Archive Pages Design$type=blogging

الغزو الإقتصادي الصيني

الصينيون الذين طالما بقوا متخفين عن الظهور قد دخلوا فرنسا بكيفية كان لها من البروز الشديد بقدر ما كان ضدها من إعتراضات في أوساط الأعمال: ففي...

الصينيون الذين طالما بقوا متخفين عن الظهور قد دخلوا فرنسا بكيفية كان لها من البروز الشديد بقدر ما كان ضدها من إعتراضات في أوساط الأعمال: ففي أشهر معدودات  أشتروا مطار "تولوز – بلانياك" (Toulouse Blagnac)، والمؤسسة السياحية "كلوب ماد" (Club Med) وسلسلة فنادق "كامبانيل" وشركة "بيار وفاكانس" (بيار والأجازات – Pierre et Vacances) وسلسلة فنادق "كيرياد" (Kyriad)، ونادي كرة القدم بمدينة "سوشو" (FC Sochaux)، ومؤسسة الموضة الفاخرة "سونيا روكيال" (Sonia Rikyel)، ومصانع الملابس الفاخرة "صاندرو" (Sandro) و"ماج" (Maje) و"كلود بيارلو" (Claude Pierlot)، هذا فضلاً عن 1700 هكتار من الأراضي الزراعية حول نهر "لاندر" (L’indre)، "في الوسط الغربي الفرنسي" .... ففي سنة 2015 وحدها أستثمر الصينيون في فرنسا مبلغ 3.2مليار دولار (أي ما يعادل 2.9 مليار يورو)، وهو ضعف مبلغ إستثماراتهم في هذا البلد سنة 2013، فهل نستنتج من هذا أننا إزاء خطر هلاك (أصفر) يجتاح فرنسا؟ صحيح أن ولع التنين الأسيوي بالديك الفرنسي أمر لا شك فيه، لكن الأمر "في الحقيقة" يبقى متواضعا: فجملة الإستثمارات الصينية في فرنسا لا تمثل سوى 2% من جملة الإستثمارات الأجنبية المباشرة (IDE) في فرنسا، أي أقل بكثير من إستثمارات "الشقيق العدو"، اليابان، في فرنسا والتي تبلغ 6%، حسب ما جاء في تقرير أعدته "مؤسسة الأعمال في فرنسا" (1) (Business France)، لئن كانت الصين تزيد من تسريع وتيرة شرائها للشركات الفرنسية فإنها تبقى كالقزم مقارنة مع العملاق لجميع فئات الشراءات وهو الولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل وحدها ربع الإستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم.

[caption id="attachment_5742" align="aligncenter" width="803"] شركة السياحة الأشهر في فرنسا[/caption]

أندهش الجميع عندما رأوا الشركة السياحية "كلوب ماد" ((Club Med تصير تحت الراية الصينية الحمراء، ولكن لم يعترض أحد (تقريباً) على إفناء شركة "الستوم" (Alstom) للصناعات الكهربائية وهو ما أتاح للشركة الأمريكية "جنرال إليكتريك" (General Elictric) الحصول على قسم من التكنولوجيا الراقية للصناعة النووية الفرنسية (2). مع ما يتصل بذلك من نتائج أخرى أشد خطراً على الإستقلال الوطني الفرنسي.

بقى أن طموحات الصين لا يمكن أن تعالج بطريقة سطحية سريعة، إستثمارات الصين "الخارجية" المباشرة في العالم كانت تافهة قبل عشرين عاماً، وقد تضاعف أربعين مرة لتبلغ 128 مليار دولار السنة الماضية، بل وحتى 249 مليار دولار إذا ما أدرجنا فيها إستثماراتها في هونج كونج (3)، لقد صارت "إمبراطورية الوسط" المستثمر العالمي الثاني بعد الولايات المتحدة الأمريكية (التي بلغت إستثماراتها 337 مليار دولار)، مازالت الواجهة الغربية الأولى لإستثمارات الصين هي أمريكا، ولكن أوروبا صارت تمثل أحد أهدافها المفضلة، وخصوصاً في المملكة المتحدة، وفرنسا وألمانيا، -وهو الثالوث الذي يتصدر الطليعة منذ بداية هذه السنوات العشر الأخيرة – وإن صارت إيطاليا في المرتبة الثانية سنة 2015 بعد شراء الشركة الصينية "شامشاينا" (ChemChina) لشركة المطاط الإيطالية العملاقة "بيريلي" (Pirelli).

هذه الرغبات الصينية العارمة في التوسع لا تعتبر غريبة إذ علمنا أن هذه البلاد صارت ثاني إقتصاد عالمي، في المرحلة الأولى كانت رغبات تشجعها السلطة الصينية التي وضعت تدريجياً سلسلة من الأدوات والوسائل لذلك: من ذلك أن بنك الإستثمارات "الخارجية الصينية" (China Eximbank) التي تأسس سنة 1994 من أجل "دعم المشاريع الخارجية مالياً" قد صارت مركزاً بارزاً بباريس لدعم الأعمال الأوروبية والإفريقية، منذ سنة 2006 حصلت تسهيلات في خروج رؤوس الأموال الصينية وإن بقيت تحت المراقبة، كما صارت القروض تعطي دون مضايقات كبيرة إذا كانت المشاريع مستجيبة للمعايير التي تحددها "لجنة مجلس الدولة" للإصلاح (التابعة للحكومة)، وأخيراً تكونت صناديق تمويل مستقلة منها الصندوق القوي جداً المسمى "مؤسسة الصين للإستثمار" (China Investment Corporation – CIC)، وقد حقق أولى صفقاته الهامة المشرقة بإمتلاكه نصيباً من البنك الأمريكي المشهور "مورجان ستانلي" (Morgan Stanley) .... .

في البداية ألتفتت الصين إلى شراء شركات الموارد الطبيعية الأولية لضمان تزودها بإحتياجاتها من الطاقة والمعادن، وكان ذلك في القارة الإفريقية على وجه الخصوص، ثم دخلت بعد ذلك في طور جديد بتركيزها على البلدان الغربية، وهكذا أصبح "تدويل الشركات أولوية وطنية" (4) مندرجة على نحو واضح في الأهداف الرسمية للدولة في الصين على حد ما أكدته الباحثة جونيفياف باري (Genevieve Barre)، هذا القرار الإستراتيجي المتخذ في أعلى سلطات الدولة قد تظافر مع الإرادة القوية التي تحدو أصحاب المؤسسات لمواصلة صعودهم على المستوى العالمي.

بعد 2007 – 2008 فقد المستثمرون ثقتهم في المنظومة المالية الأمريكية التي كانوا يعتبرونها بمثابة منظمة مرجعية، لقد تبينوا أن شرائهم سندات الخزانة الأمريكية لإعادة إستثمار قسم من الفوائض المالية الهائلة – حيث يتراوح معدل مدخرات التبادل في الصين منذ سنة 2010 بين 3000 ،3500 مليار دولار - لا يمثل ضماناً إقتصادياً في وقت أقتربت فيه نسبة الفوائد من مستوى الصفر، وهناك دق ناقوس تنويع الإستثمارات بما في ذلك شراء الديون الأوروبية.

وقد تكثفت هذه الحركة على نحو واسع مع العائلات الأكثر ثراءاً وكذا الشأن مع المؤسسات الأشد قوة: فتلك العائلات ترى أن توظيف أموال في الخارج هو أفضل وسيلة لتأمين ممتلكاتها وللتوقي من تحقيقات محتملة في هذا الزمن الذي يشهد مقاومة الفساد.

[caption id="attachment_5739" align="aligncenter" width="810"] شركات الطاقة النووية[/caption]

من ذلك أن "مدينة صينية" جديدة "راقية" قد نشأت بتكتم في قلب باريس، وهي مختلفة كل الإختلاف عن الحي الصيني " المتواضع" الموجود في الدائرة 13 بباريس بمهاجريه وصغار تجاره، كما هي مختلفة أيضاً عن الحي الصيني في منطقة "أوبرفيلي" (Aubervilliers) "الشعبية الواقعة في شمال شرقي باريس" إن هذا الحي الجديد كائن بأرقى مكان وهو "المثلث الذهبي" (بين جادة "الشانزيليزيه" وشارع "مونتاني" (Montaigne) وشارع جورج الخامس) (5).

أما المؤسسات (العمومية أو الخاصة، بإعتبار أن الحد بين هذه وتلك ليس دائماً يسير التحديد) فإنها ما فتئت تضاعف جهدها في الإتجاه ذاته، فهي "ذات أموال متزايدة" كما فسرت ذلك "لجنة المبادلات الفرنسية – الصينية" (CEFC) بباريس، النمو المحموم الذي تحقق خلال السنوات الأخيرة مكنها من جمع غنائم هائلة، وقسم من الأموال التي يضخها البنك المركزي "الصيني" للحيلولة دون تباطؤ نسق النمو يؤول في الأغلب إلى الخارج أكثر مما يكون في الإستثمارات الداخلية.

من المستحيل ضبط جميع العمليات "الصينية" التي تتم في فرنسا، ولكن يمكن التمييز بين ثلاثة أهداف كبرى هي: الحصول على حصص من السوق من خلال السيطرة على شبكة توزيع، وشراء ماركات "هامة"، وتحصيل تكنولوجيا أو مهارة في مجال الإدارة، "إن إرادتنا لا تتمثل في تحقيق رقم معاملات مرتفع مهما كان الثمن، وإنما هي تتمثل في بناء ماركة "هايير" (6) (Haier)" حسب ما سارنّا به مدير الفرع الفرنسي لشركة "هايير" "الصينية"، وهي أكبر شركة للأجهزة المنزلية في العالم (ثلاجات، غسالات ...).

نجد الهدف ذاته في مؤسسة "هواوي" (Huawei) لصنع الهواتف الجوالة، وهي مؤسسة أنشأها سنة 1987 عقيد سابق في الجيش الشعبي "الصيني"، وهي تحتل اليوم المرتبة الثالثة عالمياً، قدم مؤسسها إلى فرنسا سنة 2003 وعقد علاقات شراكة مع مؤسستي الإتصالات "الفرنسيتين" "بويج" (Bouygues) وسي إف أر "SFR" لترويج هواتفه الجوالة التي حققت وثبة هامة سريعة، أضف إلى هذا تخصص عالٍ، كما تقدم "قروض ضريبية خاصة بالبحث العلمي" (CIR) يمكن أن تتمتع بها جميع المؤسسات، على حد تفسير يان يوفان (Yan Yufen)، مدير عام الغرفة الصينية للتجارة والصناعة، على هذا الأساس أقامت مؤسسة "هواوي" أربعة مراكز بحث وتطوير أنشأت عبرها 734 فرصة عمل، ولا نعرف المبلغ الذي أستلمته مقابل ذلك من الأموال العمومية "الفرنسية".

[caption id="attachment_5741" align="aligncenter" width="720"] ماركات الملابس الفخمة[/caption]

لقد صارت الصين "مصنع العالم"، لكنها تشكو من نقص فادح في الماركات الرفيعة القادرة على إغراء المستهلكين الصينين الأكثر يسراً من الناحية المادية، ومن هنا جاء تهافتها على شراء الماركات الراقية لصناعة الملابس الفاخرة (مثل سروتي – Cerutti ، وسونيا ريكيال – Sonia Rykiel، وماج – Maje وغيرها) وشراء الماركات المشهورة لمواد التجميل والعطور (مثل ماريونو – Marionnaud)، وإقتناء دور المنتجات الراقية مثل شركة "بوردو" (Bordeaux) التي يبدو "حتى الآن" ما يقارب المائة، وشراء مؤسسات الغذائية ذات الإستهلاك الواسع خصوصاً المجفف حيث تكفي سمة "مصنوع في فرنسا" لتباع بأسعار خرافية "في الصين"، وبطبيعة الحال مؤسسات السياحة الراقية.

غير أن شراء المؤسسات الصناعية هي التي تكون القائمة (بنسبة 43.2%) من جملة الإستثمارات الخارجية "الصينية" المباشرة، حسب "مؤسسة الأعمال في فرنسا" (Business france) وإن كانت لا تثير صيحات فزع إعلامية إلا الإختراق مدهش في قطاع الطاقة: فصندوق التنمية المستقل "مؤسسة الصين للإستثمار" قد إستحوذ على نسبة 30% من شركة "غاز فرنسا – السويد" (GDF-Suez) التي صارت تسمى “Engie”، وما مكنها من الوصول إلى تكنولوجيا معالجة السائل، وشركة "بترول الصين" (Petrochina) أشترت معمل تكرير "لافيرا" (Lavera)، ومؤسسة "يانتاي تايهاي" (Yantai Taihai) وهي من أهم مؤسسات الصناعة النووية المدنية في الصين أشهر شركتين متخصصتين في تحويل المعادن وتقنين الحرارة والتبريد الخاصة بالمجال النووي (وهما: شركة "مانوار الصناعية" – Manoir Industrie وشركة CTI)، نعرف أيضاً الشراكة الغربية التي تمت شركة الكهرباء الوطنية الفرنسية (EDF) وشركتين صينيتين لصناعة مفاعلات  EPR في معامل "هنكلي بونت" (Hinkley Point) بالمملكة البريطانية ..

[caption id="attachment_5738" align="aligncenter" width="624"] نادي سوشو الفرنسي[/caption]

التمركزات الصينية بفرنسا مركزة على التكنولوجيا العالية، وعلى البنى التحتية، والنقل، والكيمياء، الإعراض عن قطاعات آخرى متى سنحت الفرصة وهي تتم غالباً بواسطة شراء مؤسسات في أوقات مالية صعبة، ولكنها لا تشتري أبداً التي كانت تعاني شركة "بيجو" للسيارات أشتري عملاق السيارات الصيني "دونجفنج" (Dongfeng) 14% من رأس مالها وهو ما مكنه من الإشراف على مركز (التابع لها) في شانغهاي (Shanghai)، ومازال يرمق بقية أسهم الدول الفرنسية فيها والتي تبلغ % (7)، شركة الأنفاق "Mecanique – NFM Yrpic Framatome) هي أكبر مصنع فرنسي في مجاله، وعندما صارت على حافة الإفلاس أشترت "مؤسسة الشمال للصناعات الثقيلة (Northern Heavey Industries NHI) التي تتمتع بأسهم هائلة في الصين حين تنبت المدن بكثرة وسرعة، شركة "بودوان" (Baudoin) لصناعة المحركات البحرية وهي إحدى أرقى المؤسسات الفرنسية، بدأت تظهر تراجعاً حادً بعد أن هيمن عليها "صندوق الإستثمار الفرنسي" "وايشاي" (Axa Private Equity)، فاشترتها مؤسسة "وايشاي" (Weichai) "الصينية" ... كما نذكر هنا جرّارات "ماك كورميك"(Mac Cormick) التي أشترتها الشركة الثانية في الصين وهي شركة "إيتو" (Yto)، وهو ما مكنها من أن تنقل إلى بلادها قسماً من مهارات التصنيع الفرنسية لإنتاج جرار من الفئتين الدنيا والوسطى، وهو ما يحيي الصناعة الفرنسية "في هذا المجال"، في الوقت الراهن نحو هذه المؤسسات من الغرق، وبمعنى آخر: ألا تكون المنتجات الفرنسية التي يعتبرها المستثمرون الصينيون مفيدة غير جديرة بالعبقرية الفرنسية؟

مما يلفت النظر بقوة هو غياب الرؤية الصناعية على المدى البعيد في شركة "روديا" (Rhodia) التي تخلت فيها شركة "رون-بولانك" (Rhone-Poulenc) عن معمليها وعن مركز البحوث، فإشترتها الشركة الصينية "شامشاينا"، وقد أعترف جان جرانجون (Jean Granjon)، الأمين العام للجمعية العامة للعمل (CGT)، وهي النقابة الأولى في هذه الشركة التي صارت تعرف باسم "Bluestar Silicones" قائلاً: "وصول الصينيين "سنة 2007" أشعرنا بالقلق والخوف، لا سيما وأن مشروعهم عند الإنطلاق كان بناء معمل في الصين مطابق تماماً لمعمل "سان-فون" (Saint-fons)، لكن حتى الآن لم يتم ذلك، بعد ذلك بثماني سنوات لم يستطع إلا ملاحظة ما يلي: "إستثمرت الشركة الصينية "شامشاينا" هنا في حين أن شركة "رون -بولانك" قد أوقفت إستثماراتها منذ سنوات، وبخلاف ما كان عليه أمر مالكي هذه المؤسسة القدامى، صار للمالك الجديد مشروع صناعي لتطوير مواد السليكون، وهو يطمع إلى جعل شركة Bluester Silicones ثالث شركة في العالم "في هذا المجال".

[caption id="attachment_5737" align="aligncenter" width="890"] معامل إنتاج النبيذ[/caption]

يوجد حالياً تقاسم للأسواق: المنتجات الرفيعة للمعامل الفرنسية تباع في فرنسا وفي أوروبا، والصناعات الصينية تباع في الصين وفي البلدان الصاعدة، ولكن هل سيستمر الأمر دائماً على هذا النحو؟ إن من ينفق على الجوق الموسيقي هو الذي يدير الرقص: فرب العمل القوي ران جيانسكي (Ren Jianxi)، رغم كونه عضواً في الحزب الشيوعي الصيني، فإنه من المستبعد جداً أن يتعاطف مع تدويل الطبقة العمالية الكادحة وأن يتضامن مع العمال الفرنسيين.

بالنسبة إلى العاملين لم يكد وصول رؤوس الأموال الصينية يغير شيئاً من حياتهم اليومية، وهذا ما أكده جان جرانجون في قوله: "لا نرى المالكين "الجدد" أبدا، لقد تركوا المديرين المحليين يعملون "كما في السابق"، ونحن نواجه نفس مناهج التصرف السابقة، وهي مناهج قاسية جداً". صحيح أن عدد العمال قد أرتفع قليلاً (حيث صاروا 820 مقابل 790 قبل ثماني سنوات)، ولكن أعباء العمل قد أرتفعت أيضاً، وفي يوليو / تموز الماضي مات أحد العمال في الحريق. ومسألة الجنسية لا تغير من الأمر شيئاً لأن "العمل يتم على حساب سلامة العمال" على حد رأي هذا النقابي.

توجد أيضاً مشتريات صينية أخرى أنتهت إلى كوابيس: فمنها أن السيد "زهانج جوهوا" (Zhang Guohua) أشترى مصنع "بليسورول" (Plysorol)، وهو أول مؤسسة أوروبية لصنع خشب الرقائق، وقد وعد عامليه بوعود معسولة بديعة، وكانت عينة في الواقع على غنيمتة في الجابون والمتمثلة في 600 ألف هكتار من خشب الغابات، ولكن رفعت ضده قضية سوء التصرف في أملاك إجتماعية ما زالت معروضة أمام القضاء، ومنها أيضاً أن شركة الكهرباء الصينية "Shanghai Electric Group-SEG" أشترت مؤسسة "جوس أنترناشيونال" (International Goss)، وهي متخصصة في صنع مطابع الصحف، "أوفسات" وآلات الطبع ذات الدوران المستمر، ثم عجل بغلق أحد معمليها الفرنسيين في أعقاب تحايلات قانونية ومالية وذلك لإجتناب دفع منح طرد العمال ...هذه الممارسات غير المقبولة ليست خاصة بأصحاب الشراءات من الصينيين، ولكن الأمر الأساسي فيها هو مدى قدرة فرنسا على حماية صناعتها.

[caption id="attachment_5743" align="aligncenter" width="1000"] صينيون في فرنسا[/caption]

بيد أن هذه العمليات قد تمت بدافع من السلطات الفرنسة ذاتها: فشركة "روديا" قد وقع عقد تحول ملكيتها "إلى الصين" بحضور الرئيسين جاك شيراك وهو جنتاو (Hu Jintao)، وشركة "بيجو" للسيارات فتحت رأس مالها أمام عملاق السيارات الصيني "دونجفنج"، وتم التوقيع على ذلك بقصر الإليزيه وبتصفيق من الرئيس فرانسوا هولاند، خلال زيارته إلى إلى مدينة شانغهاي في يناير/ كانون الثاني تحمس رئيس الوزراء مانويل فالس "لبيع فرنسا" معلناً وهو اليساري الوفي لمبادئه (!) أن "الصورة التي تقدم فرنسا كبلد يستحيل فيه طرد العمال هي صورة خاطئة"، ثم أضاف قائلاً: "إن حماية فرص العمل هي أقوى في ألمانيا منها في فرنسا (8)". وكأنه ليس لديه ما يهديه سوى إبطال العمل بقوانين العمل، ولكن هذا لم يمنع الصينيين من شراء أكبر مؤسسة ألمانية لصناعة الروبوتات الإلكترونية وهي شركة "كوكا" (Kuka)، وكذلك كان مصير العملاق السويسري "سينجينتا" (Syngenta)، المختص في صنع مبيدات الحشرات وفي الصناعات الغذائية.

هذه الشهية القوية معقولة حسب وجهة نظر الصينيين: إنها تتيح لهم الحصول على تكنولوجيات رفيعة بنسق أسرع مما لو أستثمروا في بلادهم، ولكن الغريب والمدهش أكثر هو سكوت المسئولين الفرنسيين (والأوربيين عموماً)، وهو ما يبدو معه أنهم تخلوا نهائياً عن كل طموح صناعي ذي تجديد.

مارتن بولار
كاتبة وصحفية فرنسية متخصصة في الإقتصاد.

الهوامش:

  1. تقرير "مؤسسة الأعمال في فرنسا" (Business France) وهو بعنوان "تقرير عن عملية تدويل الإقتصاد الفرنسي: حاصل نتائج 2015 بخصوص الإستثمارات الأجنبية في فرنسا"، باريس 2016.

  2. أنظر كتاب جان-ميشال كتروبوان بعنوان: شركة الصناعات الكهربائية "ألستوم" (Alstom): فضيحة دولة، والأصل، "بالفرنسية" هو: Jean-Michel Quatre point, Alstom, Scandal d’état, Fayard, Paris, 2015.

  3. ندوة منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (Conduced): تقرير 2015 حول الإستثمارات في العالم، جنيف، يونيو/حزيران 2016.

  4. أنظر كتاب جونيفياف باري وهو بعنوان: عندما تصبح الشركات الصينية عالمية (2016)، والأصل “بالفرنسية" هو: Genevieve Baree, Quand les Enterprises Chinoises Se Mondialisent: Haier, Huawei net TCL, CNRSEditions, Paris, 2016.

  5. أنظر كتاب كامي-ييهوا شان بعنوان: الإستثمارات الصينية في فرنسا: الأوهام والحقائق (2014)، والأصل "بالفرنسية" هو: Camille – Yihua Chen, Investissements Chinois en France, Myths et realties, Pacifica, Paris, 2014.

  6. أنظر كتاب جونيفياف باري، عندما تصبح الشركات الصينية عالمية، سبق ذكره.

  7. مقال بعنوان: "شركة بيجو كما تراها الشركة الصينية دونجفنج" (Dongfeng)، نشر مؤسسة Planate Asie بتاريخ 5 مارس / آذار 2014 على العنوان الإلكتروني التالي: http//blog.mondediplo.net

  8. أنظر مقال سيسيل آمار (Cecil Amar)، "مانوبل فالس يبيع فرنسا للصينيين"، نشر “Le Journal du dimanche”، باريس بتاريخ غرة فبراير / شباط 2015.


المصدر: مجلة لوموند ديبلوماتيك ملحق الأهرام المصري

التعليقات

الاسم

أتاتورك أحياء إختراع أدوية إذاعة أرامكو أردوغان أسبانيا إستاكوزا إسرائيل أسلحة إصابات إعلام أفريقيا أقباط إقتصاد إكتشاف أكراد الأباء الإباحية الإبتكار الأبراج الأبناء الإتحاد الأوربي الأثرياء الأجانب الإجهاض الأحزاب الأخبار الأخوان الإخوان الأديان الأردن الأرض الإرهاب الإرهابيين الأزهر الإستجمام الأسرة الإسلام الإسلامية الإسلاميين الإصطناعي الأطفال الإعتداء الأعسر الإعلام الإغتيال الإغتيالات الأغنياء الأفلام الإباحية الأقباط الإقتصاد الأكراد الألتراء الألتراس الإلحاد الألعاب الإلكترونية الألمان الأم الفردية الأمارات الإمارات الإمارات العربية الأمازيغ الأمراض الأمم المتحدة الأمن الأمواج الأمومة الأميرة دايانا الإنتاج الإنتحاريين الإنترنت الإنتفاضة الإنجليز الإنفصال الانفلونزا الأهرام الأهلي الأوسكار البترول البحر البدو البشر البصرة البناء البنك المركزي البوذية البورصة البيئة التجميل التجنيد التحديث التحرش الترفيه التشدد التطرف التغيير التقشف التليفون التهرب الضريبي الثدي الثقافة الثورة الجاذبية الجامعات الجراثيم الجزائر الجسد الجفاف الجماعات الإسلامية الجماهير الجنس الجنسي الجنود الجنيه الجهاد الجيش الحاسب الحاسوب الحب الحرارة الحرب الحرس الثوري الحزب الجمهوري الحشد الشعبي الحكومة الحوثيون الختان الخديوي الخلافة العثمانية الخليج الخليج العربي الدانمارك الدولار الدولة الديكتاتورية الديمقراطية الدين الدينية الديون الذكاء الذكاء الإصطناعي الربيع العربي الرجل الرقمي الروبوت الروبوتات الروهينجا الري الزراعة السرطان السعودية السفر السكان السلام السلة السلطان السلطة السلطة الفلسطينية السلطوية السلفية السلفيين السمنة السموم السنة السود السودان السوريون السياحة السياسة السياسي السيسي السينما السيول الشباب الشرطة الشرق الشرق الأوسط الشريعة الشمس الشيعة الصحة الصحراء الصحف الصحفيين الصخري الصدر الصواريخ الصين الضرب الطاقة الطعام الطفل الطوارئ ألعاب العاصمة العاطفة العالم العثمانيون العدالة العدالة الإجتماعية العراق العرب العربي العسكر العقل العلاج العلم العلماء العلمانية العلويون العمال العمل العملة العنصرية العنف العنف الأسري الغاز الغذاء الغرب الفراعنة الفرعونية الفساد الفضاء الفضائيات الفقر الفلسطنيين الفلك الفن القاعدة القانون القاهرة القبائل القدس القذافي القوات المسلحة القومية العربية الكبد إلكترونيات الكنيسة الكنيسة اليونانية الكهنة الكواكب الكورة الكوليرا الكويت اللاجئين الليرة المال المانيا المتشددين المتطرفين المتوسط المثالي المجتمع المجلس العسكري المحمول المدينة المنورة المذبحة المرأة المراهقين المرض المريخ المساواة المستقبل المسلسلات المسلمون المسيحية المصريين المعلومات المغرب المقاتلون المقاولون المقبرة الملائ الأمن الملك توت المليشيات المناخ المنطقة العربية المنظمات الموبايل الموساد الموضة المياه الميراث النجوم النساء النظافة النظام النفايات النفط النووي النيل الهند الهوس الهوليجنز الهوية الوالدة باشا الوراثة الولادة الوليد بن طلال الوهابية اليابان ألياف ضوئية اليمن اليهود اليهودية اليورو اليونان أمراض أمريكا امريكا أموال أميركا اميركا أميريكا إنترنت إنجلترا أهرامات الجيزة أوربا اوربا أوروبا أوسكار إيبولا إيران إيفان الرهيب أيمن الظواهري بازل باسم يوسف باكستان براكين بريطانيا بنجلاديش بوتفليقة بوتن بوتين بووليود بيراميدز بينج تاريخي تجارة تحت المجهر ترامب تركيا تشارلز تشلسي تصوير تعليم تغير مناخي تكنولوجيا تليفزيون تونس تويتر ثروات جبهة النصرة جدة جراحة جنس جوته جوجول جونسون جيرتود بيل حاسب حزب الله حفتر حفريات حماس خاشقجي خامئني خداع خليفة حفتر خيال علمي دارفور داعش دبي دراما دوري السلة الأمريكي ديانا ديمقراطية ديناصور رأس رام الله رجل ألي رسوم روبرت ماردوخ روسيا روما رياضة زراعة زرع زواج ساعة أبل سامي عنان ستراتفور سرت سرطان سفينة فضاء سكن سنيما سوء التغذية سوريا سياسة سيف الإسلام القذافي سيناء سينما شارلز شعاع شفيق شمال أفريقيا شيخ الأزهر صحافة صحة صدام حسين صندوق النقد الدولي صنعاء صوت طائرات طاقة طاقة نووية طب طبي طعمية طفيل طلاق عبد القادر الجزائري عبد الناصر عدن عرب عسكرية عصابات عقل علاج علوم وصحة عمل عنان غاز غزة فحم فرعون فرنسا فضائيات فقر فلافل فلسطين فن فن وثقافة فنزويلا فوكس نيوز فيتنام فيديو فيروس فيروس سي فيس بوك فيصل فيضان فيورينتنا قارون قبرص قتل قش الأرز قطر قمع قنصوة قواعد كائنات كاس العالم كاسيني كافاليرز كافاليير كاميرا كتالونيا كربون كرة القدم كليوباترا كوكايين كيسنجر كيفين دورانت لاجئين لبنان لغة لوحات ليبرون جيمس ليبيا ليزر ليفربول لييبا مائير كاهانا ماري كوري مال وأعمال مايكروسوفت متجددة مجتمع مجتمع وإعلام مجتمعات مجلس الأمن محمد بن سلمان محمد صلاح مختبرات مخدرات مدرسة مراهقات مرتزقة مرض مركبات الفضاء مسلسل مسلسلات مسلمين مصر مصري مطلقات معارك معدل وراثيا معدن معرض مكة ملفات مليشيا مهاجرين موبايل موسى موسيقى مي تو مينمار نتنياهو نساء نسخ نظام الفقيه نفط نفظ نقابة نيكسون هاري هوليوود وباء وعد بلفور وقود ولي العهد وليام ياهو accessories animals anxiety art artist assignment attraction aviation bag beach beautiful destinations Best Catering Best Catering Services bicycle bicylce tours bigger bitter juice Blood Pressure botox brain brazilian buildings business Business Website cannes activity career cartoon Catering Services cave cheap hotels cheap loan cigarette climbing clothing communication Control Blood Control Blood Pressure cook cosmetic coursework craziness credit cremation deppression dermal Ease Stiffness education effective Engine Optimization entrepreneur ethnic wear europan explore eyes face finance fire damage focus food food tips fruit furniture garden gardening glasses gym hand tools health herbal Herbal Treatment High Blood home home loan home tips Hypertension Naturally immune system india Joint Pain Joint Pain Relief kindle life life hack loans marriage mba meal money movie music natural Natural Joint Natural Joint Pain occassion office Orthoxil Plus outdoor Pain Relief Pain Relief Treatment paris pets photographer pumpkin quality Reduce Hypertension Reduce Hypertension Naturally relationship relaxed Relief Treatment round face runner sea Search Engine Search Engine Optimization Search Engines self help self improvements shoes Side Effects sleep smoking snowboard social spain sports stories stress Stresx Capsules style success surgery travel trees vegetable voice voyage Website Design wi-fi winter work world zodiac sign
false
rtl
item
الجيل الجديد: الغزو الإقتصادي الصيني
الغزو الإقتصادي الصيني
https://geel25elgaded.com/wp-content/uploads/2018/03/غزو-الصين-لفرنسا8.jpg
الجيل الجديد
https://geel25elgaded.blogspot.com/2018/03/blog-post_44.html
https://geel25elgaded.blogspot.com/
http://geel25elgaded.blogspot.com/
http://geel25elgaded.blogspot.com/2018/03/blog-post_44.html
true
6246319857275187510
UTF-8
لايوجد اي تدوينة المزيد المزيد الرد اغلاق الرد حذف By الصفحة الرئيسية صفحة مقالة المزيد مواضيع ذات صلة التسميات الارشيف البحث لا يوجد اي تدوينة الصعود الى الاعلى Sunday Monday Tuesday Wednesday Thursday Friday Saturday Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat January February March April May June July August September October November December Jan Feb Mar Apr May Jun Jul Aug Sep Oct Nov Dec just now 1 minute ago $$1$$ minutes ago 1 hour ago $$1$$ hours ago Yesterday $$1$$ days ago $$1$$ weeks ago more than 5 weeks ago