كان يمكن أن يكون الأمر أسوأ. إن قرار الرئيس ترامب في 12 كانون الثاني/يناير بتمديد تعليق العقوبات بينما هدد بالانسحاب من خطة العمل المشتركة ا...
كان يمكن أن يكون الأمر أسوأ. إن قرار الرئيس ترامب في 12 كانون الثاني/يناير بتمديد تعليق العقوبات بينما هدد بالانسحاب من خطة العمل المشتركة الشاملة – أي الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في تموز/يوليو 2015 بين إيران والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا (الخمسة + واحد) - ما لم يوافق الكونغرس وأوروبا على تعديل بنود الاتفاق بشكل أحادي، يترك الاتفاق في وضعه المعلق الذي اكتسبه في أعقاب انتخاب ترامب. رغم ذلك، وبالنظر إلى عدم إمكانية التنبؤ بأفعاله، وعدائه الظاهر للاتفاق، وكرهه لفكرة إضفاء الشرعية على أي شيء يحمل بصمة سلفه، والقلاقل التي هزت إيران، فإن التخمينات كانت قد سادت بأنه سيعلن موت الاتفاق. لكن الاحتفال أيضاً سابق لأوانه؛ حيث إن قرار البيت الأبيض لا يشكل أكثر من هدنة. إذا أُخذ الأمر على ظاهره، فإن المعيار الذي أصر ترامب على تحقيقه بحلول أيار/مايو كي تظل الولايات المتحدة جزءاً من الاتفاق لا ينسجم مع الاتفاق النووي. على الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق الاستفادة من هذه الفترة لتشجيع الولايات المتحدة على عدم الانسحاب، وفي الوقت نفسه دراسة وسائل المحافظة على الاتفاق بصرف النظر عن الإجراءات الأميركية. يمكن لانهيار الاتفاق أن يعيد إشعال أزمة من شأنها تعميق التوترات في منطقة مضطربة وتوجيه ضربة يصعب عكسها للدبلوماسية متعددة الأطراف ونظام عدم الانتشار.
مع دخول الاتفاق النووي العام الثالث من تنفيذه، فإنه لا يزال يحقق الهدف الجوهري منه؛ ففي العام الماضي، وفت إيران بشكل لا تشوبه شائبة بالتزاماتها النووية، طبقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما يجعل أي اندفاعة نحو الأسلحة النووية دون أن يتم اكتشاف ذلك أمراً مستحيلاً. يبدو أن هذا لا يشكل سوى مصلحة هامشية لإدارة ترامب، التي تستمر بإدانة الاتفاق على أن فيه نقاط خلل لأن القيود النووية الواردة فيه تنتهي صلاحيتها بين عامي 2026 و2031 ولأنه لا يعالج سياسات إيران الأوسع، بما في ذلك برنامجها للصواريخ البالستية ودعمها للاعبين من غير الدول في المنطقة.
اتخذ ترامب خطوة رئيسة أولى نحو تقويض الاتفاق النووي في تشرين الأول/أكتوبر، عندما رفض المصادقة على الاتفاق على أساس أن العقوبات التي علقها لم تكن متناسبة مع الخطوات النووية التي اتخذتها إيران. وبضغوط من معظم أعضاء حكومته، الذين جادلوا بأن الانسحاب من الاتفاق سيكون مكلفاً دبلوماسياً، استمر بتمديد تعليق العقوبات. غير أن الإدارة فرضت عقوبات اقتصادية أخرى وحضت الشركات الدولية على عدم التعامل مع إيران، وبذلك وضعت طهران في موقع غير مريح بحيث يترتب عليها الالتزام بالقيود النووية الواردة في الاتفاق بينما تستفيد جزئياً فقط من مكافآته الاقتصادية. كما كلف ترامب الكونغرس إصدار تشريعات من شأنها تغيير بنود الاتفاق بشكل أحادي. على حد تعبير بعض أنصاره، فإن رسالته كانت واضحة، ومفادها: إما أن تصلحوا الاتفاق، أو سأدمره.
عندما أتى الوقت الذي بات فيه على ترامب أن يقرر مرة أخرى ما إذا كان سيستمر في تمديد تعليق العقوبات، فإن مقاربته للموضوع لم تكن قد أثمرت. ومرد هذا جزئياً إلى أن أي تعديل أحادي على الاتفاق النووي سيشكل انتهاكاً له، وبالتالي سيعزل الولايات المتحدة، وهو أمر لا يرغب في فعله حتى العديد من الأعضاء الجمهوريين. لم يتمكن الكونغرس حتى الآن من إيجاد حل وسط يرضي البيت الأبيض، ويلتزم بالاتفاق ويكون مقبولاً للأوربيين. وهكذا فإنه لجأ هذه المرة إلى رفع الرهانات؛ فقد أوضح أنه سينسحب من الاتفاق إذا لم يتمكن الكونغرس وأوروبا خلال الـ 120 يوماً القادمة من تلبية مطالبه.
طهران من جهتها التزمت في الوقت الراهن بالاتفاق، وركزت على الفوز باللعبة الدولية لتقاذف المسؤوليات وضمان استمرار تعاملاتها الاقتصادية مع أوروبا. لكن صبرها قد يكون شارف على النفاد؛ إذ إن وضعها الدبلوماسي الراجح لم يساعدها في الداخل، حيث يتسم تحقق فوائد الاتفاق بالبطء، ما قوض التوقعات الشعبية وأسهم (إضافة إلى الاستياء العميق من سوء الإدارة، والفساد المستشري، والحرمان السياسي والاجتماعي والاقتصادي) في الاضطرابات والاحتجاجات في عدة مدن. إذا تلاشت تلك الفوائد أكثر نتيجة العقوبات الأميركية – من خلال المزيد من انعدام اليقين، أو المزيد من العقوبات، أو الانسحاب من الاتفاق – فإن إيران يمكن أن ترد بطريقة تلحق ضرراً كبيراً.
يمكن القول إن أوروبا، التي تضاعفت تجارة إيران معها خلال العام الماضي، تمتلك مفتاح بقاء الاتفاق: عليها أن تقنع الولايات المتحدة بعدم التراجع عن التزاماتها وبالمحافظة على حوافز كافية لطهران كي تبقى جزءاً من الاتفاق حتى إذا فعلت واشنطن ذلك أو إذا استمرت إجراءاتها بتقليص الفوائد الاقتصادية التي تجنيها إيران. لكن في هذا المجال أيضاً ثمة انعدام لليقين حول مدى فعالية أوروبا. إدارة ترامب ترغب بالعمل بشكل منسق مع شركائها الأوروبيين، لكن ليس بأي كلفة؛ حيث يمكن أن تختط مساراً منفرداً رغم المعارضة الأوروبية. كما أن فرض عقوبات ثانوية أميركية على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران سيفرض عليها مواجهة خيار إما تقليص تجارتها (التي لا تزال متواضعة نسبياً) مع إيران واستثماراتها فيها أو تعريض وصولها إلى السوق الأميركية الأكبر والأكثر ربحية للخطر.
إن الخشية من أن ينفذ الرئيس ما قاله ويخرج من الاتفاق من المرجح أن يحفز اللاعبين الأوروبيين وأعضاء الكونغرس الأميركي على السعي لإيجاد السبل لإرضاء ترامب دون تعريض الاتفاق النووي للخطر. يقوم عدة أعضاء جمهوريين وديمقراطيين في الكونغرس الأميركي أصلاً بالترويج لمسودة تشريع من شأنه أن يلتقي مع البيت الأبيض في منتصف الطريق. فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي يناقشون من جهتهم كيفية إظهار مخاوف أكبر حيال برنامج الصواريخ البالستية الإيراني وأنشطتها النووية، والتفكير فيما ستفعله عندما تنتهي صلاحية بعض القيود النووية وموازنة رد فعلها على تمرير التشريعات الأميركية المذكورة أعلاه. أما كيف سيؤثر الإنذار الصاخب الذي أطلقه ترامب في 12 كانون الثاني/يناير في حساباتهم – وما إذا كان خطابه المتشدد سيترك مجالاً للتسوية – فإنه يبقى أمراً غير مؤكد.
كان هناك بعض الغموض في لغة الرئيس من المهم اختباره، لكن فقط إلى درجة معينة. إذا أصدر الكونغرس تشريعاً أو إذا وافقت أوروبا على إجراءات أميركية تشكل انتهاكات للاتفاق النووي – على سبيل المثال بالتهديد بالإعادة التلقائية للعقوبات إذا انخرطت إيران في نشاط مسموح بموجب الاتفاق – فإنها ستكون متواطئة في انهيار الاتفاق. وهذا بدوره سيجعل من المستحيل منع إيران من اتخاذ إجراءات قائمة على المعاملة بالمثل من جهتها. بعبارة أخرى، فإن خطوات مصممة لمنع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق يمكن أن تؤدي في المحصلة إلى إنهائه. لا ينبغي أن يكون للكونغرس الأميركي ولا لأوروبا أي يد في هذا.
إذا كانت إدارة ترامب مصممة على انتهاك الاتفاق النووي، يستحسن أن تفعل ذلك بمفردها، ومن ثم يستحسن أن تفعل أوروبا ما بوسعها لإنقاذه. سيكون من الجوهري ضمان حصول إيران على مكاسب دبلوماسية واقتصادية كافية شريطة أن تفي إيران بالتزاماتها رغم أن هذه المكاسب ستكون دون شك أقل من التحقق الكامل لما نص عليه الاتفاق النووي. ومن أجل أن يتحقق ذلك:
إن حقيقة كون الاتفاق النووي، ورغم عداء ترامب له، استمر في الحياة لفترة أطول من اتفاقات متعددة الأطراف تراجع عنها يشكل دليلاً على فائدته وربما على قوته؛ فقد وضع الاتفاق حداً لبرنامج إيران النووي وفتح الباب لإعادة تأهيلها اقتصادياً. لكن لا ينبغي على الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق أن تفترض أنه يمكن للاتفاق أن يتحمل المزيد من الضربات. ينبغي أن يبادروا إلى الدفاع عنه قبل فوات الأوان.
لقراءة كامل تقرير: عامان على الإتفاق النووي الأمريكي
المصدر: موقع كريسس جروب
https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/iran/
مع دخول الاتفاق النووي العام الثالث من تنفيذه، فإنه لا يزال يحقق الهدف الجوهري منه؛ ففي العام الماضي، وفت إيران بشكل لا تشوبه شائبة بالتزاماتها النووية، طبقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما يجعل أي اندفاعة نحو الأسلحة النووية دون أن يتم اكتشاف ذلك أمراً مستحيلاً. يبدو أن هذا لا يشكل سوى مصلحة هامشية لإدارة ترامب، التي تستمر بإدانة الاتفاق على أن فيه نقاط خلل لأن القيود النووية الواردة فيه تنتهي صلاحيتها بين عامي 2026 و2031 ولأنه لا يعالج سياسات إيران الأوسع، بما في ذلك برنامجها للصواريخ البالستية ودعمها للاعبين من غير الدول في المنطقة.
اتخذ ترامب خطوة رئيسة أولى نحو تقويض الاتفاق النووي في تشرين الأول/أكتوبر، عندما رفض المصادقة على الاتفاق على أساس أن العقوبات التي علقها لم تكن متناسبة مع الخطوات النووية التي اتخذتها إيران. وبضغوط من معظم أعضاء حكومته، الذين جادلوا بأن الانسحاب من الاتفاق سيكون مكلفاً دبلوماسياً، استمر بتمديد تعليق العقوبات. غير أن الإدارة فرضت عقوبات اقتصادية أخرى وحضت الشركات الدولية على عدم التعامل مع إيران، وبذلك وضعت طهران في موقع غير مريح بحيث يترتب عليها الالتزام بالقيود النووية الواردة في الاتفاق بينما تستفيد جزئياً فقط من مكافآته الاقتصادية. كما كلف ترامب الكونغرس إصدار تشريعات من شأنها تغيير بنود الاتفاق بشكل أحادي. على حد تعبير بعض أنصاره، فإن رسالته كانت واضحة، ومفادها: إما أن تصلحوا الاتفاق، أو سأدمره.
عندما أتى الوقت الذي بات فيه على ترامب أن يقرر مرة أخرى ما إذا كان سيستمر في تمديد تعليق العقوبات، فإن مقاربته للموضوع لم تكن قد أثمرت. ومرد هذا جزئياً إلى أن أي تعديل أحادي على الاتفاق النووي سيشكل انتهاكاً له، وبالتالي سيعزل الولايات المتحدة، وهو أمر لا يرغب في فعله حتى العديد من الأعضاء الجمهوريين. لم يتمكن الكونغرس حتى الآن من إيجاد حل وسط يرضي البيت الأبيض، ويلتزم بالاتفاق ويكون مقبولاً للأوربيين. وهكذا فإنه لجأ هذه المرة إلى رفع الرهانات؛ فقد أوضح أنه سينسحب من الاتفاق إذا لم يتمكن الكونغرس وأوروبا خلال الـ 120 يوماً القادمة من تلبية مطالبه.
طهران من جهتها التزمت في الوقت الراهن بالاتفاق، وركزت على الفوز باللعبة الدولية لتقاذف المسؤوليات وضمان استمرار تعاملاتها الاقتصادية مع أوروبا. لكن صبرها قد يكون شارف على النفاد؛ إذ إن وضعها الدبلوماسي الراجح لم يساعدها في الداخل، حيث يتسم تحقق فوائد الاتفاق بالبطء، ما قوض التوقعات الشعبية وأسهم (إضافة إلى الاستياء العميق من سوء الإدارة، والفساد المستشري، والحرمان السياسي والاجتماعي والاقتصادي) في الاضطرابات والاحتجاجات في عدة مدن. إذا تلاشت تلك الفوائد أكثر نتيجة العقوبات الأميركية – من خلال المزيد من انعدام اليقين، أو المزيد من العقوبات، أو الانسحاب من الاتفاق – فإن إيران يمكن أن ترد بطريقة تلحق ضرراً كبيراً.
يمكن القول إن أوروبا، التي تضاعفت تجارة إيران معها خلال العام الماضي، تمتلك مفتاح بقاء الاتفاق: عليها أن تقنع الولايات المتحدة بعدم التراجع عن التزاماتها وبالمحافظة على حوافز كافية لطهران كي تبقى جزءاً من الاتفاق حتى إذا فعلت واشنطن ذلك أو إذا استمرت إجراءاتها بتقليص الفوائد الاقتصادية التي تجنيها إيران. لكن في هذا المجال أيضاً ثمة انعدام لليقين حول مدى فعالية أوروبا. إدارة ترامب ترغب بالعمل بشكل منسق مع شركائها الأوروبيين، لكن ليس بأي كلفة؛ حيث يمكن أن تختط مساراً منفرداً رغم المعارضة الأوروبية. كما أن فرض عقوبات ثانوية أميركية على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران سيفرض عليها مواجهة خيار إما تقليص تجارتها (التي لا تزال متواضعة نسبياً) مع إيران واستثماراتها فيها أو تعريض وصولها إلى السوق الأميركية الأكبر والأكثر ربحية للخطر.
إن الخشية من أن ينفذ الرئيس ما قاله ويخرج من الاتفاق من المرجح أن يحفز اللاعبين الأوروبيين وأعضاء الكونغرس الأميركي على السعي لإيجاد السبل لإرضاء ترامب دون تعريض الاتفاق النووي للخطر. يقوم عدة أعضاء جمهوريين وديمقراطيين في الكونغرس الأميركي أصلاً بالترويج لمسودة تشريع من شأنه أن يلتقي مع البيت الأبيض في منتصف الطريق. فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي يناقشون من جهتهم كيفية إظهار مخاوف أكبر حيال برنامج الصواريخ البالستية الإيراني وأنشطتها النووية، والتفكير فيما ستفعله عندما تنتهي صلاحية بعض القيود النووية وموازنة رد فعلها على تمرير التشريعات الأميركية المذكورة أعلاه. أما كيف سيؤثر الإنذار الصاخب الذي أطلقه ترامب في 12 كانون الثاني/يناير في حساباتهم – وما إذا كان خطابه المتشدد سيترك مجالاً للتسوية – فإنه يبقى أمراً غير مؤكد.
كان هناك بعض الغموض في لغة الرئيس من المهم اختباره، لكن فقط إلى درجة معينة. إذا أصدر الكونغرس تشريعاً أو إذا وافقت أوروبا على إجراءات أميركية تشكل انتهاكات للاتفاق النووي – على سبيل المثال بالتهديد بالإعادة التلقائية للعقوبات إذا انخرطت إيران في نشاط مسموح بموجب الاتفاق – فإنها ستكون متواطئة في انهيار الاتفاق. وهذا بدوره سيجعل من المستحيل منع إيران من اتخاذ إجراءات قائمة على المعاملة بالمثل من جهتها. بعبارة أخرى، فإن خطوات مصممة لمنع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق يمكن أن تؤدي في المحصلة إلى إنهائه. لا ينبغي أن يكون للكونغرس الأميركي ولا لأوروبا أي يد في هذا.
إذا كانت إدارة ترامب مصممة على انتهاك الاتفاق النووي، يستحسن أن تفعل ذلك بمفردها، ومن ثم يستحسن أن تفعل أوروبا ما بوسعها لإنقاذه. سيكون من الجوهري ضمان حصول إيران على مكاسب دبلوماسية واقتصادية كافية شريطة أن تفي إيران بالتزاماتها رغم أن هذه المكاسب ستكون دون شك أقل من التحقق الكامل لما نص عليه الاتفاق النووي. ومن أجل أن يتحقق ذلك:
- ينبغي على أوروبا أن تمضي أبعد من الدعم الكلامي وأن تضمن بقاء الاتفاق النووي من خلال توفير الغطاء لشركاتها في حال فرض عقوبات أميركية ثانوية غير مبررة. طبقاً لمسح حصري أجرته مجموعة الأزمات شمل أكثر من 60 مديراً رفيع المستوى في شركات متعددة الجنسيات تسعى بنشاط للاستفادة من الفرص في إيران، يمكن تحقيق ذلك إذا ظلت إيران ملتزمة بتعهداتها بموجب الاتفاق النووي وإذا اتخذت الدول الأوروبية الإجراء الوقائي المتمثل بإعادة إحياء "أنظمتها التحصينية"، لحماية شركاتها من العقوبات الأميركية التي تفرض خارج الأراضي الأميركية. لقد كانت أوروبا حتى الآن حذرة في عدم اتخاذ خطوة من شأنها أن تطلق حرباً تجارية مع الولايات المتحدة، لكنها قد تشعر الآن بأن أمنها على المحك. كما ينبغي أن تتوصل إلى اتفاقيات حول خطة ثنائية للاتحاد الأوروبي للاستثمار في الاقتصاد الإيراني وعلى شراكة طويلة الأمد في مجال الطاقة مع طهران، مع الاستمرار بالانخراط دبلوماسياً معها فيما يتعلق بسياساتها الإقليمية وسجلها في مجال حقوق الإنسان.
- على إيران أن تتخذ عدة خطوات بمفردها. ينبغي أن ترتب بيتها الداخلي وذلك بتحسين معاييرها المصرفية وخلق بيئة أعمال أقل فساداً وأكثر شفافية؛ وهذا ليس ضرورياً فقط لاجتذاب رؤوس الأموال والتكنولوجيا الأجنبية، لكن أيضاً لمعالجة المظالم الشعبية. ومن أجل زيادة ثقة أوروبا بنواياها، على طهران أن تعزز تعاونها مع منظمة معاهدة الحظر الشامل على التجارب النووية لعام 1996، والتوقيع على مدونة سلوك لاهاي لعام 2002 الخاصة بها ضد انتشار الصواريخ البالستية، وإطلاق سراح مزدوجي الجنسية المعتقلين في إيران على تهم مشكوك بصحتها.
- على الكونغرس الأميركي أن يحجم عن تعديل بنود الاتفاق النووي بالتهديد بإعادة فرض العقوبات حتى إذا التزمت إيران بالاتفاق. من شأن مثل هذا التشريع أن يؤجل أزمة فورية، لكنه سيشكل انتهاكاً لاتفاق متعدد الأطراف وقائم على توازنات حرجة وسيقوض مصداقية الولايات المتحدة بوصفها شريكاً تفاوضياً يمكن الركون إليه. يمكن للكونغرس أن يقلص من عبء المصادقة الواقع على الرئيس، وتعزيز البنود المتعلقة بإعادة فرض العقوبات المرتبطة بانتهاكات إيران للاتفاق النووي، والتعبير عن شعوره بالحاجة لوجود اتفاق مكمِّل، لكن لا ينبغي أن يكون متواطئاً في إنهاء اتفاق أثبت نجاحه.
إن حقيقة كون الاتفاق النووي، ورغم عداء ترامب له، استمر في الحياة لفترة أطول من اتفاقات متعددة الأطراف تراجع عنها يشكل دليلاً على فائدته وربما على قوته؛ فقد وضع الاتفاق حداً لبرنامج إيران النووي وفتح الباب لإعادة تأهيلها اقتصادياً. لكن لا ينبغي على الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق أن تفترض أنه يمكن للاتفاق أن يتحمل المزيد من الضربات. ينبغي أن يبادروا إلى الدفاع عنه قبل فوات الأوان.
لقراءة كامل تقرير: عامان على الإتفاق النووي الأمريكي
المصدر: موقع كريسس جروب
https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/iran/