على رغم انقضاء خمسين سنة على الحرب العربية الإسرائيلية العام 1967، يبدو أن الحركة الوطنية الفلسطينية تقف على مفترق طرق. فقد تعثرت الجهود الم...
على رغم انقضاء خمسين سنة على الحرب العربية الإسرائيلية العام 1967، يبدو أن الحركة الوطنية الفلسطينية تقف على مفترق طرق. فقد تعثرت الجهود المتكررة للتفاوض حول حل الدولتين، كما أن الوسائل التقليدية للحركة الوطنية الفلسطينية – وهي منظمة التحرير الفلسطيني، وفتح، والسلطة الفلسطينية منذ العام 1994– تواجه أزمات ثقة. وفيما يُرجّح أن يؤدي المسار الحالي إلى استمرار الاحتلال، والتوسع في الاستيطان، والانقسام الداخلي، إلا أن البدائل الاستراتيجية قد تقوّض إنجازات دبلوماسية ومؤسسية فلسطينية، من دون توافر ضمانات لنجاحها. والمطلوب استراتيجية متماسكة، وظهور جيل جديد من القادة القادرين على رأب الصدوع السياسية وضخ حياة جديدة في المؤسسات الفلسطينية.
أصوات فلسطينية
أجرت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في الآونة الأخيرة مسحا شمل ثمانية وخمسين من القيادات الفلسطينية المختارة في مجالات متنوعة. وكما كان متوقعا، رأى المشاركون أن الاحتلال الإسرائيلي والأنشطة الاستيطانية عقبة كؤود تحول دون تحقيق السيادة الفلسطينية. غير أنهم قلقون بالقدر نفسه من الانقسامات الداخلية والاجتماعية. ورأى هؤلاء، بصورة خاصة، أن الصدع القائم بين الضفة الغربية وغزة يمثل عائقا هائلا يعترض تحقيق التطلعات الفلسطينية.
لقد أعرب أغلب المستجيبين عن تشاؤمهم تجاه المستقبل، وعن اعتقادهم بأن حل الدولتين لم يعد قابلا للحياة. وكان الشباب، بصورة خاصة، أميل إلى الاعتقاد بأن اتفاقيات أوسلو لم تخدم المصالح الفلسطينية. ورأى عدد مهم منهم أن المقاومة المسلحة هي الأسلوب الأكثر فعالية لتعزيز الروح الوطنية الفلسطينية. وقد اكتشفت مؤسسة كارنيغي تضاؤل الإيمان بالمؤسسات السياسية الفلسطينية. وبالإضافة إلى ذلك، تزايد التركيز على أهمية المجتمع المدني والمؤسسات التربوية.
البدائل السياسية
خلال العقود الأخيرة، بدأ تنظيم المؤسسات الوطنية الفلسطينية على افتراض أنها هي التي ستتولى في المستقبل زمام الأمور في دولة ذات سيادة. ومع تزايد شكوك الفلسطينيين بحل الدولتين، برزت بدائل أخرى كمسارات معقولة للمضي قدما إلى الأمام. وأبدت كل منها دلائل على تبلور هذا التيار في أوساط الأطراف الفاعلة في القواعد الشعبية، غير أن أيا منها لا يتمتع، ومن المرجح أن لا يتمتع، بالدعم من جانب القيادة السياسية التي تتخذ من رام الله مقراً لها.
ثنائية القومية. ما زالت نسبة تأييد الجمهور للمقترحات الخاصة بثنائية القومية، التي يتشارك فيها الفلسطينيون والإسرائيليون بدولة واحدة، متدنية نسبيا؛ وينبغي على المنادين بها أن يبينوا على نحو مفصل استراتيجية قابلة للحياة لبلورة هذه الرؤية. ومع ذلك، فبالنظر إلى الأغلبية الديمغرافية الفلسطينية الآخذة بالنمو بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، فإن خيارات ثنائية القومية قد تزداد جاذبية في السنوات المقبلة.
المقاربات القائمة على الحقوق. ثمة مؤشرات على أن المقاربات التي تستهدف تأمين قدر أكبر من الحماية القانونية للحقوق الإنسانية والمدنية الفلسطينية قد ازدادت قوة؛ وهي تشمل تدابير وتكتيكات متنوعة – تتراوح بين حركة ’المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات‘، والوثائق القانونية الدولية، والمقاومة غير العنيفة. غير أن تنظيم حملة مستدامة للعصيان المدني ستكون مهمة صعبة، وقد تخرج عن نطاق السيطرة إذا لم يتوفر لها إجماع وطني، وقيادة حية، وانضباط محكم.
المقاومة المسلحة. إن المقاومة المسلحة، التي تعتبرها إسرائيل مرادفا للإرهاب، هي المقاربة الأكثر راديكالية. وقد خلفت الانتفاضة الثانية آلافا من الضحايا وكانت كارثية بالنسبة للتطلعات الفلسطينية. وعلى الرغم من ذلك، فإن ثمة دلائل على أن الروح النضالية تزداد عنفوانا، وأن الخمود السياسي الفلسطيني قد خلق فراغا يملأه بالعنف أشخاص أو عناصر هامشية خابت آمالهم.
نحو تجديد مؤسَّسي
إن الهوية السياسية والثقافية الفلسطينية والمثال الأعلى المُدرَك للوحدة الفلسطينية ما زالت أصداؤهما على ما يبدو تتردد بقوة، غير أن الشعب الفلسطيني يعاني التشتت السياسي والجغرافي على حد سواء، الأمر الذي يزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى التجديد المؤسسي.
ومع الإقرار بضعف المنظمة، فإن المشاركين الفلسطينيين في المسح يعتبرونها كيانا حيويا، بل إن كثيرين منهم يعتقدون أنها هي المفتاح لإحياء المشروع الوطني الفلسطيني. فالسلطة الفلسطينية أخذت بالضمور خلال العقد الماضي، وهي تبذل جهدها اليوم لتقديم الخدمات العامة والمحافظة على سيولتها النقدية. وقد فشلت في رعاية جيل جديد من المواهب. وثمة دلائل واضحة كل الوضوح على هجرة الأدمغة.
وتواجه الفصائل الفلسطينية، كذلك، تحديات جسيمة. فقد فقدت فتح إحساسها التاريخي برسالتها بعد عقود من ممارسة السلطة، وهي تؤدي وظيفتها الآن كشبكة للرعاية لا كحزب سياسي. وتواجه حماس مشاكل أعمق من ذلك هي: غياب الاستراتيجية، وضعفها في الضفة الغربية وعجزها عن إدارة دفة الحكم في غزة، وفشلها في طرح خيار حقيقي للمقاومة، ووضعها الحالي بوصفها منبوذة على الصعيد الدولي.
لقد وافقت فتح وحماس كلتاهما، وبدعم من الغرب، على تقسيم فعلي لفلسطين، ما أدى إلى تَخنْدُق كل منهما في الأراضي التي يقيم فيها. وهناك تيار قوي في أوساط الفلسطينيين يرى أن هذه المنافسة تفرِّق الشعب الفلسطيني، كما أنها أسهمت في تداعي مؤسساته.
ومع فقدان الفصائل الفلسطينية لقدرتها على اجتذاب الأجيال الجديدة، فإن التيارات التحتية التي كانت قد أدت إلى ولادتها أصلا ما زال لها حضور مؤثر في المجتمع الفلسطيني. كما أن البنى النظامية التي تجسد الهُويّة الوطنية الفلسطينية آخذة بالتحلل، بيد أن الهوية نفسها ما زالت ثابتة الأركان.
يضاف إلى ذلك أن ثمة مؤشرات على العنفوان والروح الدينامية على المستويات الوطنية الفرعية. فالنقابات، والجماعات الطلابية، والأطراف الفاعلة الأخرى في المجتمع المدني، تمارس نشاطا سياسيا داخليا نابضا بالحياة وتتشابك مع القادة الأكثر شبابا ممن يستطيعون إعادة الروح إلى السياسات الفلسطينية فيما توشك السلطة على الانتقال من جيل إلى جيل.
تحميل النص الكامل: تجديد الهوية الفلسطينية
المصدر: مركز كارنيغي للشرق الأوسط
https://carnegie-mec.org/2017/06/28/ar-pub
أصوات فلسطينية
أجرت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في الآونة الأخيرة مسحا شمل ثمانية وخمسين من القيادات الفلسطينية المختارة في مجالات متنوعة. وكما كان متوقعا، رأى المشاركون أن الاحتلال الإسرائيلي والأنشطة الاستيطانية عقبة كؤود تحول دون تحقيق السيادة الفلسطينية. غير أنهم قلقون بالقدر نفسه من الانقسامات الداخلية والاجتماعية. ورأى هؤلاء، بصورة خاصة، أن الصدع القائم بين الضفة الغربية وغزة يمثل عائقا هائلا يعترض تحقيق التطلعات الفلسطينية.
لقد أعرب أغلب المستجيبين عن تشاؤمهم تجاه المستقبل، وعن اعتقادهم بأن حل الدولتين لم يعد قابلا للحياة. وكان الشباب، بصورة خاصة، أميل إلى الاعتقاد بأن اتفاقيات أوسلو لم تخدم المصالح الفلسطينية. ورأى عدد مهم منهم أن المقاومة المسلحة هي الأسلوب الأكثر فعالية لتعزيز الروح الوطنية الفلسطينية. وقد اكتشفت مؤسسة كارنيغي تضاؤل الإيمان بالمؤسسات السياسية الفلسطينية. وبالإضافة إلى ذلك، تزايد التركيز على أهمية المجتمع المدني والمؤسسات التربوية.
البدائل السياسية
خلال العقود الأخيرة، بدأ تنظيم المؤسسات الوطنية الفلسطينية على افتراض أنها هي التي ستتولى في المستقبل زمام الأمور في دولة ذات سيادة. ومع تزايد شكوك الفلسطينيين بحل الدولتين، برزت بدائل أخرى كمسارات معقولة للمضي قدما إلى الأمام. وأبدت كل منها دلائل على تبلور هذا التيار في أوساط الأطراف الفاعلة في القواعد الشعبية، غير أن أيا منها لا يتمتع، ومن المرجح أن لا يتمتع، بالدعم من جانب القيادة السياسية التي تتخذ من رام الله مقراً لها.
ثنائية القومية. ما زالت نسبة تأييد الجمهور للمقترحات الخاصة بثنائية القومية، التي يتشارك فيها الفلسطينيون والإسرائيليون بدولة واحدة، متدنية نسبيا؛ وينبغي على المنادين بها أن يبينوا على نحو مفصل استراتيجية قابلة للحياة لبلورة هذه الرؤية. ومع ذلك، فبالنظر إلى الأغلبية الديمغرافية الفلسطينية الآخذة بالنمو بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، فإن خيارات ثنائية القومية قد تزداد جاذبية في السنوات المقبلة.
المقاربات القائمة على الحقوق. ثمة مؤشرات على أن المقاربات التي تستهدف تأمين قدر أكبر من الحماية القانونية للحقوق الإنسانية والمدنية الفلسطينية قد ازدادت قوة؛ وهي تشمل تدابير وتكتيكات متنوعة – تتراوح بين حركة ’المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات‘، والوثائق القانونية الدولية، والمقاومة غير العنيفة. غير أن تنظيم حملة مستدامة للعصيان المدني ستكون مهمة صعبة، وقد تخرج عن نطاق السيطرة إذا لم يتوفر لها إجماع وطني، وقيادة حية، وانضباط محكم.
المقاومة المسلحة. إن المقاومة المسلحة، التي تعتبرها إسرائيل مرادفا للإرهاب، هي المقاربة الأكثر راديكالية. وقد خلفت الانتفاضة الثانية آلافا من الضحايا وكانت كارثية بالنسبة للتطلعات الفلسطينية. وعلى الرغم من ذلك، فإن ثمة دلائل على أن الروح النضالية تزداد عنفوانا، وأن الخمود السياسي الفلسطيني قد خلق فراغا يملأه بالعنف أشخاص أو عناصر هامشية خابت آمالهم.
نحو تجديد مؤسَّسي
إن الهوية السياسية والثقافية الفلسطينية والمثال الأعلى المُدرَك للوحدة الفلسطينية ما زالت أصداؤهما على ما يبدو تتردد بقوة، غير أن الشعب الفلسطيني يعاني التشتت السياسي والجغرافي على حد سواء، الأمر الذي يزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى التجديد المؤسسي.
ومع الإقرار بضعف المنظمة، فإن المشاركين الفلسطينيين في المسح يعتبرونها كيانا حيويا، بل إن كثيرين منهم يعتقدون أنها هي المفتاح لإحياء المشروع الوطني الفلسطيني. فالسلطة الفلسطينية أخذت بالضمور خلال العقد الماضي، وهي تبذل جهدها اليوم لتقديم الخدمات العامة والمحافظة على سيولتها النقدية. وقد فشلت في رعاية جيل جديد من المواهب. وثمة دلائل واضحة كل الوضوح على هجرة الأدمغة.
وتواجه الفصائل الفلسطينية، كذلك، تحديات جسيمة. فقد فقدت فتح إحساسها التاريخي برسالتها بعد عقود من ممارسة السلطة، وهي تؤدي وظيفتها الآن كشبكة للرعاية لا كحزب سياسي. وتواجه حماس مشاكل أعمق من ذلك هي: غياب الاستراتيجية، وضعفها في الضفة الغربية وعجزها عن إدارة دفة الحكم في غزة، وفشلها في طرح خيار حقيقي للمقاومة، ووضعها الحالي بوصفها منبوذة على الصعيد الدولي.
لقد وافقت فتح وحماس كلتاهما، وبدعم من الغرب، على تقسيم فعلي لفلسطين، ما أدى إلى تَخنْدُق كل منهما في الأراضي التي يقيم فيها. وهناك تيار قوي في أوساط الفلسطينيين يرى أن هذه المنافسة تفرِّق الشعب الفلسطيني، كما أنها أسهمت في تداعي مؤسساته.
ومع فقدان الفصائل الفلسطينية لقدرتها على اجتذاب الأجيال الجديدة، فإن التيارات التحتية التي كانت قد أدت إلى ولادتها أصلا ما زال لها حضور مؤثر في المجتمع الفلسطيني. كما أن البنى النظامية التي تجسد الهُويّة الوطنية الفلسطينية آخذة بالتحلل، بيد أن الهوية نفسها ما زالت ثابتة الأركان.
يضاف إلى ذلك أن ثمة مؤشرات على العنفوان والروح الدينامية على المستويات الوطنية الفرعية. فالنقابات، والجماعات الطلابية، والأطراف الفاعلة الأخرى في المجتمع المدني، تمارس نشاطا سياسيا داخليا نابضا بالحياة وتتشابك مع القادة الأكثر شبابا ممن يستطيعون إعادة الروح إلى السياسات الفلسطينية فيما توشك السلطة على الانتقال من جيل إلى جيل.
تحميل النص الكامل: تجديد الهوية الفلسطينية
المصدر: مركز كارنيغي للشرق الأوسط
https://carnegie-mec.org/2017/06/28/ar-pub