيقة.
إن إهتمام هذه الطبقة الطفيلية وإحتفائها بمحمد صلاح يهدم كل ماتم الترويج له والبناء عليه في السنوات العشرين الماضية.

فمحمد صلاح جاء من قرية صغيرة مثل آلاف القرى التي تنتشر في أنحاء الريف المصري، لم تبهره المدينة ولم يحاول تقليد نمط الحياه فيها. ورغم سفره ومعيشته متنقلاً بين سويسرا وإيطاليا وإنجلترا حيث أصبح محط الأنظار ظل يحمل معه شخصيته القروية البسيطة ولم تبهره أضواء المدن بل عاش بنفس أخلاق وتقاليد القرية التي تربى فيها. وهذا هو المقصد من كل الكلام الذي سبق، فالشخصية القروية المصرية وأخلاقياتها التي يحملها محمد صلاح معه أينما يذهب لم تكن إنتقاص أو عار يجب التخلص منه لكي ينضم الى طبقة الناس المتحضرين بل جذبت الإنتباه والإعجاب بسماتها وقسماتها من تواضع وعاطفة وتعاطف وإتزان في تصرفاتها المسئولة، فأصبحت تؤثر فيمن حولها ولا تتأثر بهم. وهذا يجعلنا نطالب هذه الطبقة الطفيلية بأن تكف عن النظر لباقي المجتمع بنظرة متعالية بل لأبالغ إذا طالبتها بأن تحاول أن تتعلم وتقلد قيم وأخلاق القرية المصرية البسيطة إذا أرادت أن تكون طبقة متحضرة.


[embed]https://www.youtube.com/watch?v=9lAIfPTvtcI[/embed]
هذه هي العيوب التي فضحها محمد صلاح في مصر والمصريين وهى تفاصيل لمن يريد أن ينتهز الفرصة لتأملها في هذا الوقت التي تسلط فيه الأضواء على محمد صلاح لكى نرى الملامح والتفاصيل، وهى فرصة صعب أن تتكرر في المستقبل القريب، قبل أن نعود مرة أخرى الى الحياة الروتينية الرمادية البليدة.

المهندس/ حازم الأشهب
مهندس تحليل بيانات وتصميم نظم يستخدم نفس الأساليب العلمية على الحياة المجتمعية ومشاكلها.
لكن مع تسليط الأضواء وزيادتها وبدون أن نشعر تظهر تحت نفس الأضواء التفاصيل الصغيرة والجوانب الآخرى السلبية التي لانريد أن تظهر وقد لا تلفت الإنتباه في الأضواء الخافته المعتمة للصورة.
فما هي التفاصيل والجوانب السلبية التي كشفتها الأضواء المسلطة على محمد صلاح وكيف فضحت مصر والمصريين
الاهتمام الإعلامي المبالغ فيه
كل صباح عندما تفتح جريدة الأهرام ليس لقرائتها بل كتعود فقط على وجودها وكفعل تقوم به تلقائيا مثل غسل الوجه والأسنان، تجد داخل الجريدة وكموضوع ثابت مثل الشعار الموجود أعلاها موضوعين أساسين يتم تغطيتهما، الأول عن السيسي والثاني عن محمد صلاح.

قد يكون محور الموضوع الأول منطقي كتغطية لنشاط رئيس الدولة ولكن الغير منطقى هو تغطية نشاط محمد صلاح، فنشاط محمد صلاح مرتبط بأداء مباريات الدوري الإنجليزي كل أسبوع وفي حالة مباريات بطولة أوربا تصبح مبارتان كل أسبوع، فمن غير الممكن أن يكون نشاط محمد صلاح الذي يتم تغطيته نشاط يومي فمن أين تأتي هذه الأخبار التي نجدها كل صباح.
ليست القضية هي أخبار وإنجازات محمد صلاح بل الغرض هو البحث عن أي مثال يكون قدوة للشباب في الطموح والمستقبل الواعد لكي يتغلب على الإحباط الموجود لديهم ويسود المجتمع المصري وقد يؤدى الى الغليان. غير واعين لمن سعى لهذا أن نجاحات محمد صلاح هي في دول أوروبية مما يرسخ مفهوم الياس في التقدم داخل هذه الدولة ويزيد من الإحباط.


هذا المنطق في التفكير هو نفس الأسلوب الذي إنتهجه الرئيس المخلوع حسنى مبارك عندما تبنى هو وأولاده منتخب كرة القدم المصري والترويج المبالغ فيه لإنجازاته للتغطية على إخفاقات الدولة، وهو الأسلوب الذي عجّل بنهاية حكمه، فالتركيز على النجاح يظهر بالمقابل الفشل ولاننسى كيف أن روابط المشجعين " الألتراس" التي شجعتها الدولة إعتقاداً منها أنها متنفس لطاقة الشباب وإلهاء لها تحولت الى لعب دور سياسي كان له دور مهم في ثورة يناير.
النظام الرياضي الفاشل
ممدوح عباس (رئيس نادي الزمالك في ذلك الوقت) يرفض ضم محمد صلاح لأنه لاعب محلي. هذه المفاجأة التي توضح مدى ماوصل إليه النظام الرياضي المصري من تهالك. فلازال ينظر للنشاط الرياضي في مصر حتى الآن كحصة العاب في مدرسة في منطقة شعبية تم إلغاء الملاعب منها لبناء فصول تعليمية، ويستولي المدرسين على حصة الألعاب من أجل مجموعات التقوية. أو كما يضرب الأب أو الأم إبنهما لأنه يلعب كره في الشارع ويترك دروسه حتى لايضيع مستقبله.

رغم كل الأضواء والمال والأهتمام الذي يحيط بكرة القدم الآن، لازال الفكر القديم العقيم يسيطر على إدارتها، فقانون الرياضة يرتكز على فكرة الهواية وأن الرياضة مكملة لنشاط الأعضاء وليست قائمة بذاتها، فالأندية تجمع بين النشاط الاجتماعي والرياضى على الورق فقط ولكن الاهتمام منصب على الجوانب الاجتماعية ولايستثنى من ذلك إلا القليل من الأندية على رأسهم الأهلي والزمالك.

وإدارة الأندية تحت سيطرة مجموعة من الهواة المنتفعين الذين لايفقهون شيء في الإدارة الرياضة ومنتجين لكل المشاكل الموجودة حالياً.
حتى النادي الأهلي الذي يفخر بتقاليد إدارته المحترفة ترك الفكر الإحترافي وشغل جمهوره وأدخله في أوهام العظمة بتضخيم قضية عبد الله السعيد.
فاللاعب لم يفعل مايلام عليه فقد تفاوض مع الإدارة على تجديد العقد وعندما لم يصل لإتفاق قبل العرض الأعلى حتى لو كان من المنافس مثلما يفعل كل اللاعبين المحترفين ومثلما فعل الأهلي نفسه عندما تعاقد مع عبد الله السعيد وباقي فريق النادي الإسماعيلي.
محمد صلاح كان لديه الطموح والثقة فكشف أيضاً عن عيوب آخرى في النظام الرياضي. من منشئات متهالكة ونظام تدريب عفى عليه الزمن حتى الوصول الى الترويج لفكرة أن هناك فروق جينية وعقلية بين اللاعب المصري والأجنبي تجعل اللاعب المصري غير قادر على الإحتراف وبالتالي المنافسة العالمية، أي أن العيب ليس في النظام الرياضي بل في الشخصية والقدرات الجسدية للاعب المصري. ماجعل أي فريق مصري يدخل منافسة عالمية يكون فاقداً للثقة ومهزوم مقدماً.

وإخترع الجميع معلقين ونقاد شعار إرتاح له اللاعبين وهو "التمثيل المشرف"، فأصبح النظام الرياضي مجال للإنتفاع المادي بدون ضغوط ومسئوليات معنوية وبدون ضوابط ويتم التغطية على كل ذلك بشعارات تتلاعب وتدغدغ العواطف مثل "نادي القرن" و"النسر الذي يحلق فوق الجميع" ويرد عليه النادي الأخر بشعار النادي الذي أصبح له "درع وسيف" وشعار "يارب النصر لمصر" حتى أصبحت أي مباراة أو بطولة مثل عملية الولادة المتعسرة للجمهور المصري.
صورة الإسلام في الغرب
"إذا أحرز محمد صلاح أهداف سوف أكون مسلماً...."، جزء من أغنية يرددها جمهور ليفربول في إنجلترا التي نتذكر منها ريتشارد قلب الأسد قائد الحرب الصليبية. هذا التغيير الفكري تجاه الإسلام وصورة المسلم جعل الصحف الإنجليزية ترصد سلوكيات اللاعبين المسلمين في الدوري الإنجليزي مثل بول بوجبا لاعب مانشستر يونايتد ومسعود أوزيل لاعب الأرسنال، وكيف تغير هذه الأمثلة الطيبة من نظرة الأنجليز للإسلام والمسلمين، وتلقى الضوء على الجوانب الإيجابية في المسلمة بعيداً عن الصورة النمطية التي يتم تداولها بسبب المسلمين المتطرفين في أوروبا.
لكن هل الفهم الصحيح للشخصية المسلمة والمسلمين ستجعل أنجلترا وأوروبا تسحب إعترافها بإسرائيل و تعتذر عن المظالم التي وقعت على الشعوب المسلمة. هل ستقوم الولايات المتحدة بتغيير مواقفها من الصراعات في المنطقة والبعد عن إستخدام كل الوسائل المشروعة والغير مشروعة للسيطرة على مقدرات المنطقة وإبتزازها كما حدث من الرئيس الأمريكي "ترامب" في إشارته عن السعودية وأنها دولة غنية ويريد بعض من أموالها.
[embed]https://www.youtube.com/watch?v=ekYZWsbXk8g[/embed]
إن الترويج لفكرة عداء الغرب لنا بسبب عدم فهمه للإسلام بسبب تصرفات القلة التي تشوه صورة الإسلام الحقيقية هو ترويج لفشل النخب الاجتماعية التي تعجز عن مواجهة التحديات الفكرية والإجتماعية التي تواجها الدول العربية.
فالمطامع لا يحركها الفهم وعدم الفهم بل تحركها المصالح، فأروبا خاضت حربين عالميتين دمرتا القارة بين دول تنتمي لنفس المكان ونفس منابع الحضارة فلايمكن القول أن فرنسا لاتعرف ألمانيا أو إيطاليا وإنجلترا لاتعرفا النمسا.
الصراعات تندلع لتحقيق المصالح الإستراتيجية والإقتصادية، والقوى الذي يستطيع أن يطور قدراته حتى يمكنه مواجهة هذه التحديات. أما العاجز فهو يلجأ الى الحل الأسهل وهو لوم النفس وجلد الذات وإلقاء تبعية الفشل على المظلوم وليس الظالم. مثل الموقف الشهير عندما تم تمزيق ملابس الصيدلانية أمام مجلس الوزراء في أحداث الثورة وكشف جسدها، فما كان من العجزة أن ألقوا عليها اللوم لأنها لم ترتدي ملابس أسفل العباءة التي مزقها الجنود البواسل.
ذوق فلاحي
فلح .... ذوقك فلاحي.....الفلاح لما يتمدن يجيب لأهله مصيبة......مقولات مأثورة يتداولها القاهريون وأشهرها "قروي ساذج بهرته أضواء المدينة".
الجميع يتذكر شخصية "محفوظ أبو طاقية" القروي الساذج في مسرحية "هاللو شلبي". هذه هي الصورة النمطية لمن يفدون للمدين من الأرياف (الصعيدي الغبي والقروي الساذج) رغم أن كثير من أعلام مصر لم يكونوا قاهري المولد بل من الأرياف مثل عباس العقاد الذي قدم من الصعيد وإمام الدعاة محمد متولي الشعراوي.

إستمر هذا النمط من التفكير وتزايد حتى أصبح مثل الورم السرطاني مع ظهور جيل يرى كل ماهو مصري قديم متخلف وكل ماهو قادم من الغرب متحضر تنويري. ظل هذا الجيل منبهر بكل ماهو غربي ومؤمن كل الإيمان أن لديه رسالة حضارية لجعل الشعب المصري مثال للنموذج الغربي المتحضر. فقام بمحاولة تغيير نمط معيشة الشعب المصري بداية من تغيير القوانين والملابس والأفكار وحتى الذوق العام في الأكل والفنون ونهاية باللغة المستخدمة بين أفراد هذه النخبة.
وفي بداية التسعينات ومع إنفراط عقد الإشتراكية وظهور طبقة طفيلية إغتنت من الفساد الوظيفي والإقتصادي والمالي لكنها فقيرة في الأصل والعراقة، بحثت هذه الطبقة عن أصل بديل فلم تجده إلا في التشبه الى حد التطابق مع أسلوب الحياة الأمريكي فإنفصلت إجتماعياً عن باقي المجتمع وإنغلقت على نفسها أكثر وأكثر وأصبح لها حياتها الخاصة وصحفها ومجلاتها التي تكتب الأنجليزية ومدارسها وفنونها وحتى أماكن الإستجمام التي أسعارها بالتأكيد بعيده عن متناول باقى طبقات الشعب ولغتها التي تحولت الى مسخ شبيه بأغاني الفرانكو أراب نصفها عربي والثاني أنجليزي.

أصبحت هذه الطبقة مجتمع مغلق كأنه من عالم آخر يرى نفسه أنه المتحضر ويحيط نفسه بالأسوار بعيداً عن الآخر الهمج الغوغاء.
لم تكتفي هذه الطبقة بالإنكفاء على الذات أو حتى النظر لباقي الشعب نظرة فوقية متعالية. بل أفسدت كل ما يحتفي به الشعب من متع بسيطة. فالمقاهي البسيطة التي يجتمع فيها الشعب أصبحت كافيهات تجمع النساء والرجال وتشهد سلوكيات لم يعتاد على الجمهور البسيط من قبل.
الإحتفالات الرمضانية الروحانية في حي "الحسين" إنتشرت الخيم الرمضانية في الفنادق كبديل للكباريهات ويمارس فيها كل ما يخالف أجواء الشهر الكريم.
في الفن وبسبب إقبال الناس على التليفزيون في شهر رمضان كترفيه ملتزم يناسب روحانية الشهر الكريم، لم يسلم وحولوه الى شهر مسلسلات تمارس فيه وتروج كل أنواع الموبقات من شرب خمور وخيانة ودعارة وعري.

حتى الدعوة الدينية لم تسلم من هؤلاء، فأفرزت نوع جديد من الدعوة وأصبح هناك دين ومشايخ الخمس نجوم في برامج الدعاة وشباب وسيم مهندم لكي يليق بهذا الوسط يركز في دعوته على المشاعر ويخاطب العواطف بعيداً عن الأحكام والموانع والضوابط التي يفرضها الدين لإستقامة الحياه ولكنها ثقيلة في نظرهم. فتحول الدين الى شيء روحاني منفصل عن الواقع ولايتداخل معه لكنه فقط يعطي راحة نفسيه لممارسة كالراحة النفسية التي تعطيها تمارين اليوجا.
ولا عجب أن نرى في كثير من مواقع الإنستقرام الخاصة بالفنانات إنعكاس لهذا النمط من التديّن. فتجد صورة للفنانة بالشورت أو المايوه وصورة بجانبها بها أيات قرآنية تحض على الفضيلة أو أدعية مأثورة أو تهنئة بأيام الجمع والمناسبات الإسلامية. لكي توضح الفنانة أن رغم ماتفعله فإن قلبها عامر بالإيمان الذي لانعرفه.

هل الكلام الذي سبق مجرد فلسفة تحاول أن تستغل الاهتمام بمحمد صلاح...... لا ليس الأمر كذلك بل هو في صلب الموضوع، فالإحتفاء بالكرة ومباراياتها ليس بسبب حب أو فهم اللعبة بل بسبب أنها أصبحت تجذب الأضواء، فهى فرصة لهؤلاء للشهرة فقط غير معنيين أو عالمين بالرياضة نفسها. تحول جمهور كرة القدم الى متفرج كمن يشاهد فيلم سينمائي وليس جمهور متفاعل مشجع ففقد المنتخب الروح التي تحركه كما كان يقال "الجمهور هو اللاعب رقم 12" في الملعب. وبسبب هذا الجمهور خرجت مصر من تصفيات كأس العالم أمام الجزائر في السودان بسبب الجمهور الإعلامي الذي بحث الفريق عن تشجيعة ومؤازرته في وقت الحاجة وقت أن كان مهزوماً فلم يجده.

وفي التصفيات الأخيرة، كاد الموقف يتكرر، فأنت أمام جمهور جاء ليظهر على شاشات التلفزيون وفنانات لوضع صورهم على الإنستقرام. وعندما تعادلت مصر والكونغو خيم على الإستاد صمت القبور ولم ينقذ الفريق إلا هتافات بعض المشجعين الحقيقين وحماس محمد صلاح الذي إنتقل لباقي الفريق وروح اللاعبين وقتالهم لأخر دقيقة.
إن إهتمام هذه الطبقة الطفيلية وإحتفائها بمحمد صلاح يهدم كل ماتم الترويج له والبناء عليه في السنوات العشرين الماضية.

فمحمد صلاح جاء من قرية صغيرة مثل آلاف القرى التي تنتشر في أنحاء الريف المصري، لم تبهره المدينة ولم يحاول تقليد نمط الحياه فيها. ورغم سفره ومعيشته متنقلاً بين سويسرا وإيطاليا وإنجلترا حيث أصبح محط الأنظار ظل يحمل معه شخصيته القروية البسيطة ولم تبهره أضواء المدن بل عاش بنفس أخلاق وتقاليد القرية التي تربى فيها. وهذا هو المقصد من كل الكلام الذي سبق، فالشخصية القروية المصرية وأخلاقياتها التي يحملها محمد صلاح معه أينما يذهب لم تكن إنتقاص أو عار يجب التخلص منه لكي ينضم الى طبقة الناس المتحضرين بل جذبت الإنتباه والإعجاب بسماتها وقسماتها من تواضع وعاطفة وتعاطف وإتزان في تصرفاتها المسئولة، فأصبحت تؤثر فيمن حولها ولا تتأثر بهم. وهذا يجعلنا نطالب هذه الطبقة الطفيلية بأن تكف عن النظر لباقي المجتمع بنظرة متعالية بل لأبالغ إذا طالبتها بأن تحاول أن تتعلم وتقلد قيم وأخلاق القرية المصرية البسيطة إذا أرادت أن تكون طبقة متحضرة.


[embed]https://www.youtube.com/watch?v=9lAIfPTvtcI[/embed]
هذه هي العيوب التي فضحها محمد صلاح في مصر والمصريين وهى تفاصيل لمن يريد أن ينتهز الفرصة لتأملها في هذا الوقت التي تسلط فيه الأضواء على محمد صلاح لكى نرى الملامح والتفاصيل، وهى فرصة صعب أن تتكرر في المستقبل القريب، قبل أن نعود مرة أخرى الى الحياة الروتينية الرمادية البليدة.

المهندس/ حازم الأشهب
مهندس تحليل بيانات وتصميم نظم يستخدم نفس الأساليب العلمية على الحياة المجتمعية ومشاكلها.