post-feature-image
الصفحة الرئيسيةتحت المجهرإسرائيل

كيف كسبت إسرائيل حرباً، لكنها فقدت بوصلتها الأخلاقية

يوم 18 أيار (مايو) 2001، جاء ناشط من حركة حماس، يرتدي معطفاً أزرق داكناً طويلاً، إلى نقطة تفتيش خارج مركز هشارون للتسوق، بالقرب من مدينة نتا...

يوم 18 أيار (مايو) 2001، جاء ناشط من حركة حماس، يرتدي معطفاً أزرق داكناً طويلاً، إلى نقطة تفتيش خارج مركز هشارون للتسوق، بالقرب من مدينة نتانيا في شمال إسرائيل. وأثار مظهره شكوك الحراس الذين منعوه من الدخول، وعندئذٍ قام بتفجير نفسه، وأسفر التفجير عن مقتل خمسة من المارة. وفي 1 حزيران (يونيو)، قتل مفجر انتحاري آخر 21 شخصاً، معظمهم من المهاجرين اليهود الشباب القادمين من روسيا، والذين كانوا يقفون في صف خارج مرقص على شاطئ في تل أبيب. وكان صاحب صالة الرقص، شلومو كوهين، قد خدم في قوات كوماندوس البحرية، “لكن هذا كان أسوأ شيء رأيته في حياتي”، قال، والألم في عينيه.

وبحلول أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، كان المفجرون الانتحاريون يضربون في شوارع إسرائيل كل أسبوع تقريباً، وأحياناً كل بضعة أيام. وفي 1 كانون الأول (ديسمبر)، قتل ثلاثة مفجرين بالتعاقب 11 شخصاً في مركز بن يهودا في القدس. وفي اليوم التالي، فجر رجل من نابلس نفسه على متن حافلة في حيفا، وقتل 15 شخصاً وجرح 40.

لكن أكثر الهجومات فظاعة كان الذي وقع في عيد الفصح اليهودي، في الطابق الأرضي من “فندق بارك” في ناتانيا، حيث كانت تقام مأدبة الفصح لحوالي 250 شخصاً من فقراء المدينة. في ذلك اليوم، دخل مفجر انتحاري متنكرا بزي امرأة يهودية متدينة إلى القاعة وفجر نفسه، فقتل 30 شخصاً -أصغرهم بعمر 20 عاماً وأكبرهم بعمر 90- وجرح 143 آخرين. وكان جاكوبوفيتز، هنغاري المولد والناجي من معسكرات الموت النازية، من بين القتلى. وفي شهر آذار (مارس) 2002 وحده، قُتل 138 رجلاً وطفلاً على أيدي المفجرين الانتحاريين، وجُرح 683 آخرون.

كان العام 2002، وفقاً لآفي ديتشر، رئيس جهاز المخابرات المحلية، الشين بيت، في ذلك الوقت، “أسوأ عام للهجمات الإرهابية ضدنا منذ إقامة الدولة”.

[mks_pullquote align="left" width="750" size="24" bg_color="#000000" txt_color="#ffffff"]في شهر آذار (مارس) 2002 وحده، قُتل 138 رجلاً وطفلاً على أيدي المفجرين الانتحاريين، وجُرح 683 آخرون.[/mks_pullquote]


 

كان مجتمع المخابرات الإسرائيلي قد واجه المفجرين الانتحاريين من قبل، لكنه لم يتمكن من اجتراح أي حل لمواجهة ذلك. وقال يتسحق بن يسرايل، رئيس إدارة تطوير الأسلحة والبنية التحتية: “ما الذي يمكنك أن تفعله ضد مفجر انتحاري عندما يكون سائراً مسبقاً في شوارعك، باحثاً عن مكان لينسف فيه نفسه؟”.

الإرهاب بشكل عام، والهجمات الانتحارية بشكل خاص، خلقا وضعاً غريباً ومثيراً للحنق داخل جهاز الشين بيت وقوات الدفاع الإسرائيلية. كانوا يعرفون بشكل عام من الذي يقف وراء هجوم ما، لكنهم لم يكونوا يستطيعون جلبه من مكانه البعيد عميقاً داخل المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية. وقال جيورا آيلاند، رئيس مديرية التخطيط في قوات الدفاع الإسرائيلية في ذلك الوقت: “كان هناك حسٌّ من العجز”.

كان ديشتر، مدير الشين بيت، قد قدم مسبقاً استراتيجية جديدة للتعامل مع المشكلة لرئيس الوزراء آرئيل شارون خلال سلسلة من الاجتماعات قرب نهاية العام 2001. في البداية، كان الوزراء مترددين. لكن شارون همس لديشتر في اجتماع عقد بعد هجوم حيفا الانتحاري: “افعلها. اقتلهم جميعاً”.

بما أن التقاط المفجرين الأفراد لم يكن فعالاً، قرر ديشتر نقل التركيز. بدءاً من نهاية العام 2001، سوف تستهدف إسرائيل “البنية التحتية الموقوتة” الكامنة وراء الهجمات. فبعد كل شيء، كان الشخص الذي فجر نفسه أو زرع قنبلة أو ضغط زناداً في العادة مجرد الحلقة الأخيرة من سلسلة طويلة. وهناك المجنِّدون، والسعاة، وباعة الأسلحة، وكذلك أولئك الذين يحتفظون بمنازل آمنة ويتولون تهريب النقود. سوف يكون هؤلاء كلهم أهدافاً.

[caption id="attachment_5515" align="aligncenter" width="1000"] العاملون الإسرائيليون في حالات الطوارئ يبحثون بين أنقاض التفجير الداخلي لفندق بارك في نتانيا ، إسرائيل ، في 27 مارس 2002 ، خلال عيد الفصح.[/caption]

لم تتوان قوات الأمن الإسرائيلية عن العمل. وقتلت عمليات القتل المستهدفة التي نفذتها 84 شخصاً في العام 2001، و101 شخص في العام 2002، و135 شخصاً في 2003. وعلى النقيض من عمليات القتل المتفرقة التي نفذها في الخارج عملاء الموساد، جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الرئيسي، لم يكن من الممكن -أو المعقول- أن ينكر البلد أنه يقف وراء هذه الاغتيالات في الداخل.

كما أن الانتقادات الموجهة لعمليات القتل المستهدفة داخل وخارج إسرائيل جعلت من المستحيل تبرير كل واحدة منها، والكشف عن تفاصيل أفعال الضحايا لإثبات أن لدى الدولة سببا كافيا للرد بهذه الطريقة. وبالتدريج، تحول ما كان يعد في السابق شأناً مدمراً للغاية -الاعتراف بالمسؤولية عن حادثة اغتيال- ليصبح سياسة رسمية للدولة.

بدأت قوات الدفاع الإسرائيلية بإصدار البيانات بعد كل ضربة. وبالتزامن، قام الشين بيت، الذي كان متردداً في السابق في التحدث إلى وسائل الإعلام، بتوزيع مقتطفات من “الصفحة الحمراء” ذات الصلة -ملخصات للمادة المتوفرة حول أعمال الإرهابي الميت- على مختلف المنافد الإعلامية. كانت إسرائيل تعيد ترتيب سياساتها الإعلامية بالكامل -لتخوض، بالتالي، حرباً دعائية.

تطلب تفسير -بل وحتى مجرد إلقاء ضوء صغير على ما كان يعد منذ وقت طويل جزءاً من أسرار دولة- استعمال لغة جديدة وملطِّفاتٍ مفاهيمية جديدة. أصبحت وفيات المدنيين الأبرياء خلال عملية اغتيال تدعى “نيزكاغفي” أو “خسائر عرَضية”. كانَ يُنظر إلى كلمات “اغتيال”، أو “تصفية”، أو “قتل” -لا سمح الله- على أنها غير مناسبة، كما قال مسؤول رفيع في مكتب رئيس الوزراء. وأخيراً، اختاروا مصطلح “سيكولميموكاد” -المعنى العبري لـ”الأفعال الوقائية المستهدفة”.

على الرغم من أن هذه الملطفات اللغوية ربما كانت مفيدة للعلاقات العامة، فإنه لم يكن واضحاً تماماً ما إذا كانت حملة إسرائيل الجديدة للقتل المستهدف قانونية. وليس من المستغرب أن بعض عائلات المغتالين الفلسطينيين وضحايا “الضرر العرَضي” لم ترها كذلك. ولجأت عائلات الضحايا إلى جمعيات حقوق الإنسان ومحامين إسرائيليين متمرسين لتقديم التماس إلى المحكمة العليا للأمر بالتحقيق مع المسؤولين عنها ومحاكمتهم.

أما الأكثر إدهاشاً على الإطلاق، فهو أن الرئيس السابق للشين بيت، آمي أيالون، الذي كانت الإصلاحات الشاملة التي أجراها على أنظمة المخابرات ونُظُمها التشغيلية هي التي سمحت لبرنامج الاغتيالات الجديد بأن يبدأ، اتفق مع المعارضين. قال إن الشين بيت يقتل الناس من دون أن يأخذ في الاعتبار الأحداث السياسية والدولية ذات الصلة أولاً، وأنه الجهاز فشل في فهم متى يمكن أن يتسبب اغتيال في إطفاء لهيب الصراع ومتى يمكن أن يؤججه.

في 31 تموز (يوليو) 2001، أطلقت طائرة عمودية تابعة لجيش لقوات الدفاع الإسرائيلية صواريخ عدة إلى داخل مكتب جمال منصور، عضو الذراع السياسي لحركة حماس والقائد الطلابي في جامعة النجاح في نابلس في الضفة الغربية. وقُتل منصور في الهجوم، إلى جانب أحد مساعديه وستة مدنيين فلسطينيين آخرين، بمن فيهم طفلان. وعلى الإثر، اتصل أيالون بقيادة الشين بيت وسأل مسؤولاً رفيعاً هناك عما إذا كانوا قد فقدوا عقولهم. قال أيالون: “لماذا، لقد خرج هذا الرجل قبل أسبوعين فقط بتصريح قال فيه إنه يؤيد وقفاً للهجمات الإرهابية، وإن عملية السلام يجب أن تُمنح فرصة!” ورد المسؤول بأنهم لم يكونوا يعرفون عن هذا التصريح. وعندئذٍ قال أيالون مُزبداً: “ما الذين يعنيه ذلك، أنكم لا تعرفون؟ كل الصحف الفلسطينية غطت ذلك! العالم كله يعرف!”.

[mks_pullquote align="left" width="750" size="24" bg_color="#000000" txt_color="#ffffff"]الشين بيت يقتل الناس من دون أن يأخذ في الاعتبار الأحداث السياسية والدولية ذات الصلة أولاً، وأنه الجهاز فشل في فهم متى يمكن أن يتسبب اغتيال في إطفاء لهيب الصراع ومتى يمكن أن يؤججه.[/mks_pullquote]


 

وفي وقت لاحق، قال لي أيالون، مستشهداً بحنة أردنت: “أنا أسمي هذا لاشرعية الشر. إنك تصبح معتاداً على القتل. الحياة البشرية تصبح بالنسبة لك شيئاً مسطحاً، من السهل التخلص منها. إنك تقضي ربع ساعة، 20 دقيقة، وأنت تفكر فيمَن ستقتل. وفي كيف تقتله: يومين، ثلاثة أيام. إنك تتعامل مع تكتيكات، وليس مع تداعيات”.

[caption id="attachment_5516" align="aligncenter" width="1000"] رئيس الوزراء الإسرائيلي (ارييل شارون) ، الوسط ، ينظر الى قائد الخدمات الامنيه العامة الاسرائيليه المنتهية ولايته أفي دينتر وهو يصافح خليفته يوفال ديسكين خلال حفل أقيم في 15 مايو 2005 في القدس.[/caption]

لم تفكر إسرائيل بشكل كامل وكما يجب في التداعيات الأخلاقية للبرنامج الجديد، لكنها كانت على وعي كامل بكونها في حاجة إلى توفير غطاء قانوني للضباط والمسؤولين والمرؤوسين الذين ربما يواجهون الملاحقة القانونية في وقت لاحق، إما في داخل إسرائيل أو في الخارج. وفي وقت مبكر هو شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام 2000، قام رئيس هيئة أركان قوات الدفاع الإسرائيلية في ذلك الحين، شاؤول موفاز، باستدعاء رئيس كتيبة المحامين العسكريين، مناحيم فنكلستين، وسأله: “حسب الوضع القانوني الراهن، هل من المسموح لإسرائيل أن تقتل علناً أفراداً معيّنين متورطين في الإرهاب؟ هل هذا قانوني أم غير قانوني؟” وأصيب فكلستين بالذهول.

أجاب: “هل تدرك ما تطلبه مني؟ أن يخبرَك رئيس محامي قوات الدفاع الإسرائيلية بمتى يمكنك أن تقتل الناس من دون محاكمة؟”.

في 18 كانون الثاني (يناير) 2001، تم تسليم رأي قانوني مصنف “سري للغاية” وموقع من فنكلستين إلى رئيس الوزراء، والمدعي العام، ورئيس هيئة أركان الجيش ونائبه، ومدير جهاز الشين بيت. وبدأت الوثيقة بالعبارة الآتية: “يجب علينا أن نعكف للمرة الأولى على تحليل مسألة قانونية عمليات المبادرة بالاعتراض” -وهو تعبير ملطف آخر- “وقد أخبرنا جيش الدفاع الإسرائيلي والشين بيت بأن هذه الأعمال يتم تنفيذها من أجل إنقاذ أرواح المدنيين الإسرائيليين وأفراد قوات الأمن. وبذلك، فإن هذا، من حيث المبدأ، نشاط يعتمد على الأسس الأخلاقية للقواعد الخاصة بالدفاع عن النفس، وهي قضية خاضعة للوصية التلمودية: ‘هو الذي يأتي ليقتلك، انهض مبكراً واقتله أولاً’”.

وهكذا، تم لأول مرة تقديم سند قانوني للاعتراف بعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء.

[mks_pullquote align="left" width="750" size="24" bg_color="#000000" txt_color="#ffffff"]قام رئيس هيئة أركان قوات الدفاع الإسرائيلية في ذلك الحين، شاؤول موفاز، باستدعاء رئيس كتيبة المحامين العسكريين، مناحيم فنكلستين، وسأله: “حسب الوضع القانوني الراهن، هل من المسموح لإسرائيل أن تقتل علناً أفراداً معيّنين متورطين في الإرهاب؟ هل هذا قانوني أم غير قانوني؟” وأصيب فكلستين بالذهول.[/mks_pullquote]


 

بالنسبة لفنكلستين، وهو رجل متدين، كانت تلك لحظة صعبة. كان يدرك بألم أن الله منع الملك داود من بناء معبد لأن هناك الكثير من الدم على يديه. وقد تساءل فنكلستين، الذي أصبح الآن قاضي مقاطعة، عما إذا كانَ سيعاقب على ذلك في يوم من الأيام. وقال لي: “سلمتُ ذلك الرأي بيدين مرتجفتين. كان من الواضح أن هذا ليس شأناً نظرياً وأنهم سوف يستفيدون منه ويستخدمونه”.

وفي الحقيقة، عمل ذلك الرأي بشكل أساسي على إعادة تغيير العلاقة القانونية بين إسرائيل والفلسطينيين. لم يعد الصراع بعد ذلك مسألة تتعلق بإنفاد القانون -أو قيام الشرطة باعتقال المشبوهين بحيث يمكن تقديمهم للمحاكمة. وإنما أضاف ذلك الرأي نوعاً جديداً من المشاركين في الصراع المسلح: “المقاتل غير الشرعي” الذي يشارك في عمليات مسلحة، لكنه ليس جندياً بالمعنى الكامل للكلمة. وقد غطى هذا المصطلح كل شخص ينشط في منظمة إرهابية، حتى لو كان نشاطه هامشياً. طالما كان عضواً ناشطاً في المنظمة، فإنه يمكن اعتباره مقاتلاً –حتى عندما يكون نائماً في سريره.

أفضت هجمات 11/9 في نيويورك إلى إسكات الانتقادات العامة لممارسات إسرائيل المضادة للإرهاب. وأصبح النظام نفسه الذي لاقى الإدانة الدولية قبل بضعة أسابيع فقط يعامل الآن على أنه نموذج ينبغي تقليده والاقتداء به. وقال يوفال ديسكن، الرئيس الأسبق لجهاز الشين بيت: “هجمات 11/9 أعطت لحربنا الخاصة شرعية دولية مطلقة. استطعنا أن نتخلص تماماً من تلك الحبال التي كانت تقيدنا”.

قبل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كانت عمليات القتل المستهدفة بشكل أساسي هي العمل السري الذي تمارسه فرق صغيرة مجزأة تعمل لصالح جهاز الموساد بعيداً عن حدود البلد. وكانت أي حسابات أو مسؤوليات أخلاقية تقتصر على حفنة من الناشطين ووزراء الحكومة. ومع ذلك، وبمجرد أن تم تطوير تلك العمليات إلى آلة قتل واسعة النطاق، أصبح الآلاف من الناس متواطئين. أصبح جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، ورجال سلاح الجو، وأفراد الشين بيت، والناس الذين يجمعون ويصنفون ويحللون ويوزعون المعلومات الاستخبارية -أصبح كل هؤلاء متورطين، وعادة بطرق أكثر أهمية حتى من أولئك الذين ينفذون القتل الفعلي. وبحلول صيف العام 2002، لم يعد بوسع أي إسرائيلي ادعاء الجهل بما يتم فعله باسمه. وكانت مسألة وقت فقط قبل أن تقطع أجهزة الأمن شوطاً بعيداً جداً إلى حد انتهاك القيود القانونية نفسها التي كان قد وضعها فنكلستين عليها.

[caption id="attachment_5517" align="aligncenter" width="1000"] ضباط الشرطة الإسرائيليون يسيرون بالقرب من جثة (يسار). المتطوعون اليهود الأرثوذكس بجمعون دم الضحايا وأشلاءهم لدفنهم في موقع واحد من التفجيرين الانتحاريين الفلسطينيين يوم 5 يناير 2003 في تل ابيب.[/caption]

أمير ضابط في شبكة استخبارات -شاب لامع يعمل في الوحدة 8200، وهي من الوحدات المرموقة أكثر ما يكون في جيش الدفاع الإسرائيلي. وقد عمل، مثل كل ضباط الشبكات الاستخبارية، على معلومات المراقبة في قاعدة محصنة بالإسمنت المعزز. وكان على الجنود من أمثال أمير أن يقرروا، على سبيل المثال، ما إذا كان متحدث في مكالمة هاتفية تم اعتراضها هو صاحب محل يطلب البضائع أم جهادي يقدم تعليمات مشفرة عن إعداد قنبلة. وإذا ارتكب هذا الجندي أي خطأ، فإن أناساً أبرياء -إسرائيليين على أحد الجوانب، أو صاحب محل بقالة عاثر الحظ على الجانب الآخر- يمكن أن يموتوا جراء ذلك الخطأ.

رسمياً، كان أمير وزملاؤه في الوحدة 8200 في قاعدة تيربان مسؤولين عن وقف الهجمات الإرهابية. وعلى المستوى غير الرسمي، كانوا يقررون مَن هم الناس الذين تقتلهم إسرائيل.
في معظم الأحيان، كانت الوحدة 8200 تختار أيضاً المباني التي سيتم قصفها. وكانت عمليات القصف طريقة لإرسال رسالة إلى الفلسطينيين، لكنها كانت ببساطة أيضاً طريقة يُنفس بها قادة إسرائيل وجنودها عن إحباطهم وغضبهم.

يوم 5 كانون الثاني (يناير)، تسلل مفجران انتحاريان من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح إلى تل أبيب وشقا طريقهما باتجاه محطة الحافلات المركزية القديمة. وفي الساعة السادسة وست وعشرين دقيقة مساء، فجرا نفسيهما بالقرب من وسط المدينة، مما أسفر عن مقتل 23 شخصاً. وكان الكثيرون من القتلى رضعاً أو أطفالاً. وقد أدانت السلطة الفلسطينية الهجوم ووعدت ببذل أقصى جهد ممكن لاعتقال الرجال الذين خططوا للعملية. لكن الإسرائيليين لم يقتنعوا. فبعد كل شيء، جاء المفجران من المنظمة التابعة لفتح، التي كانت تحت قيادة ياسر عرفات.

في أعقاب الاجتماع الذي انعقد لبحث عملية حيفا الانتحارية، وبعد أقل من ثلاث ساعات على شن الهجوم، قرر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في ذلك الحين، موشي يعالون، قصف “الهدف 7068″، الاسم الرمزي لمكتب فتح في مدينة خان يونس في قطاع غزة. وعلى النقيض مما كان عليه الوضع سابقاً، لن يكون هناك في هذه المرة إنذار، ولن يُنفذ الهجوم في الليل.

وفقاً للمعلومات الاستخارية المتوفرة لدى “الوحدة 8200″، لم تكن للمكتب صلات بنشاطات إرهابية. ولم يحدث أي نشاط متصل بالإرهاب هناك، وفقاً لأمير، وإنما كان مجرد مكتب للعمل ودفع المساعدات الاجتماعية والرواتب. وقال أمير: “كان المكافئ لنقابة عمال محلية في قطاع غزة”.

في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، أخبر أمير، الذي افترض أن العملية ستكون مجرد ضربة رمزية أخرى ضد بناية فارغة، أخبر الاستخبارات العسكرية بأنه ليس هناك أحد في المبنى وأن من الآمن البدء في عملية القصف. لكن ممثلاً لـ”دائرة الأهداف”، قال له: “العملية معلقة. إنهم ينتظرون حتى يفتح المكتب”.

“ماذا”؟ مَن الذي يتوقعون قدومه”، سأل أمير.

“لا أحد. ليس شخصاً معيناً؛ أي أحد فقط. أخبِرنا عندما يدخل أحد المبنى”.

ظنَّ أمير أن في الأمر سوء فهم. كان وجود مدنيين في مبنى سبباً للتوقف في العادة، وليس لتنفيذ الضربة. ووفقاً لقواعد أخلاقيات جيش الدفاع الإسرائيلي، فإن على الجنود “منع إلحاق ضرر غير ضروري بالحياة البشرية والأطراف البشرية”، و”التنصل من الأوامر غير المشروعة”. وكان قصف مبنى يشغَله أشخاص ليس لهم دور قتالي -بيروقراطيون، وعمال نظافة، وسكرتيرات- يطير وينفجر في وجه تلك القواعد ومذكرة فنكلستين القانونية للعام 2001. إنه استهداف للمدنيين. واستهداف المدنيين، في الحقيقة، هو جريمة حرب صريحة.

ولكن، لم يكن الأمر سوء فهم. وأصدرت “دائرة الأهداف” أمراً مكتوباً حتى يفهم الجميع أنهم في انتظار “إشارة” إلى أن المبنى أصبح مشغولاً -بكلمات أخرى، مكالمة هاتفية. وقيل لوحدة أمير أن لا تنتظر من المتصل أن يُعرِّف عن نفسه أو خوض أي محادثة ذات أي قيمة. ببساطة، كانت النية هي قتل شخص ما -أي شخص.

أثار أمير الأمر مع مسؤوليه الكبار من ضباط شبكة الاستخبارات ومع قيادة “الوحدة 8200”. وقالت القيادة إنهم “يفهمون أن هناك مشكلة”، وأن العملية تم تعليقها. و”ذلك أرضاني، واستطعتُ أن أعود إلى موقعي، الذي كنتُ قد أغلقته، عند حوالي الساعة الثانية ظهراً، مع شعور بأن هذه القصة أصبحت وراءنا”.

مع ذلك، في الصباح التالي، عندما باشر أمير العمل، جاءه اتصال هاتفي من “دائرة الأهداف” ليخطره بأن قصف مكتب فتح في خان يونس على وشك البدء. واعترض أمير، لكن الضابط على الطرف الآخر من الخط استشاط غضباً.

“لماذا يبدو الأمر غير قانوني بوضوح بالنسبة لك؟ إنهم كلهم عرب. إنهم كلهم إرهابيون”.

وقال له أمير: “في وحدتي، نحن نقيم تمييزاً واضحاً جداً بين الإرهابيين وبين أولئك من غير المتورطين، مثل الناس الذين يستخدمون بانتظام هذا المبنى المستهدف”.

ولكن، بحلول ذلك الوقت، كانت عملية القصف قد بدأت مسبقاً. كانت طائرتان مقاتلتان من طراز “ف-16” تطيران في دوائر فوق البحر الأبيض المتوسط، في انتظار تلقي الأمر. وكانت طائرة من دون طيار تقوم بتصوير المبنى عن بعد. وبمجرد أن يخبرهم أمير بأن أحداً ما أصبح في المبنى، سوف يتم إطلاق صاروخين من طراز “هيلفاير”. وقرر أمير أن يرفض التعاون.

شرعت مكالمات هاتفية نافدة الصبر في الانهيال على قيادة “الوحدة 8200” من سلاح الجو والاستخبارات العسكرية. كان الأمر التنفيذي للعملية يتطلب استكمال القصف بحلول الساعة 11:30 صباحاً، قبل أن يشرع الأطفال في الخروج إلى فناء مدرسة مجاورة. وقال لهم أمير: “هذا أمر غير قانوني بكل وضوح، ولا أنوي إطاعته. وكون القائد لم يعلن أنه غير قانوني لا يجعله قانونياً”.

بعد بضع دقائق، قال أحد جنود أمير له إن هناك مكالمات هاتفية تُجرى الآن في داخل مبنى فتح. كان أحد ما هناك يتعامل مع دفعات الأجور، ويبذل محاولة للحصول على بعض المال لبعض المستخدَمين، على الرغم من الأوقات الصعبة السائدة في مناطق السلطة الفلسطينية والحرب المستمرة. وكانت إحدى السكرتيرات تثرثر عن شاب محلي.

[mks_pullquote align="left" width="750" size="24" bg_color="#000000" txt_color="#ffffff"]هذا أمر غير قانوني بكل وضوح، ولا أنوي إطاعته. وكون القائد لم يعلن أنه غير قانوني لا يجعله قانونياً”[/mks_pullquote]


 

كانت تلك هي الإشارة المطلوبة لانطلاق العملية. تستطيع طائرة الـ”ف-16″ أن تقصف. وتستطيع إسرائيل أن تقتلهما كليهما، الرجل والسكرتيرة. وجلس أمير في مقعده باعتباره ضابط شبكة الاستخبارات المناوب. ويتذكر الآن ما حدث في تلك اللحظات: “حل عليَّ في تلك اللحظة نوع من الصفاء. شعرت بأن هناك شيئاً صحيحاً واحداً ينبغي أن أفعله. أصبح واضحاً لي أن هذه العملية لا ينبغي أن تمضي قدُماً، وأنها تعبر خطاً أحمر، وأن هذا الأمر غير قانوني بكل وضوح… وأن مسؤوليتي، كجندي وكإنسان، هي أن أرفض تنفيذه”.

في ذلك المساء، أرسلت قيادة “الوحدة 8200” رسالة عاجلة إلى رئيس الاستخبارات العسكرية، تعبر فيها عن تحفظاتها الشديدة على العملية. وتم بث الرسالة إلى وزير الدفاع، الذي أمر بإلغاء الهجوم.

كان ذلك دليلاً واضحاً على موقف أمير الأخلاقي، لكن الوقت كان قد فات كثيراً على إسكات العاصفة التي أطلقها “التمرد في الوحدة 8200”. وأصبحت قيادة “الوحدة 8200” تحت النيران الكثيفة من كافة الأطراف في مؤسسة الدفاع -حتى أن رئيس الوزراء شارون أعلن أنه ألقى نظرة خاطفة على ما رشح. وتم استدعاء رئيس الوحدة، البريغادير جنرال يائير كوهين، إلى اجتماع لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي مخصص كلياً لمناقشة مسألة أمير. يجب أن يواجه محكمة عسكرية، كما طالب الضباط، وأن يذهب إلى السجن لستة أشهر على الأقل. وذهب أحد الجنرالات شوطاً أبعد: “كان يجب أن يدان هذا الضابط بالخيانة ويوضع أمام بنادق فرقة الإعدام”.

كانت المؤسسات العكسرية والاستخبارية قلقة من أن أمير الأول بين كثير من الجنود الذين يرفضون تنفيذ الأوامر. ومن منظور القادة، لم تترك مهمة إخماد انتفاضة فلسطينية الكثير من المتسع للمعترضين الليبراليين الإسفنجيين.

قوبل اعتقاد أمير بأن ما ارتقى إلى أمر بقتل مدنيين كان غير قانوني بوضوح بالرفض الصريح من الجيش. وقام قائد “الوحدة 8200” بدعوة البروفيسور آسا كاشر، الفيلسوف ومؤلف “ميثاق شرف” الجيش الإسرائيلي، لمناقشة القضية. واعتقد كاشر بأن أعمال أمير لم تكن صائبة أخلاقياً. وقال: “لا أستطيع تحت أي ظرف إقرار عمل ضابط شبكة الاستخبارات. في الوضع الذي ساد هناك، بينما يعمل كضابط استخبارات في قاعدة بعيدة، كان يفتقر إلى السلطة الأخلاقية التي تمكنه من تقرير ما إذا الأمر العسكري غير قانوني بشكل واضح”. وبعد ذلك، تم تسريح أمير بهدوء من دون توجيه اتهام، للحيلولة دون إعطاء المحاكم فرصة لتحديد ما إذا كان قتل المدنيين قانونياً.

[mks_pullquote align="left" width="750" size="24" bg_color="#000000" txt_color="#ffffff"]من منظور القادة، لم تترك مهمة إخماد انتفاضة فلسطينية الكثير من المتسع للمعترضين الليبراليين الإسفنجيين.[/mks_pullquote]


 

انتهكت العملية في خان يونس بوضوح المبادئ التوجيهية التي وضعها النائب العسكري العام لجيش الدفاع الإسرائيلي -أن المستهدف بالتصفية يجب أن يكون فرداً متصلاً مباشرة بالإرهاب. لكن ذلك لم يكن المبدأ التوجيهي الوحيد الذي تم انتهاكه بشكل متكرر. فهناك مبدأ يدعو إلى إجراء تحقيق عند كل مرة يُقتل فيها مدنيون أبرياء بالإضافة إلى الهدف. ونص مبدأ آخر على أنه لا ينبغي تنفيذ عمليات قتل مستهدفة عندما يكون هناك “بديل اعتقال معقول” –عندما يكون بالوسع اعتقال الإرهابي من دون تعريض أرواح الجنود والمدنيين للخطر. وقال لي ألون كاستيل، الجندي في قسم الاستخبارات في وحدة دوفديفان أو “الكرز” (التي ترتكز عليها الدراما التلفزيونية الشعبية “فادوا”): “كل شيء في خدمتي العسكرية تغير بعد اندلاع الانتفاضة. قبل ذلك، كنا نبذل جهداً عظيماً لاعتقال الرجال المطلوبين أحياء. وبعد اندلاعها، انتهت هذه الطريقة في العمل. أصبح واضحاً أننا نخرج لنقتُل”.

[caption id="attachment_5518" align="aligncenter" width="1000"] الشيخ احمد ياسين ، مؤسس حماس ، يحضر جنازه زعيم حماس الكبير إسماعيل أبو شنب وحراسه في المسجد الكبير في غزه في 22 أب/أغسطس 2003 في قطاع غزه.[/caption]

بحلول صيف العام 2002، تمكن جهاز الشين بيت وشركاؤه من وقف أكثر من 80 في المائة من الهجمات قبل أن تصبح قاتلة. كانت عمليات القتل المستهدفة تنقذ الأرواح بوضوح. لكن اتجاهاً مُقلقاً ظهر في البيانات: كان عدد محاولات شن الهجمات يرتفع.

وهكذا، بدلاً من إضعاف وتدمير حماس والجماعات الإرهابية الأخرى، كانت الاغتيالات المستهدفة تولد المزيد والمزيد من المهاجمين.

يوم 14 كانون الثاني (يناير) 2004، حاولت امرأة بعمر 21 عاماً من غزة دخول إسرائيل من معبر إيريز. وترتب عليها أن تمر من خلال جهاز لاكتشاف المعادن، مثل كل الفلسطينيين. وصدر صوت صافرة عالٍ بينما تعبر المرأة الكاشف. “بلاتين، بلاتين”، قالت لحرس الحدود وهي تشير إلى ساقها -مزروعة بالبلاتين. وأعاد الحراس إرسالها عبر الجهاز مرة ثانية ثم ثالثة. واستمر جهاز الكشف بالصفير. وتم استدعاء حارسة أنثى لتفتيشها. وعندئذٍ قامت بتفجير قنبلة فقتلت أربعة من الفاحصين وجرحت 10 آخرين.

اسم المرأة هو ريم صالح الرياشي. وكان لها ولدان، واحد بعمر 3 سنوات، والآخر بعمر 18 شهراً فقط. وبعد الهجوم، عقد زعيم حماس، الشيخ أحمد ياسين، مؤتمراً صحفياً في منزل أحد أتباعه. جلس في كرسيه المتحرك، ملفوفاً في بطانية بنية اللون. وكان يبتسم. قال: “للمرة الأولى، استخدمنا مقاتلة أنثى بدلاً من رجل. وهذا تطور في الصراع ضد العدو”. والشيخ، الذي كان قد أصدر العديد من الفتاوى ضد استخدام المفجرات الانتحاريات الإناث، قال إنه غير رأيه. “الجهاد ملزم لكل المسلمين، الرجال والنساء. وهذا دليل على أن المقاومة سوف تتواصل حتى نطرد العدو من وطننا”. وكان ذلك كافياً لتضع الحكومة الإسرائيلية أحمد ياسين على قائمة الأهداف.

في مناسبات الظهور العلني، ألقى آرئيل شارون أيضاً بتلميحات إلى أنه أصبح يرى ياسين الآن كهدف. وأفضى ذلك إلى تشديد إجراءات الأمن حول زعيم حماس فحسب. بقي داخل المنزل، وخرج فقط ليزور مسجداً محلياً ومنزل شقيقته، وكلاهما قريب من البيت. وكان يتحرك بين هذه النقاط الثلاث في شاحنتين مغلقتَين صغيرتين، إحداهما مزودة برافعة لكرسيه المتحرك والأخرى يستخدمها حراسه المسلحون. وكانت حياته مقتصرة على هذا المثلث، وافترض هو وأتباعه أن إسرائيل لن تجرؤ على توجيه ضربة لأي من رؤوس هذا المثلث -التي يظل كل منها ممتلئاً دائماً بالنساء والأطفال والمدنيين الأبرياء.

ولكن، ثمة فراغات كانت بين هذه النقاط الثلاث. وفي مساء 21 آذار (مارس)، كان ياسين ذاهباً في الشاحنة المغلقة لأداء الصلاة في الجامع، بينما تبعه حراسه في الأخرى.
وأمر شاؤول موفاز، الذي كان في ذلك الحين وزير الدفاع، تُدمر كلتا العربتين في طريق عودتهما. وكانت هناك مروحيات تدور في الهواء وطائرات مسيَّرة تئز فوق الرؤوس، وتواجد ابن أحمد ياسين، عبد الحميد، لوقت كافٍ ليستشعر الخطر. وانطلق مسرعاً إلى المسجد.

قال محذراً: “أبي، لا تغادر هذا المكان. إنهم لن يهاجموا مسجداً”.

قرر الشيخ وحراسه توخي الحذر وظلوا في المسجد.

مرت الساعات. وبعد صلاة الفجر، أراد ياسين العودة إلى البيت. وقال ابنه بعد ذلك: “لم يكُن صوت المروحيات يُسمع في الأعلى. كان الجميع متأكداً أن الخطر قد زال”.

لكن المتعقبين كانوا ما يزالون هناك، بطبيعة الحال، وكانت الطائرات المسيَّرة ما تزال تراقب من خلال كاميرات التصوير الحراري. خرج أناس من الباب الأمامي، مارين بسرعة بجوار الشاحنات المتوقفة، وهم يدفعون بكرسي متحرك.

طلب موفاز التحدث مع طيار الأباتشي، وسأله عما إذا كان يستطيع أن يرى بوضوح الكرسي المتحرك وإذا كان يستطيع أن يصيبه.

“أراه بوضوح كبير”، قال الطيار. “أستطيع أن أسقطه”.

على تغذية الفيديو، التمع برق تلتهُ شاشة فارغة لجزء من الثانية. ثم طارت أجزاء الكرسي المتحرك في كل الاتجاهات، وحلقت إحدى العجلات إلى الأعلى وحطت خارج الإطار، وكان الناس يستلقون أو يزحفون على الأرض.

[caption id="attachment_5519" align="aligncenter" width="1000"] الفلسطينيون يحملون نعش مؤسس حماس الشيخ احمد ياسين خلال جنازته يوم 22 مارس 2004 في قطاع غزه.[/caption]

قضى الهجوم على ياسين على أبرز قائد في حماس؛ كما أنه قتل حراسه الشخصيين وجرح ابنه. وبعد وقت قصير من اغتيال ياسين، قتلت إسرائيل خليفته، عبد العزيز الرنتيسي، ومساعدين له بإطلاق صاروخ واحد على سيارته السوبارو في شارع مزدحم. وفي غضون أسابيع، توسطت مصر في وقف لإطلاق النار مع حماس. وبفضل مؤسستها الانسيابية للقتل المستهدف والقيادة الحازمة لآرئيل شارون، أثبتت إسرائيل أن بالوصع إخضاع شبكة إرهابية قاتلة وعنيدة بالقضاء على آمريها التنفيذيين وقيادتها.

مع ذلك، جاءت عمليات القتل المستهدف بتكاليف باهظة. وكان الذي دفع الثمن، أولاً وقبل كل شيء، هم الفلسطينيون الأبرياء الذين أصبحوا “الضرَر الجانبي” لعمليات الاغتيال. وقد قتل في هذه العمليات آلاف المدنيين، كما أصيب الآلاف، بمن فيهم الكثير من الأطفال، وتُركوا عاجزين مدى الحياة.

كما قال لي ضابط رفيع في الشين بيت: “في الماضي، عندما كان هذا كله سرياً وشرعيته موضع شك، كنا نستطيع تنفيذ القليل جداً من الضربات”. وكان السؤال الوحيد هو كم من هذه العمليات يمكن تنفيذها من دون أن يتم اكتشافها. وأضاف الضابط: “في اللحظة التي جعل فيها النائب العام لجيش الدفاع الإسرائيلي هذه الأعمال شرعية وقانونية وعلنية، فتحنا خط تجميع لعمليات الاغتيال. وهكذا، أصبح ضميرنا الآن أنظف، لكن الأمر انتهى بعدد كبير من الناس إلى الموت”.

[mks_pullquote align="left" width="750" size="24" bg_color="#000000" txt_color="#ffffff"]ان الذي دفع الثمن، أولاً وقبل كل شيء، هم الفلسطينيون الأبرياء الذين أصبحوا “الضرَر الجانبي” لعمليات الاغتيال. وقد قتل في هذه العمليات آلاف المدنيين، كما أصيب الآلاف، بمن فيهم الكثير من الأطفال، وتُركوا عاجزين مدى الحياة.[/mks_pullquote]


 

عندما أصبحت القدرة على القتل في متناول أيديهم، اختار القادة الإسرائيليون في كثير من الأحيان القوة قبل الدبلوماسية. وربما تكون حملة القتل المستهدف قد شكلت انتصاراً تكتيكياً، لكنها كانت هزيمة استراتيجية، والتي عملت على المزيد من تهميش إسرائيل ونزع الشرعية عنها في أعين العالم.

كان داود يتصرف مرة أخرى مثل جالوت.

تم اقتباس هذا المقتطف من كتاب رونين بيرغمان الجديد: “انهض واقتل أولاً: التاريخ السري لاغتيالات إسرائيل المستهدفة”، Rise and Kill First: The Secret History of Israel’s Targeted Assassinations
مراسل صحفي رفيع للشؤون العسكرية والاستخباراتية لصحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، وكاتب مساهم في مجلة “نيويورك تايمز”.

ملاحظة المترجم: تم الاحتفاظ بكلمة “إرهابي” ومشتقاتها لوصف المقاومة الفلسطينية كما وردت في النص الأصلي وفاء لأمانة الترجمة فقط. وهي تعبر عن رؤية بيرغمان ولا تعبر عن رأي المترجم.

ترجمة علاء الدين أبو زينة


المصدر: مركز الناطور للدراسات والأبحاث
http://natourcenter.info/portal/2018/02/22/
الاسم

أتاتورك أحياء إختراع أدوية إذاعة أرامكو أردوغان أسبانيا إستاكوزا إسرائيل أسلحة إصابات إعلام أفريقيا أقباط إقتصاد إكتشاف أكراد الأباء الإباحية الإبتكار الأبراج الأبناء الإتحاد الأوربي الأثرياء الأجانب الإجهاض الأحزاب الأخبار الأخوان الإخوان الأديان الأردن الأرض الإرهاب الإرهابيين الأزهر الإستجمام الأسرة الإسلام الإسلامية الإسلاميين الإصطناعي الأطفال الإعتداء الأعسر الإعلام الإغتيال الإغتيالات الأغنياء الأفلام الإباحية الأقباط الإقتصاد الأكراد الألتراء الألتراس الإلحاد الألعاب الإلكترونية الألمان الأم الفردية الأمارات الإمارات الإمارات العربية الأمازيغ الأمراض الأمم المتحدة الأمن الأمواج الأمومة الأميرة دايانا الإنتاج الإنتحاريين الإنترنت الإنتفاضة الإنجليز الإنفصال الانفلونزا الأهرام الأهلي الأوسكار البترول البحر البدو البشر البصرة البناء البنك المركزي البوذية البورصة البيئة التجميل التجنيد التحديث التحرش الترفيه التشدد التطرف التغيير التقشف التليفون التهرب الضريبي الثدي الثقافة الثورة الجاذبية الجامعات الجراثيم الجزائر الجسد الجفاف الجماعات الإسلامية الجماهير الجنس الجنسي الجنود الجنيه الجهاد الجيش الحاسب الحاسوب الحب الحرارة الحرب الحرس الثوري الحزب الجمهوري الحشد الشعبي الحكومة الحوثيون الختان الخديوي الخلافة العثمانية الخليج الخليج العربي الدانمارك الدولار الدولة الديكتاتورية الديمقراطية الدين الدينية الديون الذكاء الذكاء الإصطناعي الربيع العربي الرجل الرقمي الروبوت الروبوتات الروهينجا الري الزراعة السرطان السعودية السفر السكان السلام السلة السلطان السلطة السلطة الفلسطينية السلطوية السلفية السلفيين السمنة السموم السنة السود السودان السوريون السياحة السياسة السياسي السيسي السينما السيول الشباب الشرطة الشرق الشرق الأوسط الشريعة الشمس الشيعة الصحة الصحراء الصحف الصحفيين الصخري الصدر الصواريخ الصين الضرب الطاقة الطعام الطفل الطوارئ ألعاب العاصمة العاطفة العالم العثمانيون العدالة العدالة الإجتماعية العراق العرب العربي العسكر العقل العلاج العلم العلماء العلمانية العلويون العمال العمل العملة العنصرية العنف العنف الأسري الغاز الغذاء الغرب الفراعنة الفرعونية الفساد الفضاء الفضائيات الفقر الفلسطنيين الفلك الفن القاعدة القانون القاهرة القبائل القدس القذافي القوات المسلحة القومية العربية الكبد إلكترونيات الكنيسة الكنيسة اليونانية الكهنة الكواكب الكورة الكوليرا الكويت اللاجئين الليرة المال المانيا المتشددين المتطرفين المتوسط المثالي المجتمع المجلس العسكري المحمول المدينة المنورة المذبحة المرأة المراهقين المرض المريخ المساواة المستقبل المسلسلات المسلمون المسيحية المصريين المعلومات المغرب المقاتلون المقاولون المقبرة الملائ الأمن الملك توت المليشيات المناخ المنطقة العربية المنظمات الموبايل الموساد الموضة المياه الميراث النجوم النساء النظافة النظام النفايات النفط النووي النيل الهند الهوس الهوليجنز الهوية الوالدة باشا الوراثة الولادة الوليد بن طلال الوهابية اليابان ألياف ضوئية اليمن اليهود اليهودية اليورو اليونان أمراض أمريكا امريكا أموال أميركا اميركا أميريكا إنترنت إنجلترا أهرامات الجيزة أوربا اوربا أوروبا أوسكار إيبولا إيران إيفان الرهيب أيمن الظواهري بازل باسم يوسف باكستان براكين بريطانيا بنجلاديش بوتفليقة بوتن بوتين بووليود بيراميدز بينج تاريخي تجارة تحت المجهر ترامب تركيا تشارلز تشلسي تصوير تعليم تغير مناخي تكنولوجيا تليفزيون تونس تويتر ثروات جبهة النصرة جدة جراحة جنس جوته جوجول جونسون جيرتود بيل حاسب حزب الله حفتر حفريات حماس خاشقجي خامئني خداع خليفة حفتر خيال علمي دارفور داعش دبي دراما دوري السلة الأمريكي ديانا ديمقراطية ديناصور رأس رام الله رجل ألي رسوم روبرت ماردوخ روسيا روما رياضة زراعة زرع زواج ساعة أبل سامي عنان ستراتفور سرت سرطان سفينة فضاء سكن سنيما سوء التغذية سوريا سياسة سيف الإسلام القذافي سيناء سينما شارلز شعاع شفيق شمال أفريقيا شيخ الأزهر صحافة صحة صدام حسين صندوق النقد الدولي صنعاء صوت طائرات طاقة طاقة نووية طب طبي طعمية طفيل طلاق عبد القادر الجزائري عبد الناصر عدن عرب عسكرية عصابات عقل علاج علوم وصحة عمل عنان غاز غزة فحم فرعون فرنسا فضائيات فقر فلافل فلسطين فن فن وثقافة فنزويلا فوكس نيوز فيتنام فيديو فيروس فيروس سي فيس بوك فيصل فيضان فيورينتنا قارون قبرص قتل قش الأرز قطر قمع قنصوة قواعد كائنات كاس العالم كاسيني كافاليرز كافاليير كاميرا كتالونيا كربون كرة القدم كليوباترا كوكايين كيسنجر كيفين دورانت لاجئين لبنان لغة لوحات ليبرون جيمس ليبيا ليزر ليفربول لييبا مائير كاهانا ماري كوري مال وأعمال مايكروسوفت متجددة مجتمع مجتمع وإعلام مجتمعات مجلس الأمن محمد بن سلمان محمد صلاح مختبرات مخدرات مدرسة مراهقات مرتزقة مرض مركبات الفضاء مسلسل مسلسلات مسلمين مصر مصري مطلقات معارك معدل وراثيا معدن معرض مكة ملفات مليشيا مهاجرين موبايل موسى موسيقى مي تو مينمار نتنياهو نساء نسخ نظام الفقيه نفط نفظ نقابة نيكسون هاري هوليوود وباء وعد بلفور وقود ولي العهد وليام ياهو accessories animals anxiety art artist assignment attraction aviation bag beach beautiful destinations Best Catering Best Catering Services bicycle bicylce tours bigger bitter juice Blood Pressure botox brain brazilian buildings business Business Website cannes activity career cartoon Catering Services cave cheap hotels cheap loan cigarette climbing clothing communication Control Blood Control Blood Pressure cook cosmetic coursework craziness credit cremation deppression dermal Ease Stiffness education effective Engine Optimization entrepreneur ethnic wear europan explore eyes face finance fire damage focus food food tips fruit furniture garden gardening glasses gym hand tools health herbal Herbal Treatment High Blood home home loan home tips Hypertension Naturally immune system india Joint Pain Joint Pain Relief kindle life life hack loans marriage mba meal money movie music natural Natural Joint Natural Joint Pain occassion office Orthoxil Plus outdoor Pain Relief Pain Relief Treatment paris pets photographer pumpkin quality Reduce Hypertension Reduce Hypertension Naturally relationship relaxed Relief Treatment round face runner sea Search Engine Search Engine Optimization Search Engines self help self improvements shoes Side Effects sleep smoking snowboard social spain sports stories stress Stresx Capsules style success surgery travel trees vegetable voice voyage Website Design wi-fi winter work world zodiac sign
false
rtl
item
الجيل الجديد: كيف كسبت إسرائيل حرباً، لكنها فقدت بوصلتها الأخلاقية
كيف كسبت إسرائيل حرباً، لكنها فقدت بوصلتها الأخلاقية
https://geel25elgaded.com/wp-content/uploads/2018/03/كيف-فقدت-إسرائيل1.jpg
الجيل الجديد
https://geel25elgaded.blogspot.com/2018/03/blog-post_10.html
https://geel25elgaded.blogspot.com/
http://geel25elgaded.blogspot.com/
http://geel25elgaded.blogspot.com/2018/03/blog-post_10.html
true
6246319857275187510
UTF-8
لايوجد اي تدوينة المزيد المزيد الرد اغلاق الرد حذف By الصفحة الرئيسية صفحة مقالة المزيد مواضيع ذات صلة التسميات الارشيف البحث لا يوجد اي تدوينة الصعود الى الاعلى Sunday Monday Tuesday Wednesday Thursday Friday Saturday Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat January February March April May June July August September October November December Jan Feb Mar Apr May Jun Jul Aug Sep Oct Nov Dec just now 1 minute ago $$1$$ minutes ago 1 hour ago $$1$$ hours ago Yesterday $$1$$ days ago $$1$$ weeks ago more than 5 weeks ago