أكثر من 800 امرأة تجهض كل يوم في المغرب، ما يعادل 30 امرأة كل ساعة... أرقام مذهلة لكنها تبقى بعيدة عن الواقع الذي يشهد نموا كبيرا في سوق الإ...
أكثر من 800 امرأة تجهض كل يوم في المغرب، ما يعادل 30 امرأة كل ساعة...أرقام مذهلة لكنها تبقى بعيدة عن الواقع الذي يشهد نموا كبيرا في سوق الإجهاض. إحصائيات نشرتها في 2012 الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري سوق يمتهنها بكل سهولة وحرية مشعوذون، أطباء، قابلات وآخرون غيرهم...

سوق العرافات أو "الجميعة" بدرب السلطان، أول عنوان نصحت به في المغرب حين بدأت أسأل عمن يساعدني على الإجهاض.سوق مقام في مكان بعيد عن الطريق الرئيسية بقلب الدار البيضاء، أكبر المدن المغربية وأكثرها تسجيلا لعدد الجرائم، على بعد 5 دقائق فقط من أحد أجمل القصور الملكية ومن مركز الأمن الإقليمي كذلك...
سوق كل الممنوعات. نحو 20 عطارا ذاع صيتهم داخل المغرب وخارجه، يتقاسمون يوميا مئات الزبائن معظمهم من النساء.
دخلت متجر بائع في الخمسين من العمر في هذه السوق، الثعالب والثعابين المحنطة تضج بمدخله.
أخبرته بأنني جئت من بعيد لأبحث عن أعشاب لإسقاط حملي الذي دخل أسبوعه السابع، بعد دقائق قليلة حضر لي خليطا من الأعشاب لم يرض أن يكشف عن جميع مكوناتها مقابل 200 درهم (نحو 20 يورو) مع بعض التردد في تأكيد النتيجة.
تركت بائع الثعابين، وقصدت "فقيها"، سمعته انتشرت في سوق الإجهاض والشعوذة، ولأنه لمح على وجهي نوعا من التوتر وأنا أردد أمامه مأساتي مع هذا الحمل غير المرغوب فيه، أدخلني في حالة من الترهيب وتأنيب الضمير في ملحق خلفي لدكانه حيث التقيت بسيدة في العشرين من عمرها جاءت هي الأخرى لتقضي حاجتها بالبحث عن "شداق الجمل" (القليل منه يصيب الإنسان بالجنون، والكثير منه قد يقتله نهائيا).
حاولت التركيز على وجه البائع وتفادي النظر إلى السقف حيث علقت رؤوس حيوانات وزواحف تثير الاشمئزاز. خاطبني البائع قائلا "عليك الإسراع في إسقاط الجنين، فبعد أيام سيصبح الأمر مستحيلا بواسطة الأعشاب، لذلك عليك الاختيار بين وصفتي التي تكلف 2000 درهم (200 يورو) أو العملية عند الطبيب مقابل الضعف 4000 درهم".
وصفته السحرية كما يقول تجهض المرأة في يومين حتى ولو كان حملها متقدما، خليط يحتوي على بعض الأعشاب الضارة تدخل في رحم المرأة لتقتل الجنين بسمها خلال 24

تركت عالم الأعشاب والشعوذة، لأجرب حظي الآن مع الصيدلي، فظاهرة الإجهاض عبر تناول الأدوية توسع انتشارها في الآونة الأخيرة، رغم أن السلطات منعت منذ سنوات بيع الحقن المجهضة.
تفاجأت بأن الكثير من الأدوية الأخرى ذات المفعول القوي المخصصة للالتهابات الحادة والأمراض المزمنة تباع في الصيدليات من دون وصفات طبية.ويبقى الدواء الأكثر استعمالا هو "إيتوتيك" المضاد للالتهابات، دواء في متناول الجميع في الصيدليات رغم علم السلطات الصحية بأنه يستعمل لغير أغراضه.
حل ثالث أمامي وهو إيجاد "قابلة" لتساعدني على الإجهاض في البيت،فوسائل الإعلامكتبت كثيرا عن دورهن في عمليات الإجهاض خاصة في القرى والمدن النائية.بعد عناء كبير، اهتديت إلى سيدة طاعنة في السن تقطن فيضواحي الدار البيضاء،
أجلت موعدنا عدة مرات، لتلغيه في النهاية ربما توخيا للحذر فموضوع الإجهاض في هذه الفترة على كل لسان وعلى كل القنوات المغربية بسبب الباخرة الهولندية "نساء على الأمواج" التي توجهت إلى المغرب لإثارة النقاش حول حق المرأة المغربية في الإجهاض.
لكن ممرضة توليد لا تزال تزاول عملها في قسم الولادات بمستشفى المحمدية أكدت لي الدور الكبير الذي تقوم به هاته القابلات، فإن كان للبعض منهن طرقا "حكيمة" في الإجهاض اكتسبنها بفعل التجربة، أخريات كثيرات يلجأن إلى إدخال إبرة لغزل الصوف أو عيدان من البقدونس في الرحم لتقطيع الكيس المائي الذي يحمي الجنين، وإسقاطه بعد دقائق قليلة.
"القابلات" يلجأن إلى إدخال إبرة لغزل الصوف أو عيدان من البقدونس في الرحم لتقطيع الكيس المائي الذي يحمي الجنين، وإسقاطه بعد دقائق قليلة.
آخر حل بقي أمامي هو الأطباء، فعددهم ارتفع في السنوات الأخيرة وسوق الإجهاض صارت تدر على الكثير منهم المال الوفير شهريا، حتىأن بعضهم صار يخصص لها نصف ساعات عمله، وذهب البعض الآخر للتخصص في هذاالمجال.
وللوصول إلى هذا الطبيب الذي يرضى "المخاطرة" بمستقبلهلإجراء عملية إجهاض استعنت ببعض معارفي الذين دلوني على طبيب يقوم بالعملية مقابل3000درهم.
يواجه الأطباء عقوبة السجن من سنة إلى خمس سنوات، أما المجهضات أو اللواتي يحاولن ذلك فعقوبتهن تتراوح من ستة أشهر إلى عامين.
المشكل الوحيد هو أن مساعدته هي "سيدة المكان" كما هو الأمر في جميع العيادات الخاصة في المغرب، فالظفر بموعد مع الطبيب يتطلب أولا المرور بمساعدته وكسب رضاها ببعض الأوراق النقدية، مكالمة من هاتف عام لمرافقتي أخبرتها بأنني أريد الإجهاض وأنها تعرف الطبيب، جعلتها تفتح لي الباب من دون أي مشكل، بعض الأسئلة عن حياتي الخاصة، من عذريتي إلى هوية الرجل الذي جعلني حاملا، وبعد دقائق قليلة من المجاملة، أعطتني موعدا مع الطبيب في الساعة نفسها لإجراء فحص أشعة على البطن ليعرف مدى تقدم حملي ويحدد لي بذلك كلفة العملية التي تتراوح بين 2000 درهم و 15 ألف في حال كان الحمل متقدما.
وأنا أدردش مع الممرضة، دخل الطبيب (رجل وسيم في الأربعين من عمره) ودخلت خلفه فتاة محجبة، جاءت بدورها لتجهض جنينها حسب ما أخبرتي الممرضة بعدها.
ومن دون فتح أي ملف طبي لي في العيادة، ولا حتى التعرف على ملفي الصحي للعودة إليه في حال تعقدت الأمور خلال العملية التي تتطلب تخديرا كاملا، أخذت موعدا لإجراء العملية في اليوم التالي في العيادة نفسها.

تركت الدار البيضاء، وبعد ساعة بالقطار وصلت إلى الرباط حيث كان في انتظاري طبيب آخر ذاع صيته لمساندته تشريع الإجهاض في المغرب هو البروفسور شفيق الشرايبي الذي ينشط منذ عشرين سنة لتشريع الإجهاض في المغرب في حالات خاصة، ولأجل ذلك أنشأ الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، التي يترأسها.
في مكتبه بمصلحة الولادة بمستشفى الليمون، وفي أقل من نصف ساعة ثلاث فتيات جئن لتستشيره للإجهاض.
الأولى لتطلب منه هل يمكنها أخذ دواء "إيتوتاك"، الثانية تسأله هل هنالك خطورة على حياتها لأن حملها في شهره الثالث، والثالثة فتاة في الثامنة عشر من عمرها اغتصبت قبل يومين، جاءت برفقة أمها تبحث عن شهادة طبيب يثبت اغتصابها لتقديمها للشرطة.
علامات البؤس والفقر بادية على وجهي الأم وابنتها لكنهما وجدتا الشجاعة لإظهار كيس يحملانه، قالت الأم للطبيب بأنه "دليل شرف ابنتها" فيه ملابسها الداخلية وعليها مني مغتصبها.
"كيف احتفظ بهذا الطفل وهو يذكرني كل يوم بالذي اغتصبني وأخذ مني أغلى شيء شرفي"
سألتها إن كانت ستحتفظ بالطفل إن كانت حاملا، والدموع تملأ عينيها أجابتني "كيف احتفظ به وهو يذكرني كل يوم بمن اغتصبني وأخذ مني أغلى شيء شرفي".
لتضيف الأم "أين سأجد المال لإجهاضها، لا نملك حتى المال لتكليف محام للدفاع عنا ليس لنا أحد سوى الله".
"هذه واحدة من المسائل التي تجعلني أطالب بضرورة تشريع الإجهاض في المغرب، يجب عدم إخفاء الحقيقة، فالإجهاض موجود وسيبقى موجودا بالمغرب، فعشرات حالات الاغتصاب تحدث شهريا، كما أن المملكة تحولت إلى وجهة للسياحة الجنسية، فكثير من النساء يبعن أجسادهن لكسب قوتهن، لذلك فعلى السلطات تشريعه جزئيا لتستطيع التحكم فيه".
وبنبرة امتزجت فيها العصبية بالاستغراب أضاف البروفسور"السلطات المغربية على علم بكل ما يحدث، ولكنها تترك الأمور على حالها وفي حال حصلت تعقيدات في العملية أو شكا والد الطفل الطبيب وشريكته، تتدخل هنا السلطات لتحقق وتسجن وتحاكم"، "الوضع الذي نحن فيه يخدم كل الأطراف، السلطات لا تريد أن يتحول المجتمع المغربي بكامله إلى أولاد زنا ومحارم لذلك تترك كل واحدة تتخلص من "ابن العار" بالطريقة المتاحة أمامها، الأطباء حولوا العملية إلى تجارة مربحة تدر عليهم الملايين شهريا، فكثير منهم يقوم بالعملية رغم أنه طبيب عام غير متخصص في طب النساء، يقومون بتسع إلى عشر عمليات في اليوم، أحيانا في أقبية العيادات والفيلات، وكأننا في حظيرة للماشية، ما الذي تنتظره السلطات لتتحرك"
[caption id="attachment_4893" align="aligncenter" width="668"]

وبعيدا عن قضايا الاغتصاب والهرب من مطاردة المجتمع توجد نساء يلجأن إلى الإجهاض عن قناعة أو لظروف اقتصادية، كنوال، شابة جامعية في الخامسة والعشرين من عمرها، تدرس في كلية الصحافة، سيجارة باليد، لباس ضيق وماكياج خفيف تتحدث عن الجنس والإجهاض من دون أي عقدة ولا إشكالية... هي واحدة من الصور الأخرى للجيل الجديد في المغرب.
تدافع عن حقوق المرأة والمساواة، تنشط في حزب سياسي، وبكل ثقة وإصرار تقول "كانت عندي مشاريع أهم في حياتي، من أن أربي طفلا من علاقة كنت استمتع خلالها فقط مع صديقي، الذي جعلني حاملا لأنه أراد أن يثبت لي رجولته لا غير، لم يكن الأمر متعلق بعائلتي وسمعتنا".
"لا عقدة لي من الرجال اليوم، ولو حملت ثانية سأجهض مرة أخرى عند الطبيب، مستقبلي أراه صحافية في التلفزيون أو الراديو، لتقديم برامج اجتماعية وسياسية تفضح ما يحدث في المجتمع المغربي وتحايل السلطات".
تركت المغرب وفي مخيلتي صور عشرات النساء اللواتي يجهضن يوميا، كثيرة هي الأسئلة التي راودتني...
فكيف لأطباء ومشعوذين وقابلات استغلال بؤس البعض بأعمال توصل الكثير منهم يوميا إلى القبر؟ما دور العائلة في كل هذا؟ وإلى متى ستظل هذه السوق مزدهرة في مجتمع محافظ كالمغرب؟ .

أسئلة يظل الجدال حولها حادا بالمغرب حتى يقرر الإسلاميون الذين في السلطة اليوم تشريع ظاهرة صارت جزءا من يوميات المغاربة.
المصدر:
http://www.france24.com/static/infographies/djehouti/maroc_avorter/v3/AR/11---P1-Accroc-AR.html