تؤكد لنا السيدة داسيما ويليامز من مكتبها في "بيت الزجاج" المقر ذي الواجهات البلورية لمنظمة الأمم المتحدة بنيويورك أن "الجمعية...
تؤكد لنا السيدة داسيما ويليامز من مكتبها في "بيت الزجاج" المقر ذي الواجهات البلورية لمنظمة الأمم المتحدة بنيويورك أن "الجمعية العامة للأمم المتحدة ليس فيها دول صغيرة"، تطلق ويليامز، سفيرة جرينادا السابقة، التي أصبحت مستشارة خاصة لرئيس الجمعية العامة، الكلمات وتفصلها كي تتأكد من أننا نفهمها جيداً، وإزاء ما أبديناه من مشاعر إرتياب، أضافت قائلة "الأمر كذلك ببساطة، لأن ميثاق سان فرانسيسكو (المؤسس للأمم المتحدة) ينص على أن كل البلدان الأعضاء ذات سيادة ومتساوية"، غير أن واقع العلاقات الدولية يبعث على التساؤل ويحفز على وضع الأمور في نصابها، بعيداً عن المساواة الشكلية بين الدول.
في 13 يونيو 2016، وقع حدث دون ضجيج، لكنه قطع النسق الروتيني لدورات الجمعية العامة، فعملية إنتخاب رئيسها لمدة عام وفق القانون الأساسي للمنظمة الأممية لم تجر وفق ما هو محدد لها، بصورة طبيعية، يختار ممثلو الدول بطريقة الوفاق مرشح المنطقة الجغرافية التي حل دورها، لكن في الحالة الراهنة، وجب القيام بتصويت رسمي، وفي النهاية، لم ينجح مرشح قبرص، أندرياس مافرويانيس، المدعوم من قبل الغربيين، أمام بيتر طومسون، وهو سفير دولة صغيرة جداً، جزر فيدجي.
وقد صرح لنا ديبلوماسي آسيوي في هذا الخصوص بقوله "يمثل إنتخاب طومسون إشارة موجهة إلى القوى الكبرى، فالأمر يتعلق بالخصوص بالتأكيد على غياب العدالة المناخية: فجزر فيدجي تقع في المواقع الأولى في مواجهة ظاهرة إرتفاع مستوى المحيطات، ووضع ممثلها على رأس الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشكل موقفاً سياسياً"، فالجمعية العامة تعمل وفق مبدأ "دولة واحدة – صوت واحد"، ما يترك الباب أمام منطق وقانون العدد.
فالجمعية العامة، التي حجبت عنها الأضواء غالباً من قبل مجلس الأمن، حيث تجري، بفعل سلطة الأعضاء الدائمين الخمسة الذين يتمتعون بحق الفيتو (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، المملكة المتحدة وفرنسا)، عمليات حل أو تصعيد الأزمات الدموية في بعض الأحيان، تظل تضطلع بدور لا يقل أهمية، ومن دورة سنوية إلى أخرى "تجري الكثير من النقاشات المكررة، ولكن هناك أيضاً، إنبثاق لأفكار جديدة وهامة تأخذ طريقها للتجسيد وتجعل من الأمم المتحدة مؤسسة لتفريغ الأفكار، وهكذا فإن الجمعية العامة تمثل فضاء محورياً يوفر الإطار للتفاعل بين الدول حول كل القضايا الدولية" (1)، مثلما تفسر ذلك الأستاذة الجامعية تيريز جاستو، فمن نزع السلاح، مروراً بالتكنولوجيات الجديدة وإدارة نفايات المركبات الفضائية، وصولاً إلى حماية الطفولة والحد من الكوارث الطبيعية إلخ... كثيرة هي المواضيع التي تتيح فيها الجمعية العامة التقدم بالقانون الدولي وتطويره، فهي مصدر أكثر من 300 معاهدة دولية (2)، على غرار إتفاق باريس حول المناخ في ديسمبر 2015، كما أن هناك مئات إجتماعات العمل التي تجري يومياً في مقرات المنظمة الدولية بنيويورك أو جنيف، ويسر لنا صحفي معتمد لدى المنظمة قائلاً "إن الجمعية العامة، هي بمثابة المختبر الذي يتبلور فيه الوفاق العالمي".
[caption id="attachment_5751" align="aligncenter" width="641"]
حذاء خروشوف في الأمم المتحدة[/caption]
فالجمعية العامة تسهم في النقاش السياسي الكوني عبر فتح فضاء لتناظر الأفكار الهامة وتأكيد المطالب الجوهرية، وهكذا فإن إعلانها في 14 ديسمبر 1960 المصادق عليه تطبيقاً لقانون حق الشعوب في تقرير المصير (الفصل 1، الفقرة الثانية من الميثاق)، قد أضفى الشرعية على إستقلال البلدان المستعمرة، ومع إنهاء الإستعمار، الذي تمخض عن إنضمام عشرات الدول، خاصة البلدان الأفريقية التي ظلت طويلاً تحت وصاية المملكة المتحدة وفرنسا أو البرتغال، أضحت الجمعية العامة المنتدى العالمي الوحيد الذي يجمع مجمل بلدان العالم (193 دولة عضواً إضافة إلى عضوين مراقبين هما الفاتيكان وفلسطين).
وفي ستينات وسبعينات القرن الماضي كانت الجمعية العامة مسرح خطاب علق في الذاكرة، هو خطاب الرئيس الأمريكي جون كينيدي سنة 1961، والذي أقترح فيه على السوفييت مفاوضات حول التجارب النووية، وكذلك خطاب الرئيسي الشيلي، سلفادور الليندي، الذي أستنكر سنة 1972 هيمنة المجموعات الصناعية الكبرى المدعومة من قبل العواصم الغربية على حياة سكان الجنوب، أو أيضاً خطاب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، الذي قدم أول عرض كبير للسلام على إسرائيل في 13 نوفمبر 1974، فقد أعلنها عرفات صراحة "لقد أتيت اليوم حاملاً لغصن الزيتون ولبندقية المقاوم من أجل الحرية ... فلا تتركوا غصن الزيتون يسقط من يدي"، وقد أسهم هذ الخطاب في إضفاء شعبية على قضية فلسطين عبر العالم، وفي 22 نوفمبر 1974 صادقت الجمعية العامة بأغلبية ساحقة على الإعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير والسيادة، وهكذا أسند لمنظمة التحرير الفلسطينية وضع المراقب الدائم بالأمم المتحدة، وأخيراً في 29 نوفمبر 2012 منحت الجمعية العامة لفلسطين وضع "الدولة غير العضو"، أما الإنضمام الكامل والكلي، فإنه يظل من قبيل المستحيل بفعل الفيتو الأمريكي المحتمل، لكن الوضع الجديدة يمثل آلية قانونية تدعم موقع فلسطين الجولي، وتمكنها مثلاً من اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو من توقيع معاهدات، وفي وقت قريب، وتحديداً سنة 2015 خلال الدورة السنوية الرسمية في شهر سبتمبر، إقترح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن يتم في إطار مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تكوين تحالف دولي واسع يمكن، "على غرار التحالف ضد هتلر، أن يوحد في صفوفه قوى متنوعة متعددة مستعدة كي تقاتل بشكل جذري أولئك الذين يزرعون الشر والحقد، مثلما فعل النازيون".
[caption id="attachment_5753" align="aligncenter" width="1000"]
خطاب ياسر عرفات في الأمم المتحدة بعد حرب أكتوبر[/caption]
ليست هناك شرطة عالمية قادرة على تطبيق قرارات الجمعية العامة، التي تظل في غالب الأحوال مجرد توصيات مبدئية دون أثر عملي، غير أنه، ومثلما هو الأمر بالنسبة لإنهاء الإستعمار، يمكن لهذه المقررات أن تمثل علامات سياسية تتيح تطوير العقليات وتوازنات القوى الجيوسياسية، ذاك دون شك أحد الأسباب التي دفعت بلدان الجنوب مبكراً إلى الإلتجاء لهذه المؤسسة وتوظيفها لتأكيد ذاتها، فمجموعة ال 77 والصين التي ولدت سنة 1977 تنطق بإسم ال 133 بلداً نامياً في نطاق النقاشات الإقتصادية والإجتماعية، ومنذ عام 1968 تم إصدار عديد الإعلانات والبيانات التي تدين نظام الفصل العنصري وتمارس الضغط على البلدان الغربية التي تربطها علاقات تجارية مع جنوب إفريقيا. ولم يغفل نيلسون مانديلا خلال زيارته لنيويورك في 3أكتوبر 1994 عن تأكيد عرفانه لتلك المواقف، بأن صرح قائلاً "نثمن اليوم من هذا المنبر دور منظمة الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها التي وحدت فردياً وجماعياً جهودها مع جماهير شعبنا في نضال مشترك أفضى إلى تحررنا، وألغى قيود العنصرية". وتثير بعض النصوص جدلاً واسعاً وحاداً، على غرار القرار الذي ينص على إعتبار الصهيونية أحد أشكال العنصرية، الذي تمت المصادقة عليه سنة 1975 وتم إلغاؤه سنة 1991.
والمجلس الإقتصادي والإجتماعي، وهو جهاز منبثق عن الجمعية العامة، يعتبر رائداً داخل المنظمة منذ الستينات على صعيد إشراك "المجمع المدني" في المناقشات الدولية، التي كانت محصورة قبلها في الديبلوماسيين الممثلين لحكوماتهم، كما ندين بالفضل لهذا الجهاز في إرساء وضع "المنظمة غير الحكومية"، التي تتيح المشاركة في الإجتماعات المنظمة من قبل الأمم المتحدة، وتمكن المنظمات من إعطاء رأيها، وتحرير تقارير، وتعيين ممثلين عنها (ليس لهم سلطة القرار)، واليوم أضحى مصطلح "المنظمات الغير حكومية" عبارة دارجة رائجة في كل الأوساط، وهناك 1300 جمعية معتمدة لدى الأمم المتحدة وضعت لها دائرة أتصال مع المجتمع المدني (3)، وبشأن مواضيع عدة وشتى، تجد هذه المنظمات في الجمعية العامة فضاء للتعبير ولدفع معاركها، وتمثل قمة المحيطات التي نظمتها في يونيو 2017 في نيويورك أفضل دليل على ذلك، إذ أنه، ومنذ حوالي 10 سنوات، تشارك الجمعيات في النقاشات التي تنظمها الأمم المتحدة والتي ترمي إلى التوصل إلى مراجعة للإتفاقية حول حقوق البحار (4)، ويعتبر السيد طومسون، رئيس الجمعية العامة أن "القرارات التي تم إتخاذها في الجمعية العامة، تقوم دليلاً على أن هذا الجهاز أبعد ما يكون على هيئة عفا عليها الزمن، بقدر ما يبرهن على أنه يواصل ممارسة تأثير سياسي على الساحة الدولية"، وتؤكد السيدة باجي كالاس، منسقة إئتلاف جمعيات "هاي سيز أليانس" (تحالف أعالي البحار)، هذا التشخيص بقولها "لقد عملنا بشكل مشترك مع الحكومات، وموقع قسم المحيطات وقانون البحار التابع للأمم المتحدة على النت يعكس رؤانا ومقترحاتنا"، وإذا كانت الجمعية العامة تتيح فضاء للفاعلين الخاصين، فإنها أبقت على المسألة الشائكة لتمثيلية الشركاء الذين تم إختيارهم، قائمة بالكامل، بإعتبار أن المجتمع المدني لا تحكمه أية آلية لإضفاء الشرعية الإنتخابية. ففي مجتمع دولي يظل محكوماً بحالة من الفوضى، تعتبر الجمعية العامة، وفق المؤرخ بول كينيدي "الإطار الذي يجعلنا أقرب ما يكون من برلمان الأشخاص (5)".
[caption id="attachment_5750" align="aligncenter" width="1000"]
مجلس الأمن[/caption]
فمجلس الأمن، الذي يضم خمسة أعضاء دائمين يملكون حق النقض، لا يمكنه أن يطمح للعب دور المنتدى الشامل، على الرغم من أنه يتولى النظر، بإسم القيم المشتركة المدرجة ضمن الميثاق، في الأزمات التي تنطوي على مخاطر على السلام العالمي، فمجموعة ال 20، التي تعد تركيبتها عشوائية، ليس بمقدورها هي أيضاً أن تضطلع بهذا الدور، وهذا النادي الذي ظهر مؤخراً على الساحة الدولية، يظل أداة محكومة من قبل القوى الكبرى التي أحدثته، من الأكيد أن بلداناً صاعدة، مثل الهند أو جنوب إفريقيا، أضحت تتمتع بعضوية هذا النادي، ولكن على أساس التبني السيادي للبلدان الغنية، وعلى العكس من ذلك، تتولى الجمعية العامة وفق السيدة ويليامز "إدارة مصالح الدول بصورة عادلة"، مذكرة بأن، "الإستعمار ليس له مكان، ونحن لا نصادف مطلقاً عوائق أمام إستخدام حقنا في الكلمة، لكن مقابل ذلك، تعوذ الدول الصغيرة الإمكانيات لتعميق الملفات"، ففي عام 2005، وفي تأكيد لمكانتها "كجهاز ذي أولوية"، جعلت القمة العالمية لمنظمة بمبادرة من الأمين العام كوفي عنان، من الجمعية العامة "برلمان أمم" حقيقي أخرى، "مجموعة الدول ال193".
ويلاحظ السيد أرنو جيلوا، الذي يعمل بمكتب الأمم المتحدة التابع لوزارة الشئون الخارجية الفرنسية أن "التعاون متعدد الأطراف لا يتوافق بالضرورة مع الواقع، ذلك أنه يتعين إمتلاك الأدوات لبناء الحوار في مصلحتها، وتلك هي المهمة، الفريدة بشكل ما، التي تتحملها الجمعية العامة". فمؤتمر الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية، والذي يمثل منتدى عالمياً واسعاً، يمثل أحد منتجات هذه المؤسسة الأممية. وفي 2015، شعرت كافة البلدان، بما في ذلك البلدان المتسببة في القدر الأكبر من التلوث، بأنها مجبرة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، رغم أن القرار النهائي لقمة باريس لم يكن يبعث على الرضا الكامل.
ويلفت الرئيس طومسون إلى أن "الدول الصغيرة تصنع الأغلبيات، ويتعين أخذ ذلك بعين الإعتبار"، مشدداً على أن "التقدم المحرز خلال هذا العام فيما يتعلق بالمناخ، هو تقدم جاد هام، وعلى عكس كل ما كنا نتوقعه، فإن الإنسحاب الأمريكي من إتفاق باريس قد عزز بشكل أكبر تضامن المجموعة الدولية حول النقاط الكبرى، وهكذا فإن قرار الرئيس دونالد ترامب سيكون له أثر عكس ما كان ينتظره ...."، وعبر أروقة "بيت الزجاج"، لا يتردد بعض السفراء في التعبير عن غضبهم إزاء الدول الغنية التي تتملص من تحمل مسئولياتها إزاء بلدان الجنوب.
[caption id="attachment_5752" align="aligncenter" width="740"]
معمر القذافي يمزق ميثاق الأمم المتحدة[/caption]
وتشير النقاشات والقرارات المتصلة بالتنمية إلى أبعاد وحدود الجمعية العامة، ففي سبتمبر 2000، فتح "إعلان الألفية" مسار الورشة الكبرى لتنفيذ الأهداف الثمانية للألفية من أجل التنمية، والتي يتعين أن تنسق المجهود الدولي في مكافحة الفقر، تبدو النتائج الأولى ملموسة، فعدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع قد تراجع من 1.9 مليار إلى 840 مليون نسمة، في حين أن سكان العالم زاد عددهم من 5.3 إلى 7.5 مليار نسمة، كما تم تسجيل نتائج جيدة في مجالات تحسين الصحة والتربية والتغذية والنفاذ إلى الخدمات الأساسية (6)، إلا أن ما يتبين عند التمحيص، هو أن الحصيلة متباينة جداً حسب القارات، ولا تقيس تطور مظاهر عدم المساواة بين البلدان وداخل البلدان، لأجل ذلك، تمت في عام 2015 إعادة صياغة أهداف الألفية من أجل التنمية، كي تأخذ بعين الإعتبار البعد المناخي، مع إضفاء الكونية على الأهداف، والبقاء "أقرب ما يمكن من حقائق الواقع الميداني"، ومستقبلاً هناك 17 هدفاً للتنمية المستدامة بدلاً من الأهداف الثمانية (مكافحة الفقر والقضاء على المجاعات، تعليم ذو جودة، المساواة بين الجنسين، إلخ ....).
وكدلالة واضحة على الأهمية السياسية لهذه الأهداف، تولت سبعون دولة على مدى ثلاث سنوات، التفاوض حول مفاهيمها للمحاور المطروحة، وقد أجاب ثمانية ملايين شخص على إستمارات ذات صلة ضمن تحقيق أولي، فأجندة 2030، التي تحدد العمل الذي يتوجب القيام به لإدراك هذه الأهداف، تحظى بدعم الصين، التي ترى في هذه الخطة مرحلة نحو "شراكة شاملة أكثر توازناً"، وهي شراكة تراها ضرورية (7).

غير أننا نظل بعيدين عن آمال النظام الإقتصادي الدولي الجديد، ففي العام 1974، كانت الجمعية العامة قد صادقت على قرار مثير يدعو إلى تقاسم الثروات على المستوى العالمي، وإلى تغيير الإستراتيجية الإقتصادية التي تقودها الأمم المتحدة، وبرزت في هذا الصدد عدة أهداف مثل إضفاء الإستقرار على أسعار المواد الأولية وتكريس السيادة على الثروات الوطنية، وتحسين شروط التبادل .... وقد فشل النظام الإقتصادي الدولي الجديد، بسبب صدمتين بتروليتين، وبسبب تصاعد مديونية بلدان الجنوب، وسوء إرادة القوى الكبرى، كما يجسد فشل النظام أحد أوجه التغيير الطارئ على توازن القوى الأيديولوجية، والذي يتخطى الجمعية العامة، والضعف الذي طال النزعة العالم – الثالثية، وربما أيضاً بسبب الدور التشاركي المشوش للمنظمات غير الحكومية، التي يمكن لجلوسها على طاولة المفاوضات أن يشكل حافزاً لها على إبداء مواقف أكثر مهادنة.
فالإيدولوجيا الليبرالية قد فرضت نفسها بداية من الثمانينات من خلال "وفاق واشنطن"، ومثلما يشير إلى ذلك المختص في الإقتصاد، بيار جاكمو، فإن "التغيرات الكبيرة المأمولة (عبر أهداف التنمية المستدامة) غير مدعومة بتحليل واضح للأسباب العميقة التي تقف وراء مظاهر التفاوت التي تزعم أنها تريد إزالتها، وهي التجارة غير العادلة، والسيادة المتنامية للأجهزة المالية، والخسائر على صعيد التنوع البيولوجي (8)".

وإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأهداف ليست بمنأى عن الضرر الناجم عن الإدارة التكنوقراطية للمنظمات العصرية، التي يسكنها الميل نحو إستعمال شعارات مبهمة وغير قابلة للفهم من قبل عموم الناس، فضلاً عن أرقامها الطويلة المعقدة، وعمليات "المتابعة والتقييم"، التي تهيمن عليها مشاغل وإعتبارات محاسبية صرفه. وقد لحقت الجمعية العامة، مثلما سجل ذلك ناعوم شومسكي، شكل من أشكال "البيروقراطية"، مثلما جرى لعدد من مؤسسات النقاش والحوار، مبيناً أن نفس الإنزلاقات قد طالت أعمال الكونجرس في الولايات المتحدة.
ومن بين المحاور غير المفهومة للمنظمة العالمية، هناك المؤسسات المالية الدولية، أي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الذين تطورا بالتوازي مع منظمة الأمم المتحدة منذ مؤتمر "بريتون وودز" سنة 1944، في حين أن الأمم المتحدة قد رأت النور أشهر بعد ذلك في سان فرانسيسكو، وعلى خلاف الوكالات والمؤسسات المتخصصة (منظمة الصحة العالمية والمفوضية السامية للاجئين إلخ ...) والبرامج (البرنامج من أجل التنمية، برنامج البيئة، إلخ)، فإن المؤسسات المالية لا تخضع للقواعد المشتركة لمنظومة الأمم المتحدة، فهي تعتمد نظام إدارة يمنح سلطة القرار للبلدان الغنية، كما أنها رفضت دوماً رقابة المجلس الإقتصادي والإجتماعي. فمع هذه المؤسسات المالية، يتعين دوماً أن نناقش ونفاوض، وذلك هو محور "إجتماعات الخريف" التي ينظمها المجلس الإقتصادي والإجتماعي الأممي منذ سنة 1998، والتي تمكن من إرساء التنسيق، في إطار إحترام دور كل طرف.
فمع بقائها مستقلة، تجتهد المؤسسات المالية الدولية في تحسين علاقتها مع منظومة الأمم المتحدة (9)، فقد جاء رئيس البنك الدولي، جيم نيونج كيم، إلى الجمعية العامة في شهر مايو من أجل مناقشة تمويل أهداف الألفية، وهذا تشخيص أكده الممثل الدائم لفرنسا، فرانسوا دولاتر، الذي أعتبر أن "العجز الهيكلي يتم تعويضة بالروح التطوعية للأشخاص". ويحرص السيد طومسون على الإستفادة القصوى من كل صلاحياته كرئيس للجمعية العامة من أجل حث الدول على تقديم المساهمات المالية، وفي هذا الصدد، يقول السيد ديفيد يوناهو، ممثل جمهورية إيرلندا "نحن ممتنون للرئيس لكونه جعل منها محور عمل مركزي"، وبإعتبار أن مدة رئاسته تدوم عاماً واحداً، فإنه يتعين ضمان تواصل العمل، بفضل علاقة جيدة مع الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، الذي يحتل موقعه لمدة خمس سنوات.

يوضح لنا السيد طومسون أنه "يتعين على كل طرف أن يدرك، وبشكل ملموس، حجم الهوة التي تهددنا، بفعل غياب التنمية المستدامة"، وضرورة وضع الإمكانات اللازمة على الطاولة، مضيفاً "إن الدول هي التي يتعين عليها أن تدفع، والجمعية العامة لا يمكنها سوى تحديد توجهات وتوجيه الأنظار نحو الأهداف القائمة، ودوري هو أن أترك لخليفتي بعض نقاط القوة حتى يواصل العمل"، فالجمعية العامة، التي لا تملك وسائل تخوّل إلزامية التنفيذ، يتمثل دورها الرئيسي في تنظيم شكل من أشكال الضغط الإجتماعي من أجل حث الدول التي تظل ذات سيادة على تغيير موقفها، وفي هذا الخصوص بول دولاتر "هنا بالذات يكمن الرهان على سبيل المثال بشأن النقاشات حول حقوق الأقليات، إذ يتعين تعزيز تطوير الوفاق الدولي".
يعوز الأمم المتحدة غالباً موقعاً في صفحات الجرائد أثناء الدرجة العالية من البيروقراطية وتجاوزات بعض عناصر القبعات الزرق (10)، أكثر مما تتصدر هذه الصفحات لقاء العمل اليومي الذي تقوم به في عدد واسع من القطاعات، وفي هذا الخصوص يقول دولاتر إذا كان مجلس الأمن هو من يستقطب الأضواء، فإنه يمكننا القول بأن الجمعية العامة تمثل الوجه الخفي للأمم المتحدة، أنها قلب المفاعل"، مذكراً بموقف فرنسا الداعم للإطار متعدد الأطراف، ولمنظومة الأمم المتحدة، التي يرى فيها رجع الصدى للرهانات الكونية الكبرى.
ففي حين تبنى مجلس الأمن ذاتياً، ودخان الدمار الذي طال مركز التجارة العالمي لا يزال متصاعداً، مسألة مكافحة الإرهاب، يتعين أن نذكر بأن الجمعية العامة هي التي نظمت أول نقاش دولي حول المسألة سنة 1972. وقد صادقت في سبتمبر 2006 على إستراتيجية عالمية لا تقترح مفهوماً مشتركاً للإرهاب، بسبب غياب وفاق حول اللجوء للمقاومة المسلحة من قبل الفلسطينيين في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ويوصي النص بأن يتم الأخذ بالإعتبار ما يمثل الأرضية لترعرع الإرهاب وهي النزاعات والإقصاء السياسي والتهميش الإجتماعي والإقتصادي، إلخ ... وبصورة عملية، يوفر النص إطاراً للمبادرات الوطنية والإقليمية لمكافحة الإرهاب، رغم أن بعض القوانين التي أعتمدتها الدول، تنتهك الحريات، في تناقض مع الإلتزامات المعلنة في نيويورك، إلا أنه يتعين أن نسجل أن الفلسطينيين قد أتيحت لهم داخل الجمعية، بعد إتهامهم من قبل إسرائيل ب"الإرهاب"، الإمكانية كي يطرحوا، وبشكل علني، موضوع العنف الذي تمارسه إسرائيل ضدهم.

ومنذ بضع سنوات، تسند الحكومات المزيد من المهام لرئاسة الجمعية العامة، وبالأخص تنظيم إجتماعات رفيعة المستوى، وتعيين وسطاء في بعض الأزمات، مثل أزمة اللاجئين التي أندلعت سنة 2015، ويرى الديبلوماسي اليوناني، إيوانيس فرايلاس، عضو مكتب الرئيس، أن ذلك يتوافق مع "توجه عميق" يعترف بعمل جهاز الجمعية العامة وقدرته على إرساء الروابط بين الأبعاد المتعددة لكل ملف، ويؤكد هذا الديبلوماسي، الذي شغل منصب مساعد سفير الإتحاد الأوروبي للأمم المتحدة، أن "التنمية تمثل أداة وقاية من النزاعات"، وأن خبرات الجمعية العامة تتيح تنسيق عمل الأجهزة المتخصصة حول الصحة والتنمية والبيئة وغيرها.
وفي عام 2016، أنتخب جويتريس لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، وهو ما يعطيه دوراً فريداً فوفقاً للتقاليد، يكتفي المندوبون بالمصادقة دون تصويت على الوفود بمسار أكثر إنفتاحاً وأكثر شفافية، وهكذا، تم الإستماع إلى المرشحين بصورة علنية، في حين كان رئيس الجمعية العامة يناقش مع مجلس الأمن تحرير نص القرار الختامي، وبالنسبة للسيد فرايلاس، فإن ما جرى هذه المرة يعكس "الحاجة للتجديد ولملائمة هياكل الأمم المتحدة مع تحديات عصرنا"، وأبعد من تلك الضرورة، على الرغم من كونها عادية، فإن تعزيز دور الجمعية العامة يجسد أيضاً الضعف الذي طال الوفاق بين القوى الكبرى، على خلفية توترات بخصوص الأزمة السورية، ويفسر ريشار أتوود، من مؤسسة مجموعة الأزمات الدولية، الأمر بقوله "من خلال تخطي أو خرق القانون الدولي، كانت التدخلات الغربية في كوسوفو (1999) وفي ليبيا (2011) السبب في ميلاد أزمة ثقة بين الدول الخمس دائمة العضوية بشأن القواعد التي تحكم إستخدام القوة".
وبالطريقة ذاتها، صادقت الجمعية العامة في 9 ديسمبر 2016، بعد أن سجلت نتائج عجز مجلس الأمن، على قرار يدعو الدول إلى إحترام القانون الدولي الإنساني في سوريا، خاصة عبر السماح بنفاذ أجهزة النجدة للسكان، وهذا النوع من التدخل على قدر كبير من الندرة، بإعتبار أن الحفاظ على السلام، يعتبر من إختصاصات وصلاحيات مجلس الأمن (11).

والجمعية العامة، التي تعد الجهاز الوحيد الممثل لمجمل العالم، لا تمثل رغم ذلك برلماناً عالمياً، بالنظر إلى كونها غير منبثقة عن انتخابات تضفي عليها شرعية مشابهة لشرعية برلمان دولة ديموقراطية، ومثل هذا الهدف، يعد قطعاً غير واقعي، بالنظر للتنوع الشديد للمجتمع الدولي، غير أن ذلك لا يمنع من بقاء الجمعية العامة موقعاً فريداً بفضل قدرته على تجسيد تطور ميزان القوى العالمي (الإنتخاب المفاجئ للسيد طومسن، تعبئة الدول الصغرى والصين، إلخ) وبفضل قيمة المستلهمة من ميثاق سان فرانسيسكو، وعمادها كبح النزوع للقوة في خدمة الأمن الجماعي، وفي مرحلة يجري فيها إعادة توزيع التوازنات الجيوسياسية، وهو ما يثير توترات كبرى، تظل الجمعية العامة، رغم الهنات والنقائص، المنتدى الوحيد الملائم لبناء نظام دولي تقدمي.
آن سيسيل روبير ، رموالد شيورا
صحفية.
روائي فرنسي أمريكي مؤلف الفيلم الوثائقي "في بيت الزجاج، الأمم المتحدة وأمناؤها العامون".
الهوامش:
المصدر: مجلة لوموند ديبلوماتيك ملحق الأهرام المصري
في 13 يونيو 2016، وقع حدث دون ضجيج، لكنه قطع النسق الروتيني لدورات الجمعية العامة، فعملية إنتخاب رئيسها لمدة عام وفق القانون الأساسي للمنظمة الأممية لم تجر وفق ما هو محدد لها، بصورة طبيعية، يختار ممثلو الدول بطريقة الوفاق مرشح المنطقة الجغرافية التي حل دورها، لكن في الحالة الراهنة، وجب القيام بتصويت رسمي، وفي النهاية، لم ينجح مرشح قبرص، أندرياس مافرويانيس، المدعوم من قبل الغربيين، أمام بيتر طومسون، وهو سفير دولة صغيرة جداً، جزر فيدجي.
وقد صرح لنا ديبلوماسي آسيوي في هذا الخصوص بقوله "يمثل إنتخاب طومسون إشارة موجهة إلى القوى الكبرى، فالأمر يتعلق بالخصوص بالتأكيد على غياب العدالة المناخية: فجزر فيدجي تقع في المواقع الأولى في مواجهة ظاهرة إرتفاع مستوى المحيطات، ووضع ممثلها على رأس الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشكل موقفاً سياسياً"، فالجمعية العامة تعمل وفق مبدأ "دولة واحدة – صوت واحد"، ما يترك الباب أمام منطق وقانون العدد.
فالجمعية العامة، التي حجبت عنها الأضواء غالباً من قبل مجلس الأمن، حيث تجري، بفعل سلطة الأعضاء الدائمين الخمسة الذين يتمتعون بحق الفيتو (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، المملكة المتحدة وفرنسا)، عمليات حل أو تصعيد الأزمات الدموية في بعض الأحيان، تظل تضطلع بدور لا يقل أهمية، ومن دورة سنوية إلى أخرى "تجري الكثير من النقاشات المكررة، ولكن هناك أيضاً، إنبثاق لأفكار جديدة وهامة تأخذ طريقها للتجسيد وتجعل من الأمم المتحدة مؤسسة لتفريغ الأفكار، وهكذا فإن الجمعية العامة تمثل فضاء محورياً يوفر الإطار للتفاعل بين الدول حول كل القضايا الدولية" (1)، مثلما تفسر ذلك الأستاذة الجامعية تيريز جاستو، فمن نزع السلاح، مروراً بالتكنولوجيات الجديدة وإدارة نفايات المركبات الفضائية، وصولاً إلى حماية الطفولة والحد من الكوارث الطبيعية إلخ... كثيرة هي المواضيع التي تتيح فيها الجمعية العامة التقدم بالقانون الدولي وتطويره، فهي مصدر أكثر من 300 معاهدة دولية (2)، على غرار إتفاق باريس حول المناخ في ديسمبر 2015، كما أن هناك مئات إجتماعات العمل التي تجري يومياً في مقرات المنظمة الدولية بنيويورك أو جنيف، ويسر لنا صحفي معتمد لدى المنظمة قائلاً "إن الجمعية العامة، هي بمثابة المختبر الذي يتبلور فيه الوفاق العالمي".
[caption id="attachment_5751" align="aligncenter" width="641"]

فالجمعية العامة تسهم في النقاش السياسي الكوني عبر فتح فضاء لتناظر الأفكار الهامة وتأكيد المطالب الجوهرية، وهكذا فإن إعلانها في 14 ديسمبر 1960 المصادق عليه تطبيقاً لقانون حق الشعوب في تقرير المصير (الفصل 1، الفقرة الثانية من الميثاق)، قد أضفى الشرعية على إستقلال البلدان المستعمرة، ومع إنهاء الإستعمار، الذي تمخض عن إنضمام عشرات الدول، خاصة البلدان الأفريقية التي ظلت طويلاً تحت وصاية المملكة المتحدة وفرنسا أو البرتغال، أضحت الجمعية العامة المنتدى العالمي الوحيد الذي يجمع مجمل بلدان العالم (193 دولة عضواً إضافة إلى عضوين مراقبين هما الفاتيكان وفلسطين).
وفي ستينات وسبعينات القرن الماضي كانت الجمعية العامة مسرح خطاب علق في الذاكرة، هو خطاب الرئيس الأمريكي جون كينيدي سنة 1961، والذي أقترح فيه على السوفييت مفاوضات حول التجارب النووية، وكذلك خطاب الرئيسي الشيلي، سلفادور الليندي، الذي أستنكر سنة 1972 هيمنة المجموعات الصناعية الكبرى المدعومة من قبل العواصم الغربية على حياة سكان الجنوب، أو أيضاً خطاب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، الذي قدم أول عرض كبير للسلام على إسرائيل في 13 نوفمبر 1974، فقد أعلنها عرفات صراحة "لقد أتيت اليوم حاملاً لغصن الزيتون ولبندقية المقاوم من أجل الحرية ... فلا تتركوا غصن الزيتون يسقط من يدي"، وقد أسهم هذ الخطاب في إضفاء شعبية على قضية فلسطين عبر العالم، وفي 22 نوفمبر 1974 صادقت الجمعية العامة بأغلبية ساحقة على الإعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير والسيادة، وهكذا أسند لمنظمة التحرير الفلسطينية وضع المراقب الدائم بالأمم المتحدة، وأخيراً في 29 نوفمبر 2012 منحت الجمعية العامة لفلسطين وضع "الدولة غير العضو"، أما الإنضمام الكامل والكلي، فإنه يظل من قبيل المستحيل بفعل الفيتو الأمريكي المحتمل، لكن الوضع الجديدة يمثل آلية قانونية تدعم موقع فلسطين الجولي، وتمكنها مثلاً من اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو من توقيع معاهدات، وفي وقت قريب، وتحديداً سنة 2015 خلال الدورة السنوية الرسمية في شهر سبتمبر، إقترح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن يتم في إطار مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تكوين تحالف دولي واسع يمكن، "على غرار التحالف ضد هتلر، أن يوحد في صفوفه قوى متنوعة متعددة مستعدة كي تقاتل بشكل جذري أولئك الذين يزرعون الشر والحقد، مثلما فعل النازيون".
[caption id="attachment_5753" align="aligncenter" width="1000"]

ليست هناك شرطة عالمية قادرة على تطبيق قرارات الجمعية العامة، التي تظل في غالب الأحوال مجرد توصيات مبدئية دون أثر عملي، غير أنه، ومثلما هو الأمر بالنسبة لإنهاء الإستعمار، يمكن لهذه المقررات أن تمثل علامات سياسية تتيح تطوير العقليات وتوازنات القوى الجيوسياسية، ذاك دون شك أحد الأسباب التي دفعت بلدان الجنوب مبكراً إلى الإلتجاء لهذه المؤسسة وتوظيفها لتأكيد ذاتها، فمجموعة ال 77 والصين التي ولدت سنة 1977 تنطق بإسم ال 133 بلداً نامياً في نطاق النقاشات الإقتصادية والإجتماعية، ومنذ عام 1968 تم إصدار عديد الإعلانات والبيانات التي تدين نظام الفصل العنصري وتمارس الضغط على البلدان الغربية التي تربطها علاقات تجارية مع جنوب إفريقيا. ولم يغفل نيلسون مانديلا خلال زيارته لنيويورك في 3أكتوبر 1994 عن تأكيد عرفانه لتلك المواقف، بأن صرح قائلاً "نثمن اليوم من هذا المنبر دور منظمة الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها التي وحدت فردياً وجماعياً جهودها مع جماهير شعبنا في نضال مشترك أفضى إلى تحررنا، وألغى قيود العنصرية". وتثير بعض النصوص جدلاً واسعاً وحاداً، على غرار القرار الذي ينص على إعتبار الصهيونية أحد أشكال العنصرية، الذي تمت المصادقة عليه سنة 1975 وتم إلغاؤه سنة 1991.
والمجلس الإقتصادي والإجتماعي، وهو جهاز منبثق عن الجمعية العامة، يعتبر رائداً داخل المنظمة منذ الستينات على صعيد إشراك "المجمع المدني" في المناقشات الدولية، التي كانت محصورة قبلها في الديبلوماسيين الممثلين لحكوماتهم، كما ندين بالفضل لهذا الجهاز في إرساء وضع "المنظمة غير الحكومية"، التي تتيح المشاركة في الإجتماعات المنظمة من قبل الأمم المتحدة، وتمكن المنظمات من إعطاء رأيها، وتحرير تقارير، وتعيين ممثلين عنها (ليس لهم سلطة القرار)، واليوم أضحى مصطلح "المنظمات الغير حكومية" عبارة دارجة رائجة في كل الأوساط، وهناك 1300 جمعية معتمدة لدى الأمم المتحدة وضعت لها دائرة أتصال مع المجتمع المدني (3)، وبشأن مواضيع عدة وشتى، تجد هذه المنظمات في الجمعية العامة فضاء للتعبير ولدفع معاركها، وتمثل قمة المحيطات التي نظمتها في يونيو 2017 في نيويورك أفضل دليل على ذلك، إذ أنه، ومنذ حوالي 10 سنوات، تشارك الجمعيات في النقاشات التي تنظمها الأمم المتحدة والتي ترمي إلى التوصل إلى مراجعة للإتفاقية حول حقوق البحار (4)، ويعتبر السيد طومسون، رئيس الجمعية العامة أن "القرارات التي تم إتخاذها في الجمعية العامة، تقوم دليلاً على أن هذا الجهاز أبعد ما يكون على هيئة عفا عليها الزمن، بقدر ما يبرهن على أنه يواصل ممارسة تأثير سياسي على الساحة الدولية"، وتؤكد السيدة باجي كالاس، منسقة إئتلاف جمعيات "هاي سيز أليانس" (تحالف أعالي البحار)، هذا التشخيص بقولها "لقد عملنا بشكل مشترك مع الحكومات، وموقع قسم المحيطات وقانون البحار التابع للأمم المتحدة على النت يعكس رؤانا ومقترحاتنا"، وإذا كانت الجمعية العامة تتيح فضاء للفاعلين الخاصين، فإنها أبقت على المسألة الشائكة لتمثيلية الشركاء الذين تم إختيارهم، قائمة بالكامل، بإعتبار أن المجتمع المدني لا تحكمه أية آلية لإضفاء الشرعية الإنتخابية. ففي مجتمع دولي يظل محكوماً بحالة من الفوضى، تعتبر الجمعية العامة، وفق المؤرخ بول كينيدي "الإطار الذي يجعلنا أقرب ما يكون من برلمان الأشخاص (5)".
[caption id="attachment_5750" align="aligncenter" width="1000"]

فمجلس الأمن، الذي يضم خمسة أعضاء دائمين يملكون حق النقض، لا يمكنه أن يطمح للعب دور المنتدى الشامل، على الرغم من أنه يتولى النظر، بإسم القيم المشتركة المدرجة ضمن الميثاق، في الأزمات التي تنطوي على مخاطر على السلام العالمي، فمجموعة ال 20، التي تعد تركيبتها عشوائية، ليس بمقدورها هي أيضاً أن تضطلع بهذا الدور، وهذا النادي الذي ظهر مؤخراً على الساحة الدولية، يظل أداة محكومة من قبل القوى الكبرى التي أحدثته، من الأكيد أن بلداناً صاعدة، مثل الهند أو جنوب إفريقيا، أضحت تتمتع بعضوية هذا النادي، ولكن على أساس التبني السيادي للبلدان الغنية، وعلى العكس من ذلك، تتولى الجمعية العامة وفق السيدة ويليامز "إدارة مصالح الدول بصورة عادلة"، مذكرة بأن، "الإستعمار ليس له مكان، ونحن لا نصادف مطلقاً عوائق أمام إستخدام حقنا في الكلمة، لكن مقابل ذلك، تعوذ الدول الصغيرة الإمكانيات لتعميق الملفات"، ففي عام 2005، وفي تأكيد لمكانتها "كجهاز ذي أولوية"، جعلت القمة العالمية لمنظمة بمبادرة من الأمين العام كوفي عنان، من الجمعية العامة "برلمان أمم" حقيقي أخرى، "مجموعة الدول ال193".
ويلاحظ السيد أرنو جيلوا، الذي يعمل بمكتب الأمم المتحدة التابع لوزارة الشئون الخارجية الفرنسية أن "التعاون متعدد الأطراف لا يتوافق بالضرورة مع الواقع، ذلك أنه يتعين إمتلاك الأدوات لبناء الحوار في مصلحتها، وتلك هي المهمة، الفريدة بشكل ما، التي تتحملها الجمعية العامة". فمؤتمر الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية، والذي يمثل منتدى عالمياً واسعاً، يمثل أحد منتجات هذه المؤسسة الأممية. وفي 2015، شعرت كافة البلدان، بما في ذلك البلدان المتسببة في القدر الأكبر من التلوث، بأنها مجبرة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، رغم أن القرار النهائي لقمة باريس لم يكن يبعث على الرضا الكامل.
ويلفت الرئيس طومسون إلى أن "الدول الصغيرة تصنع الأغلبيات، ويتعين أخذ ذلك بعين الإعتبار"، مشدداً على أن "التقدم المحرز خلال هذا العام فيما يتعلق بالمناخ، هو تقدم جاد هام، وعلى عكس كل ما كنا نتوقعه، فإن الإنسحاب الأمريكي من إتفاق باريس قد عزز بشكل أكبر تضامن المجموعة الدولية حول النقاط الكبرى، وهكذا فإن قرار الرئيس دونالد ترامب سيكون له أثر عكس ما كان ينتظره ...."، وعبر أروقة "بيت الزجاج"، لا يتردد بعض السفراء في التعبير عن غضبهم إزاء الدول الغنية التي تتملص من تحمل مسئولياتها إزاء بلدان الجنوب.
[caption id="attachment_5752" align="aligncenter" width="740"]

وتشير النقاشات والقرارات المتصلة بالتنمية إلى أبعاد وحدود الجمعية العامة، ففي سبتمبر 2000، فتح "إعلان الألفية" مسار الورشة الكبرى لتنفيذ الأهداف الثمانية للألفية من أجل التنمية، والتي يتعين أن تنسق المجهود الدولي في مكافحة الفقر، تبدو النتائج الأولى ملموسة، فعدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع قد تراجع من 1.9 مليار إلى 840 مليون نسمة، في حين أن سكان العالم زاد عددهم من 5.3 إلى 7.5 مليار نسمة، كما تم تسجيل نتائج جيدة في مجالات تحسين الصحة والتربية والتغذية والنفاذ إلى الخدمات الأساسية (6)، إلا أن ما يتبين عند التمحيص، هو أن الحصيلة متباينة جداً حسب القارات، ولا تقيس تطور مظاهر عدم المساواة بين البلدان وداخل البلدان، لأجل ذلك، تمت في عام 2015 إعادة صياغة أهداف الألفية من أجل التنمية، كي تأخذ بعين الإعتبار البعد المناخي، مع إضفاء الكونية على الأهداف، والبقاء "أقرب ما يمكن من حقائق الواقع الميداني"، ومستقبلاً هناك 17 هدفاً للتنمية المستدامة بدلاً من الأهداف الثمانية (مكافحة الفقر والقضاء على المجاعات، تعليم ذو جودة، المساواة بين الجنسين، إلخ ....).
وكدلالة واضحة على الأهمية السياسية لهذه الأهداف، تولت سبعون دولة على مدى ثلاث سنوات، التفاوض حول مفاهيمها للمحاور المطروحة، وقد أجاب ثمانية ملايين شخص على إستمارات ذات صلة ضمن تحقيق أولي، فأجندة 2030، التي تحدد العمل الذي يتوجب القيام به لإدراك هذه الأهداف، تحظى بدعم الصين، التي ترى في هذه الخطة مرحلة نحو "شراكة شاملة أكثر توازناً"، وهي شراكة تراها ضرورية (7).

غير أننا نظل بعيدين عن آمال النظام الإقتصادي الدولي الجديد، ففي العام 1974، كانت الجمعية العامة قد صادقت على قرار مثير يدعو إلى تقاسم الثروات على المستوى العالمي، وإلى تغيير الإستراتيجية الإقتصادية التي تقودها الأمم المتحدة، وبرزت في هذا الصدد عدة أهداف مثل إضفاء الإستقرار على أسعار المواد الأولية وتكريس السيادة على الثروات الوطنية، وتحسين شروط التبادل .... وقد فشل النظام الإقتصادي الدولي الجديد، بسبب صدمتين بتروليتين، وبسبب تصاعد مديونية بلدان الجنوب، وسوء إرادة القوى الكبرى، كما يجسد فشل النظام أحد أوجه التغيير الطارئ على توازن القوى الأيديولوجية، والذي يتخطى الجمعية العامة، والضعف الذي طال النزعة العالم – الثالثية، وربما أيضاً بسبب الدور التشاركي المشوش للمنظمات غير الحكومية، التي يمكن لجلوسها على طاولة المفاوضات أن يشكل حافزاً لها على إبداء مواقف أكثر مهادنة.
فالإيدولوجيا الليبرالية قد فرضت نفسها بداية من الثمانينات من خلال "وفاق واشنطن"، ومثلما يشير إلى ذلك المختص في الإقتصاد، بيار جاكمو، فإن "التغيرات الكبيرة المأمولة (عبر أهداف التنمية المستدامة) غير مدعومة بتحليل واضح للأسباب العميقة التي تقف وراء مظاهر التفاوت التي تزعم أنها تريد إزالتها، وهي التجارة غير العادلة، والسيادة المتنامية للأجهزة المالية، والخسائر على صعيد التنوع البيولوجي (8)".

وإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأهداف ليست بمنأى عن الضرر الناجم عن الإدارة التكنوقراطية للمنظمات العصرية، التي يسكنها الميل نحو إستعمال شعارات مبهمة وغير قابلة للفهم من قبل عموم الناس، فضلاً عن أرقامها الطويلة المعقدة، وعمليات "المتابعة والتقييم"، التي تهيمن عليها مشاغل وإعتبارات محاسبية صرفه. وقد لحقت الجمعية العامة، مثلما سجل ذلك ناعوم شومسكي، شكل من أشكال "البيروقراطية"، مثلما جرى لعدد من مؤسسات النقاش والحوار، مبيناً أن نفس الإنزلاقات قد طالت أعمال الكونجرس في الولايات المتحدة.
ومن بين المحاور غير المفهومة للمنظمة العالمية، هناك المؤسسات المالية الدولية، أي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الذين تطورا بالتوازي مع منظمة الأمم المتحدة منذ مؤتمر "بريتون وودز" سنة 1944، في حين أن الأمم المتحدة قد رأت النور أشهر بعد ذلك في سان فرانسيسكو، وعلى خلاف الوكالات والمؤسسات المتخصصة (منظمة الصحة العالمية والمفوضية السامية للاجئين إلخ ...) والبرامج (البرنامج من أجل التنمية، برنامج البيئة، إلخ)، فإن المؤسسات المالية لا تخضع للقواعد المشتركة لمنظومة الأمم المتحدة، فهي تعتمد نظام إدارة يمنح سلطة القرار للبلدان الغنية، كما أنها رفضت دوماً رقابة المجلس الإقتصادي والإجتماعي. فمع هذه المؤسسات المالية، يتعين دوماً أن نناقش ونفاوض، وذلك هو محور "إجتماعات الخريف" التي ينظمها المجلس الإقتصادي والإجتماعي الأممي منذ سنة 1998، والتي تمكن من إرساء التنسيق، في إطار إحترام دور كل طرف.
فمع بقائها مستقلة، تجتهد المؤسسات المالية الدولية في تحسين علاقتها مع منظومة الأمم المتحدة (9)، فقد جاء رئيس البنك الدولي، جيم نيونج كيم، إلى الجمعية العامة في شهر مايو من أجل مناقشة تمويل أهداف الألفية، وهذا تشخيص أكده الممثل الدائم لفرنسا، فرانسوا دولاتر، الذي أعتبر أن "العجز الهيكلي يتم تعويضة بالروح التطوعية للأشخاص". ويحرص السيد طومسون على الإستفادة القصوى من كل صلاحياته كرئيس للجمعية العامة من أجل حث الدول على تقديم المساهمات المالية، وفي هذا الصدد، يقول السيد ديفيد يوناهو، ممثل جمهورية إيرلندا "نحن ممتنون للرئيس لكونه جعل منها محور عمل مركزي"، وبإعتبار أن مدة رئاسته تدوم عاماً واحداً، فإنه يتعين ضمان تواصل العمل، بفضل علاقة جيدة مع الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، الذي يحتل موقعه لمدة خمس سنوات.

يوضح لنا السيد طومسون أنه "يتعين على كل طرف أن يدرك، وبشكل ملموس، حجم الهوة التي تهددنا، بفعل غياب التنمية المستدامة"، وضرورة وضع الإمكانات اللازمة على الطاولة، مضيفاً "إن الدول هي التي يتعين عليها أن تدفع، والجمعية العامة لا يمكنها سوى تحديد توجهات وتوجيه الأنظار نحو الأهداف القائمة، ودوري هو أن أترك لخليفتي بعض نقاط القوة حتى يواصل العمل"، فالجمعية العامة، التي لا تملك وسائل تخوّل إلزامية التنفيذ، يتمثل دورها الرئيسي في تنظيم شكل من أشكال الضغط الإجتماعي من أجل حث الدول التي تظل ذات سيادة على تغيير موقفها، وفي هذا الخصوص بول دولاتر "هنا بالذات يكمن الرهان على سبيل المثال بشأن النقاشات حول حقوق الأقليات، إذ يتعين تعزيز تطوير الوفاق الدولي".
يعوز الأمم المتحدة غالباً موقعاً في صفحات الجرائد أثناء الدرجة العالية من البيروقراطية وتجاوزات بعض عناصر القبعات الزرق (10)، أكثر مما تتصدر هذه الصفحات لقاء العمل اليومي الذي تقوم به في عدد واسع من القطاعات، وفي هذا الخصوص يقول دولاتر إذا كان مجلس الأمن هو من يستقطب الأضواء، فإنه يمكننا القول بأن الجمعية العامة تمثل الوجه الخفي للأمم المتحدة، أنها قلب المفاعل"، مذكراً بموقف فرنسا الداعم للإطار متعدد الأطراف، ولمنظومة الأمم المتحدة، التي يرى فيها رجع الصدى للرهانات الكونية الكبرى.
ففي حين تبنى مجلس الأمن ذاتياً، ودخان الدمار الذي طال مركز التجارة العالمي لا يزال متصاعداً، مسألة مكافحة الإرهاب، يتعين أن نذكر بأن الجمعية العامة هي التي نظمت أول نقاش دولي حول المسألة سنة 1972. وقد صادقت في سبتمبر 2006 على إستراتيجية عالمية لا تقترح مفهوماً مشتركاً للإرهاب، بسبب غياب وفاق حول اللجوء للمقاومة المسلحة من قبل الفلسطينيين في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ويوصي النص بأن يتم الأخذ بالإعتبار ما يمثل الأرضية لترعرع الإرهاب وهي النزاعات والإقصاء السياسي والتهميش الإجتماعي والإقتصادي، إلخ ... وبصورة عملية، يوفر النص إطاراً للمبادرات الوطنية والإقليمية لمكافحة الإرهاب، رغم أن بعض القوانين التي أعتمدتها الدول، تنتهك الحريات، في تناقض مع الإلتزامات المعلنة في نيويورك، إلا أنه يتعين أن نسجل أن الفلسطينيين قد أتيحت لهم داخل الجمعية، بعد إتهامهم من قبل إسرائيل ب"الإرهاب"، الإمكانية كي يطرحوا، وبشكل علني، موضوع العنف الذي تمارسه إسرائيل ضدهم.

ومنذ بضع سنوات، تسند الحكومات المزيد من المهام لرئاسة الجمعية العامة، وبالأخص تنظيم إجتماعات رفيعة المستوى، وتعيين وسطاء في بعض الأزمات، مثل أزمة اللاجئين التي أندلعت سنة 2015، ويرى الديبلوماسي اليوناني، إيوانيس فرايلاس، عضو مكتب الرئيس، أن ذلك يتوافق مع "توجه عميق" يعترف بعمل جهاز الجمعية العامة وقدرته على إرساء الروابط بين الأبعاد المتعددة لكل ملف، ويؤكد هذا الديبلوماسي، الذي شغل منصب مساعد سفير الإتحاد الأوروبي للأمم المتحدة، أن "التنمية تمثل أداة وقاية من النزاعات"، وأن خبرات الجمعية العامة تتيح تنسيق عمل الأجهزة المتخصصة حول الصحة والتنمية والبيئة وغيرها.
وفي عام 2016، أنتخب جويتريس لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، وهو ما يعطيه دوراً فريداً فوفقاً للتقاليد، يكتفي المندوبون بالمصادقة دون تصويت على الوفود بمسار أكثر إنفتاحاً وأكثر شفافية، وهكذا، تم الإستماع إلى المرشحين بصورة علنية، في حين كان رئيس الجمعية العامة يناقش مع مجلس الأمن تحرير نص القرار الختامي، وبالنسبة للسيد فرايلاس، فإن ما جرى هذه المرة يعكس "الحاجة للتجديد ولملائمة هياكل الأمم المتحدة مع تحديات عصرنا"، وأبعد من تلك الضرورة، على الرغم من كونها عادية، فإن تعزيز دور الجمعية العامة يجسد أيضاً الضعف الذي طال الوفاق بين القوى الكبرى، على خلفية توترات بخصوص الأزمة السورية، ويفسر ريشار أتوود، من مؤسسة مجموعة الأزمات الدولية، الأمر بقوله "من خلال تخطي أو خرق القانون الدولي، كانت التدخلات الغربية في كوسوفو (1999) وفي ليبيا (2011) السبب في ميلاد أزمة ثقة بين الدول الخمس دائمة العضوية بشأن القواعد التي تحكم إستخدام القوة".
وبالطريقة ذاتها، صادقت الجمعية العامة في 9 ديسمبر 2016، بعد أن سجلت نتائج عجز مجلس الأمن، على قرار يدعو الدول إلى إحترام القانون الدولي الإنساني في سوريا، خاصة عبر السماح بنفاذ أجهزة النجدة للسكان، وهذا النوع من التدخل على قدر كبير من الندرة، بإعتبار أن الحفاظ على السلام، يعتبر من إختصاصات وصلاحيات مجلس الأمن (11).

والجمعية العامة، التي تعد الجهاز الوحيد الممثل لمجمل العالم، لا تمثل رغم ذلك برلماناً عالمياً، بالنظر إلى كونها غير منبثقة عن انتخابات تضفي عليها شرعية مشابهة لشرعية برلمان دولة ديموقراطية، ومثل هذا الهدف، يعد قطعاً غير واقعي، بالنظر للتنوع الشديد للمجتمع الدولي، غير أن ذلك لا يمنع من بقاء الجمعية العامة موقعاً فريداً بفضل قدرته على تجسيد تطور ميزان القوى العالمي (الإنتخاب المفاجئ للسيد طومسن، تعبئة الدول الصغرى والصين، إلخ) وبفضل قيمة المستلهمة من ميثاق سان فرانسيسكو، وعمادها كبح النزوع للقوة في خدمة الأمن الجماعي، وفي مرحلة يجري فيها إعادة توزيع التوازنات الجيوسياسية، وهو ما يثير توترات كبرى، تظل الجمعية العامة، رغم الهنات والنقائص، المنتدى الوحيد الملائم لبناء نظام دولي تقدمي.
آن سيسيل روبير ، رموالد شيورا
صحفية.
روائي فرنسي أمريكي مؤلف الفيلم الوثائقي "في بيت الزجاج، الأمم المتحدة وأمناؤها العامون".
الهوامش:
- مقتبس من الدرس حول "المنظمات الدولية والحوكمة العالمية"، الذي قدم في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (إيريس IRIS) بباريس.
- أنظرمكتبة داج هامرشولد، http//research.un.org/fr/docs/law/treaties
- منظومة مندمجة لمنظمات المجتمع المدني (http://esango.un.org) وقسم الإتصال مع المنظمات غير الحكومية (un-ngls.org).
- أقرأ "المحيطات، الملف الكبير المنسي في مجال المناخ"، ملحق، لوموتد دبلوماتيك، نوفمبر 2015.
- بول كنيدي، "برلمان الإنسان: ماضي وحاضر، ومستقبل الأمم المتحدة"، راندوم هاوس، نيويورك، 2006.
- التقرير حول أهداف ألفية التنمية، الأمم المتحدة، نيويورك، 2015، un.org/fr/milleniumgoals/reports/2015.
- إجتماع عمل يوم 18 أبريل 2017 نظمه رئيس الجمعية العامة.
- بيارجاكمو، "ما الذي يتعين أن ننتظره من أهداف التنمية المستدامة؟"، معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية IRIS، باريس، 29 سبتمبر 2015.
- تشارك المؤسسات المالية الدولية في الإجتماعات التنسيقية لمجلس الأمناء العامين للأجهزة الأممية.
- أقرأ ساندرا سوراك، "سيل من الإنتقادات يطال القبعات الزرق"، لوموند دبلوماتيك، يناير 2017.
- لجأت الجمعية العامة إلى القرار "متحدون من أجل السلام"، المسمى "قرار دين أتشيسون"، في إشارة لإسم وزير الخارجية الأمريكي الذي ألهم هذا القرار خلال فترة الحرب الكورية.
المصدر: مجلة لوموند ديبلوماتيك ملحق الأهرام المصري