في ظل خلافات وجدل مستمر مع القادة الأوروبيين، يعمل الرئيس التركي رجب طيب أردوجان، الذي يبحث عن تعزيز سلطاته، على تحقيق تقارب مع كلا من الممل...
في ظل خلافات وجدل مستمر مع القادة الأوروبيين، يعمل الرئيس التركي رجب طيب أردوجان، الذي يبحث عن تعزيز سلطاته، على تحقيق تقارب مع كلا من المملكة السعودية وروسيا، وتشير عملية إعادة هيكلة السياسة الخارجية التي تقوم بها أنقرة إلى الوضع الدقيق لتركيا في محيطها الإقليمي، فالعهد الذي كانت تبدو فيه كأحد أكبر المستفيدين من "الربيع العربي"، يبدو أنه قد ولى وأنتهى.
ومنذ عام 2014، ما فتئت تركيا، برئاسة أردوجان، تحاول إعادة تعديل سياستها الخارجية، في ضوء تطورات النزاع السوري، وأيضاً في ضوء أوضاعها الداخلية، ففي زمن أحداث "الربيع العربي" سنة 2011 وما بعدها، كانت التجربة الفريدة لحزب العدالة والتنمية، وهو حزب ذو مرجعية إسلامية محافظة، أعيد إنتخابه دورياً للسلطة منذ الإنتخابات التشريعية لسنة 2002، تمثل نموذجاً ديموقراطياً بالنسبة للمنطقة، وسياسة حسن الجوار التي أنتهجها وزير الخارجية، أحمد داوود أوغلو، وديناميكية إقتصاد صاعد، قد أسهما في إعطاء صورة إيجابية عن هذا البلد في الشرق الأوسط، لكن السياسة الغامضة وغير الواضحة لأنقرة إزاء الحركات الجهادية المنخرطة في الأزمة السورية، وقربها من الحكومات الإسلامية، المنبثقة عن عمليات الإنتقال السياسي الجارية، والتي تواجه رفضاً في كل من مصر وتونس، ثم أخيراً القمع العنيف في ربيع 2013 للمظاهرات الشعبية الناجمة عن الإعتراض على هدم حديقة "جيزي" بأسطنبول، كلها عوامل ألحقت الضرر بصورة النظام التركي.
[caption id="attachment_4932" align="aligncenter" width="810"] الرئيس أردوغان[/caption]
وبداية من عام 2015، وجدت تركيا نفسها في مواجهة تدخل مباشر من روسيا في النزاع السوري، في وقت كانت فيه قوات حزب الإتحاد الديموقراطي الكردستاني (PYD)، وهو تنظيم كردي سوري مرتبط بحزب العمال الكردستاني (PKK)، قد بدأت، بدعم من الغربيين، تحتل مكانة بارزة كمعارضة قوية لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، كما أن تكرر الإعتداءات والتفجيرات، التي يقف ورائها جهاديون وأكراد على الأراضي التركية، يبدو اليوم وكأنه الثمن الذي تدفعه أنقرة لسياساتها المتهورة على حدودها الجنوبية، وإنكارها لتطلعات السكان الأكراد في تركيا.
كل هذه العوامل، تدفع تركيا إلى إعادة النظر في موقعها الدبلوماسي والجيوإستراتيجي، ويأتي ذلك في ظل ظروف تحول داخلي يشهد محاولة أردوجان تعزيز صلاحياته وسلطته الرئاسيتين، فالدبلوماسية التركية الجديدة، التي يصفها رئيس الوزراء بن علي يلدريم، بسياسة "أصدقاء أكثر من الأعداء" (1)، ترمي إلى إنتهاج مسلكية براجماتية، إلا أن هذه الدبلوماسية تظل محل غموض وتشكيك، في وقت ينذر فيه وصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة بمزيد من تحطيم التوازنات الهشة في المنطقة.
[caption id="attachment_5190" align="aligncenter" width="789"]
أردوغان يقلد الملك السعودي وسام تركيا[/caption]
هذا التغيير على مستوى الدبلوماسية يقتضي تقارباً مع المملكة العربية السعودية وتباعداً مع إيران، وقد برزت أولى المؤشرات الواضحة والجلية على ذلك في يناير 2015، عندما قطع أردوجان جولة أفريقية ليحضر مراسم جنازة الملك عبد الله بالرياض، مع إعلان يوم حداد وطني، هذا التحول، الذي لقى إنتقاداً في بلاده، لاسيما من قبل المعارضة العلمانية، ومن قبل حزب الشعوب الديموقراطي (HDP2)، قد تأكد في الفترة اللاحقة، ففي ربيع 2015، قدم الرئيس التركي دعماً قوياً للتدخل العسكري السعودي في اليمن، بإتهام إيران بالسعي إلى "الهيمنة" على الشرق الأوسط (3)، وفي يناير 2016، ولدى عودته من رحلة إلى المملكة السعودية، رفض أردوجان إدانة إعدام المعارض الشيعي، نمر باقر النمر، من قبل السلطات السعودية، وهي عملية إعدام ترتب عليها قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران.
هذا التقرب التركي من السعودية يثير الإستغراب، لاسيما وأن الحكومة التركية لم تكن في ذلك الوقت، مسانده لمنطق المواجهة بين الشيعة والسنة، ففي مارس 2011، إنتقدت تركيا تدخل قوات مجلس التعاون الخليجي في البحرين لمساعدة السلطات في مواجهة الإحتجاجات التي يقوم بها أساساً الشيعة، وبعد ذلك التاريخ بقليل، وخلال زيارة للعراق، صنع أردوجان الحدث والمفاجأة بالذهاب للصلاة في مدينة النجف في مقام الإمام علي، وهو المقام الذي يجله الشيعة، ووجه تحذيراً للعالم الإسلامي من مخاطر الإنقسامات المذهبية.
لكن عملية إعادة التموضع التركي إزاء النزاع السعودي الإيراني المتصاعد لا تفسرها أسباب ودواع مذهبية فحسب، بل هي ترمي أيضاً إلى دعم مسار عودة أنقرة كفاعل أساسي في الأزمة السورية، ذلك أن الأمر يتعلق أساساً بالدعم الذي يتعين تقديمه إلى جزء من القوات السورية المعارضة، والذي يمثل موضوع حوار بين القادة الأتراك والسعوديين خلال لقاءاتهم، ويأتي ذلك في الوقت ذاته الذي يحاول فيه الأتراك إقناع الأمريكيين بتقديم مزيد من الدعم للجيش السوري الحر الذي يقاتل نظام الرئيس بشار الأسد منذ يوليو 2011، والذي يحاول التمايز عن القوات الجهادية التكفيرية (4).
ومن أجل إضفاء قدر أكبر من المصداقية على مسار تعديل دبلوماسيتها، يتعين أيضاً على الحكومة التركية التخلص من الصورة غير الإيجابية كحليف لـ"تنظيم الدولة الإسلامية"، وهي صورة لصقت بها منذ حصار مدينة عين العرب (كوباني) السورية من قبل الجهاديين في سبتمبر 2014، وطيلة هذه المعركة، وفي حين كانت القوات الكردية التابعة لوحدات حماية الشعب (YPG) الجناح المسلح لحزب الإتحاد الديموقراطي الكردي (PYD) وحزب العمال الكردستاني (PKK) تدافعان عن المدينة بدعم من الطيران الغربي، كان الجيش التركي يرفض مرور هذه القوات، غير أنه، وبعد التفجير المنسوب إلى تنظيم "داعش" في مدينة "سوروك" الحدودية يوم 20 يوليو 2015، سمحت تركيا للتحالف الدولي بإستعمال قاعدة أنجرليك في حربه ضد قوات داعش، وإعادة النظر هذه في الدبلوماسية التركية تمثل نقطة الإنطلاق لمسار من شأنه أن يمكن الجيش التركي من تأكيد دوره، بإعتباره الخصم الأكثر حزماً لتنظيم "داعش".
[caption id="attachment_3930" align="aligncenter" width="1024"]
مظاهرات الأكراد في تركيا[/caption]
في البداية، كانت هناك صعوبة كبيرة في الإقناع بجدية تعديل مسار الدبلوماسية، لأن القوات التركية كانت غالباً ما توجه ضرباتها إلى قوات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق أو إلى حزب الإتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا (بداية من الخريف) أكثر مما تستهدف تنظيم "داعش"، إلا أن تركيا أصبحت مع نهاية 2015، وخاصة سنة 2016، أحد الأهداف الأولى لضربات "داعش"، وقد أدى بها ذلك إلى التحرك على المستوى الداخلي، من خلال تفكيك مكثف للشبكات الجهادية من قبل الشرطة، وأيضاً على المستوى الخارجي، وقد أعطت أشهر من عمليات القصف المتقطع بقذائف الكاتيوشا من قبل قوات "داعش" على مقاطعة "كيليس" التركية الحدودية، أنقرة في بداية مايو 2016، الذريعة للقيام بأول إقتحام لمدرعاتها للأراضي السورية.
وقد أخذت هذه المسألة أبعاداً أكبر، عندما تجاوز الجيش التركي مجدداً الحدود في 24 أغسطس 2016، بمناسبة عملية "درع الفرات"، في مسعى لمساعدة المعارضين العرب السوريين الذين يدربهم منذ السنة السابقة، وسيطر على مدينة "طرابلس" على الضفة الغربية للنهر، في هذه المرة، يمكن القول أن الحرب قد أعلنت على تنظيم داعش، ولكن هذه الصورة المناهضة للمتطرفين الإسلاميين التي أتخذتها تركيا لا تزال تواجه صعوبة في إقناع الآخرين بها، لأن الهدف الرئيسي من هذا الغزو، بقدر ما كان مقاتلة داعش، فإنه مثل كذلك محاولة للحيلولة دون إلتقاء القوات الكردية المتواجدة في مدينة منبج (في الشرق) وتلك المتمركزة في منطقة عفرين (في الغرب).
فتركيا، التي تعد منذ 2007 حليفاً للحكومة الإقليمية الكردية بشمال العراق، كانت قد أستقبلت بكثير من القلق ظهور منطقة كردية مماثلة في شمال سوريا باسم "روجافا" (وتعني حرفياً منطقة غرب كردستان)، على إعتبار أن هذه المنطقة هي تحت سيطرة الحزب الديموقراطي الكردستاني PYD، القريب من حزب العمل الكردستاني PKK، وقد زار صالح مسلم، القيادي بالحزب الديموقراطي الكردي، أنقرة بصورة غير رسمية مرتين خلال صيف 2013، حيث تحدث عن فتح مكتب تمثيل لمنظمته في أنقرة، وكانت إستراتيجية حزب العدالة والتنمية الحاكم تهدف وقتها إلى إدماج أكراد الداخل في المنظومة السياسية السورية، وإلى إتباع سياسة حسن الجوار مع أكراد الخارج، في العراق وحتى في سوريا، لكن تطورات الوضع السياسي الداخلي أدت إلى إعادة النظر في هذا المشروع، وحملت السلطة على تغيير مقاربتها للمسألة الكردية.
وفي ربيع 2013 تراجع مسار السلام مع حزب العمال الكردستاني إلى مرتبة ثانوية على المستوى السياسي بسبب الحركة الإحتجاجية بمنطقة "جيزي" وزاد هذا المسار لاحقاً تعثراً بالخصوص، بسبب إستحقاقات إنتخابية مكثفة سنة 2014 (الإنتخابات المحلية والرئاسية) وسنة 2015 (التشريعية)، وفي العراق وسوريا، حطمت هجمات تنظيم داعش، الخارطة، وكشفت عن غموض السياسة التركية، ففي ظل ظروف جديدة للتقارب مع حزب الإتحاد الديموقراطي الكردي PYD في فبراير 2015، وكان بإمكان تأمين القوات الكردية السورية عملية الإجلاء التي قام بها الجيش التركي المحاصر آنذاك من قبل داعش لمنطقة سليمان شاه، كان بالإمكان أن يتيح إستئناف الحوار.
ولكن في نفس الوقت، عمل أردوجان على قطع الطريق أمام محاولة إستئناف مسار السلام مع حزب العمال الكردستاني، والذي أطلقه رئيس وزرائه داوود أوغلو، وقد أدى النجاح الإنتخابي لحزب الشعوب الديموقراطي HDP في يونية 2015، والذي ضمن له تمثيلاً برلمانياً مريحاً، وحرم حزب العدالة والتنمية من إستعادة أغلبيته البرلمانية المطلقة، لإقناع الرئيس التركي بإتباع إستراتيجية حصار وإحتواء لبروز القوى الكردية، وعلى الرغم من أن حزب الشعوب الديموقراطي قد نجح في المحافظة على حضوره داخل البرلمان خلال الإنتخابات المبكرة لشهر نوفمبر 2015، فإنه كان موضع تهميش وقمع منظمين، وفي ظل ظروف عمليات القمع التي تبعت المحاولة الإنقلابية الفاشلة في 15 يوليو 2016، وجد عدد كبير من نواب هذا الحزب التقدمي، وخاصة رئيساه صلاح الدين داميرتاس والسيدة فيجان يوكساكداج، أنفسهما وراء القضبان، ومهددين بأحكام بالسجن مدى الحياة بتهمة "التواطؤ مع منظمة إرهابية".
[caption id="attachment_4931" align="aligncenter" width="815"]
أردوغان وبوتين في الكرملين[/caption]
أثار دعم الطيران الروسي المكثف لقوات النظام السوري وإيران في تحركاتها العسكرية في سوريا بالقرب من حدود تركيا الجنوبية، خشية وقلق أنقره، في وقت كان فيه حلفاؤها الغربيون، وبعضهم تلقى ضربات موجعة، مثل فرنسا، يتحدثون عن تقارب مع موسكو من أجل مقاومة الإرهاب الإسلامي (5)، وقد جاء إسقاط طائرة عسكرية روسية من طراز سوخوي 24 من قبل طائرات أف 16 تركية يوم 24 نوفمبر 2015، والدعم الذي تلقته أنقرة من واشنطن، جاءا ليكسر هذه العزلة المتزايدة، وقد دشن هذا الحادث فترة من التوتر مع روسيا دامت حوالي ستة أشهر.
ومما لاشك فيه، أن فداحة وخطورة الإنعكاسات الإقتصادية لهذا الخلاف، هي التي تفسر الحرص على التحرك سريعاً لتطبيع العلاقات، غير أن أحد أسباب التهدئة بين الجارين تمثلت في تدهور العلاقات بين أنقرة وإدارة باراك أوباما، فالأتراك يعيبون على الأمريكيين أنهم شطبوا إسم الحزب الديموقراطي الكردي من قائمة المنظمات الإرهابية، وجعلوا من الأكراد "شركاء مسئولين".
ومنذ نهاية يونيو 2016، أستغل الرئيس فلاديمير بوتين الفرصة، بأن أعلن قبوله "الإعتذارات" التي قدمتها له تركيا، وبعد 15يوماً من ذلك التاريخ، وإثر محاولة الإنقلاب، كان بوتين أول من أعلن دعمه لنظيره التركي، في المقابل، شاب موقف الحليف الأمريكي كثير من الإلتباس، إذ أبطأ في إعلان موقفه من محاولة الإنقلاب ورفض تسليم المعارض فتح الله جولن الذي أتهمه أردوجان بإنه العقل المدبر للإنقلاب، وقد صرح مولود تشاوش أوغلو، وزير الخارجية: "نشكر السلطات الروسية، وبالخصوص الرئيس بوتين، فقد قدمت لنا روسيا دعماً غير مشروط، خلافاً لبعض البلدان الآخرى" (6).
وفي أغسطس 2016، زار أردوجان موسكو من أجل تتويج هذه المصالحة، وقد كانت ذروة هذا التقارب في يناير 2017، عندما نظم الروس والأتراك، بعد أن نجحا في فرض وقف لإطلاق النار في حلب، بالتعاون مع إيران، مؤتمراً في أستانة عاصمة كازاخستان، وبذلك بدا لبعض الوقت أن تسوية الأزمة السورية، التي أضحت تحت قيادة حلف أورو آس، قد خرجت من يد الغربيين.
هذه العلاقة الروسية التركية، التي تم إصلاحها، تبدو، على الرغم من ذلك، أبعد ما تكون عن إعتبارها موثوق بها، ذلك أن مسار أستانه لم يمكّن من تجاوز التنافس التركي الإيراني، ولا الخلاف الروسي التركي، بشأن الأزمة السورية، وقد برز سريعاً أن موسكو تحرص في المقام الأول على إيجاد حل للنزاع، في حين أن أنقرة تنوي، في مرحلة أولى، الإقتصار على إحترام وقف إطلاق النار بين الفرقاء الرئيسيين، وإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أن روسيا قد أعطت موافقتها بخصوص عملية "درع الفرات"، فإن كامل إستراتيجيتها تتمثل مستقبلاً في منع تواصل التدخل التركي في شمال سوريا ومدينة الرقة، "العاصمة المعلنة لتنظيم داعش"، مبعدة بذلك خطر مواجهة تركية كردية (7).
[caption id="attachment_3931" align="aligncenter" width="890"]
الوضع الجيوسياسي لتركيا[/caption]
وبالتزامن مع ذلك، لم تفتأ الحكومة التركية تؤكد على تعاطفها مع التغيير الذي طرأ في الضفة الأخرى من الأطلسي (الولايات المتحدة)، لكن أولى الإتصالات مع دونالد ترامب، لم تفض إلى نتائج ملموسة في ما يتعلق بتسليم جولن وقطع العلاقات الأمريكية مع الحزب الديموقراطي الكردي، ومع إحتمال هجوم تركي على الرقة، حاولت أنقرة إقناع واشنطن بالتخلي عن الأكراد السوريين، وبأن تفضل عليهم المتمردين الذين تدعمهم، إلا أن حقبة السيطرة الصعبة على مدينة الباب (8) من قبل هؤلاء المتمردين، خاصة في ظل التلاقي في الجنوب بين قوات دمشق وقوات الحزب الديموقراطي الكردي المدعومة من قبل موسكو.
وأياً كان الأمر، فإن الولايات المتحدة تظل متعلقة بالدور الذي يمكن أن تلعبه القوات الديموقراطية السورية (تحالف بين الحزب الديموقراطي الكردي وقوى متمردة سورية أخرى "علمانية") خلال الهجوم النهائي على تنظيم داعش (9)، وفي ظل إحتمالات هذه المعركة، من المحتمل أن يعمل القادة الأمريكيين الجدد، على غرار سابقيهم، على التوفيق بين طموحات حلفائهم المتعارضة في بعض الأحيان (الأكراد، الأتراك، الجيش السوري الحر)، مع السعي لتجنب حدوث مواجهات بين القوات والنظام السوري المدعوم من روسيا.
ومن ناحيتها، وفي الوقت الذي تبدو فيه منظمة حلف شمال الأطلنطي مدعوة إلى تثبيت دورها إزاء التغيير السياسي في واشنطن، وفي الوقت الذي برزت فيه محدودية مسار أستانة، فإنه يصعب على تركيا أن تستمر في إستغلال علاقاتها مع روسيا من أجل الضغط على حليفها الأمريكي، مثلما قامت بذلك مع نهاية الفترة الرئاسية لأوباما، ويمكن لوفاق روسي أمريكي في سوريا، أن يدعم الإستقلال الذاتي للأكراد التابعين للحزب الديموقراطي الكردي، ولذلك فإن علاقة تركيا مع كلا من موسكو وواشنطن، هي أبعد ما تكون عن أن تمثل ورقة قوية، بل ويمكن أن تصبح، على المدى البعيد بالنسبة لأنقرة، عبئاً ثقيلاً لا تقدر على تحمله (10).
الهوامش:
جان ماركو
أستاذ بمعهد العلوم السياسية بجرونوبل (فرنسا) ومدير ماجستير البحر المتوسط والشرق الأوسط، وباحث مشارك بمعهد دراسات الأناضول بأسطنبول.
المصدر: لوموند ديبلوماتيك
الطبعة العربية ملحق الأهرام
ومنذ عام 2014، ما فتئت تركيا، برئاسة أردوجان، تحاول إعادة تعديل سياستها الخارجية، في ضوء تطورات النزاع السوري، وأيضاً في ضوء أوضاعها الداخلية، ففي زمن أحداث "الربيع العربي" سنة 2011 وما بعدها، كانت التجربة الفريدة لحزب العدالة والتنمية، وهو حزب ذو مرجعية إسلامية محافظة، أعيد إنتخابه دورياً للسلطة منذ الإنتخابات التشريعية لسنة 2002، تمثل نموذجاً ديموقراطياً بالنسبة للمنطقة، وسياسة حسن الجوار التي أنتهجها وزير الخارجية، أحمد داوود أوغلو، وديناميكية إقتصاد صاعد، قد أسهما في إعطاء صورة إيجابية عن هذا البلد في الشرق الأوسط، لكن السياسة الغامضة وغير الواضحة لأنقرة إزاء الحركات الجهادية المنخرطة في الأزمة السورية، وقربها من الحكومات الإسلامية، المنبثقة عن عمليات الإنتقال السياسي الجارية، والتي تواجه رفضاً في كل من مصر وتونس، ثم أخيراً القمع العنيف في ربيع 2013 للمظاهرات الشعبية الناجمة عن الإعتراض على هدم حديقة "جيزي" بأسطنبول، كلها عوامل ألحقت الضرر بصورة النظام التركي.
[caption id="attachment_4932" align="aligncenter" width="810"] الرئيس أردوغان[/caption]
وبداية من عام 2015، وجدت تركيا نفسها في مواجهة تدخل مباشر من روسيا في النزاع السوري، في وقت كانت فيه قوات حزب الإتحاد الديموقراطي الكردستاني (PYD)، وهو تنظيم كردي سوري مرتبط بحزب العمال الكردستاني (PKK)، قد بدأت، بدعم من الغربيين، تحتل مكانة بارزة كمعارضة قوية لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، كما أن تكرر الإعتداءات والتفجيرات، التي يقف ورائها جهاديون وأكراد على الأراضي التركية، يبدو اليوم وكأنه الثمن الذي تدفعه أنقرة لسياساتها المتهورة على حدودها الجنوبية، وإنكارها لتطلعات السكان الأكراد في تركيا.
كل هذه العوامل، تدفع تركيا إلى إعادة النظر في موقعها الدبلوماسي والجيوإستراتيجي، ويأتي ذلك في ظل ظروف تحول داخلي يشهد محاولة أردوجان تعزيز صلاحياته وسلطته الرئاسيتين، فالدبلوماسية التركية الجديدة، التي يصفها رئيس الوزراء بن علي يلدريم، بسياسة "أصدقاء أكثر من الأعداء" (1)، ترمي إلى إنتهاج مسلكية براجماتية، إلا أن هذه الدبلوماسية تظل محل غموض وتشكيك، في وقت ينذر فيه وصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة بمزيد من تحطيم التوازنات الهشة في المنطقة.
التقارب مع السعودية
[caption id="attachment_5190" align="aligncenter" width="789"]

هذا التغيير على مستوى الدبلوماسية يقتضي تقارباً مع المملكة العربية السعودية وتباعداً مع إيران، وقد برزت أولى المؤشرات الواضحة والجلية على ذلك في يناير 2015، عندما قطع أردوجان جولة أفريقية ليحضر مراسم جنازة الملك عبد الله بالرياض، مع إعلان يوم حداد وطني، هذا التحول، الذي لقى إنتقاداً في بلاده، لاسيما من قبل المعارضة العلمانية، ومن قبل حزب الشعوب الديموقراطي (HDP2)، قد تأكد في الفترة اللاحقة، ففي ربيع 2015، قدم الرئيس التركي دعماً قوياً للتدخل العسكري السعودي في اليمن، بإتهام إيران بالسعي إلى "الهيمنة" على الشرق الأوسط (3)، وفي يناير 2016، ولدى عودته من رحلة إلى المملكة السعودية، رفض أردوجان إدانة إعدام المعارض الشيعي، نمر باقر النمر، من قبل السلطات السعودية، وهي عملية إعدام ترتب عليها قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران.
هذا التقرب التركي من السعودية يثير الإستغراب، لاسيما وأن الحكومة التركية لم تكن في ذلك الوقت، مسانده لمنطق المواجهة بين الشيعة والسنة، ففي مارس 2011، إنتقدت تركيا تدخل قوات مجلس التعاون الخليجي في البحرين لمساعدة السلطات في مواجهة الإحتجاجات التي يقوم بها أساساً الشيعة، وبعد ذلك التاريخ بقليل، وخلال زيارة للعراق، صنع أردوجان الحدث والمفاجأة بالذهاب للصلاة في مدينة النجف في مقام الإمام علي، وهو المقام الذي يجله الشيعة، ووجه تحذيراً للعالم الإسلامي من مخاطر الإنقسامات المذهبية.
لكن عملية إعادة التموضع التركي إزاء النزاع السعودي الإيراني المتصاعد لا تفسرها أسباب ودواع مذهبية فحسب، بل هي ترمي أيضاً إلى دعم مسار عودة أنقرة كفاعل أساسي في الأزمة السورية، ذلك أن الأمر يتعلق أساساً بالدعم الذي يتعين تقديمه إلى جزء من القوات السورية المعارضة، والذي يمثل موضوع حوار بين القادة الأتراك والسعوديين خلال لقاءاتهم، ويأتي ذلك في الوقت ذاته الذي يحاول فيه الأتراك إقناع الأمريكيين بتقديم مزيد من الدعم للجيش السوري الحر الذي يقاتل نظام الرئيس بشار الأسد منذ يوليو 2011، والذي يحاول التمايز عن القوات الجهادية التكفيرية (4).
ومن أجل إضفاء قدر أكبر من المصداقية على مسار تعديل دبلوماسيتها، يتعين أيضاً على الحكومة التركية التخلص من الصورة غير الإيجابية كحليف لـ"تنظيم الدولة الإسلامية"، وهي صورة لصقت بها منذ حصار مدينة عين العرب (كوباني) السورية من قبل الجهاديين في سبتمبر 2014، وطيلة هذه المعركة، وفي حين كانت القوات الكردية التابعة لوحدات حماية الشعب (YPG) الجناح المسلح لحزب الإتحاد الديموقراطي الكردي (PYD) وحزب العمال الكردستاني (PKK) تدافعان عن المدينة بدعم من الطيران الغربي، كان الجيش التركي يرفض مرور هذه القوات، غير أنه، وبعد التفجير المنسوب إلى تنظيم "داعش" في مدينة "سوروك" الحدودية يوم 20 يوليو 2015، سمحت تركيا للتحالف الدولي بإستعمال قاعدة أنجرليك في حربه ضد قوات داعش، وإعادة النظر هذه في الدبلوماسية التركية تمثل نقطة الإنطلاق لمسار من شأنه أن يمكن الجيش التركي من تأكيد دوره، بإعتباره الخصم الأكثر حزماً لتنظيم "داعش".
النجاحات الكردية المقلقة
[caption id="attachment_3930" align="aligncenter" width="1024"]

في البداية، كانت هناك صعوبة كبيرة في الإقناع بجدية تعديل مسار الدبلوماسية، لأن القوات التركية كانت غالباً ما توجه ضرباتها إلى قوات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق أو إلى حزب الإتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا (بداية من الخريف) أكثر مما تستهدف تنظيم "داعش"، إلا أن تركيا أصبحت مع نهاية 2015، وخاصة سنة 2016، أحد الأهداف الأولى لضربات "داعش"، وقد أدى بها ذلك إلى التحرك على المستوى الداخلي، من خلال تفكيك مكثف للشبكات الجهادية من قبل الشرطة، وأيضاً على المستوى الخارجي، وقد أعطت أشهر من عمليات القصف المتقطع بقذائف الكاتيوشا من قبل قوات "داعش" على مقاطعة "كيليس" التركية الحدودية، أنقرة في بداية مايو 2016، الذريعة للقيام بأول إقتحام لمدرعاتها للأراضي السورية.
وقد أخذت هذه المسألة أبعاداً أكبر، عندما تجاوز الجيش التركي مجدداً الحدود في 24 أغسطس 2016، بمناسبة عملية "درع الفرات"، في مسعى لمساعدة المعارضين العرب السوريين الذين يدربهم منذ السنة السابقة، وسيطر على مدينة "طرابلس" على الضفة الغربية للنهر، في هذه المرة، يمكن القول أن الحرب قد أعلنت على تنظيم داعش، ولكن هذه الصورة المناهضة للمتطرفين الإسلاميين التي أتخذتها تركيا لا تزال تواجه صعوبة في إقناع الآخرين بها، لأن الهدف الرئيسي من هذا الغزو، بقدر ما كان مقاتلة داعش، فإنه مثل كذلك محاولة للحيلولة دون إلتقاء القوات الكردية المتواجدة في مدينة منبج (في الشرق) وتلك المتمركزة في منطقة عفرين (في الغرب).
فتركيا، التي تعد منذ 2007 حليفاً للحكومة الإقليمية الكردية بشمال العراق، كانت قد أستقبلت بكثير من القلق ظهور منطقة كردية مماثلة في شمال سوريا باسم "روجافا" (وتعني حرفياً منطقة غرب كردستان)، على إعتبار أن هذه المنطقة هي تحت سيطرة الحزب الديموقراطي الكردستاني PYD، القريب من حزب العمل الكردستاني PKK، وقد زار صالح مسلم، القيادي بالحزب الديموقراطي الكردي، أنقرة بصورة غير رسمية مرتين خلال صيف 2013، حيث تحدث عن فتح مكتب تمثيل لمنظمته في أنقرة، وكانت إستراتيجية حزب العدالة والتنمية الحاكم تهدف وقتها إلى إدماج أكراد الداخل في المنظومة السياسية السورية، وإلى إتباع سياسة حسن الجوار مع أكراد الخارج، في العراق وحتى في سوريا، لكن تطورات الوضع السياسي الداخلي أدت إلى إعادة النظر في هذا المشروع، وحملت السلطة على تغيير مقاربتها للمسألة الكردية.
وفي ربيع 2013 تراجع مسار السلام مع حزب العمال الكردستاني إلى مرتبة ثانوية على المستوى السياسي بسبب الحركة الإحتجاجية بمنطقة "جيزي" وزاد هذا المسار لاحقاً تعثراً بالخصوص، بسبب إستحقاقات إنتخابية مكثفة سنة 2014 (الإنتخابات المحلية والرئاسية) وسنة 2015 (التشريعية)، وفي العراق وسوريا، حطمت هجمات تنظيم داعش، الخارطة، وكشفت عن غموض السياسة التركية، ففي ظل ظروف جديدة للتقارب مع حزب الإتحاد الديموقراطي الكردي PYD في فبراير 2015، وكان بإمكان تأمين القوات الكردية السورية عملية الإجلاء التي قام بها الجيش التركي المحاصر آنذاك من قبل داعش لمنطقة سليمان شاه، كان بالإمكان أن يتيح إستئناف الحوار.
ولكن في نفس الوقت، عمل أردوجان على قطع الطريق أمام محاولة إستئناف مسار السلام مع حزب العمال الكردستاني، والذي أطلقه رئيس وزرائه داوود أوغلو، وقد أدى النجاح الإنتخابي لحزب الشعوب الديموقراطي HDP في يونية 2015، والذي ضمن له تمثيلاً برلمانياً مريحاً، وحرم حزب العدالة والتنمية من إستعادة أغلبيته البرلمانية المطلقة، لإقناع الرئيس التركي بإتباع إستراتيجية حصار وإحتواء لبروز القوى الكردية، وعلى الرغم من أن حزب الشعوب الديموقراطي قد نجح في المحافظة على حضوره داخل البرلمان خلال الإنتخابات المبكرة لشهر نوفمبر 2015، فإنه كان موضع تهميش وقمع منظمين، وفي ظل ظروف عمليات القمع التي تبعت المحاولة الإنقلابية الفاشلة في 15 يوليو 2016، وجد عدد كبير من نواب هذا الحزب التقدمي، وخاصة رئيساه صلاح الدين داميرتاس والسيدة فيجان يوكساكداج، أنفسهما وراء القضبان، ومهددين بأحكام بالسجن مدى الحياة بتهمة "التواطؤ مع منظمة إرهابية".
التقارب مع روسيا
[caption id="attachment_4931" align="aligncenter" width="815"]

أثار دعم الطيران الروسي المكثف لقوات النظام السوري وإيران في تحركاتها العسكرية في سوريا بالقرب من حدود تركيا الجنوبية، خشية وقلق أنقره، في وقت كان فيه حلفاؤها الغربيون، وبعضهم تلقى ضربات موجعة، مثل فرنسا، يتحدثون عن تقارب مع موسكو من أجل مقاومة الإرهاب الإسلامي (5)، وقد جاء إسقاط طائرة عسكرية روسية من طراز سوخوي 24 من قبل طائرات أف 16 تركية يوم 24 نوفمبر 2015، والدعم الذي تلقته أنقرة من واشنطن، جاءا ليكسر هذه العزلة المتزايدة، وقد دشن هذا الحادث فترة من التوتر مع روسيا دامت حوالي ستة أشهر.
ومما لاشك فيه، أن فداحة وخطورة الإنعكاسات الإقتصادية لهذا الخلاف، هي التي تفسر الحرص على التحرك سريعاً لتطبيع العلاقات، غير أن أحد أسباب التهدئة بين الجارين تمثلت في تدهور العلاقات بين أنقرة وإدارة باراك أوباما، فالأتراك يعيبون على الأمريكيين أنهم شطبوا إسم الحزب الديموقراطي الكردي من قائمة المنظمات الإرهابية، وجعلوا من الأكراد "شركاء مسئولين".
ومنذ نهاية يونيو 2016، أستغل الرئيس فلاديمير بوتين الفرصة، بأن أعلن قبوله "الإعتذارات" التي قدمتها له تركيا، وبعد 15يوماً من ذلك التاريخ، وإثر محاولة الإنقلاب، كان بوتين أول من أعلن دعمه لنظيره التركي، في المقابل، شاب موقف الحليف الأمريكي كثير من الإلتباس، إذ أبطأ في إعلان موقفه من محاولة الإنقلاب ورفض تسليم المعارض فتح الله جولن الذي أتهمه أردوجان بإنه العقل المدبر للإنقلاب، وقد صرح مولود تشاوش أوغلو، وزير الخارجية: "نشكر السلطات الروسية، وبالخصوص الرئيس بوتين، فقد قدمت لنا روسيا دعماً غير مشروط، خلافاً لبعض البلدان الآخرى" (6).
وفي أغسطس 2016، زار أردوجان موسكو من أجل تتويج هذه المصالحة، وقد كانت ذروة هذا التقارب في يناير 2017، عندما نظم الروس والأتراك، بعد أن نجحا في فرض وقف لإطلاق النار في حلب، بالتعاون مع إيران، مؤتمراً في أستانة عاصمة كازاخستان، وبذلك بدا لبعض الوقت أن تسوية الأزمة السورية، التي أضحت تحت قيادة حلف أورو آس، قد خرجت من يد الغربيين.
هذه العلاقة الروسية التركية، التي تم إصلاحها، تبدو، على الرغم من ذلك، أبعد ما تكون عن إعتبارها موثوق بها، ذلك أن مسار أستانه لم يمكّن من تجاوز التنافس التركي الإيراني، ولا الخلاف الروسي التركي، بشأن الأزمة السورية، وقد برز سريعاً أن موسكو تحرص في المقام الأول على إيجاد حل للنزاع، في حين أن أنقرة تنوي، في مرحلة أولى، الإقتصار على إحترام وقف إطلاق النار بين الفرقاء الرئيسيين، وإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أن روسيا قد أعطت موافقتها بخصوص عملية "درع الفرات"، فإن كامل إستراتيجيتها تتمثل مستقبلاً في منع تواصل التدخل التركي في شمال سوريا ومدينة الرقة، "العاصمة المعلنة لتنظيم داعش"، مبعدة بذلك خطر مواجهة تركية كردية (7).
[caption id="attachment_3931" align="aligncenter" width="890"]

وبالتزامن مع ذلك، لم تفتأ الحكومة التركية تؤكد على تعاطفها مع التغيير الذي طرأ في الضفة الأخرى من الأطلسي (الولايات المتحدة)، لكن أولى الإتصالات مع دونالد ترامب، لم تفض إلى نتائج ملموسة في ما يتعلق بتسليم جولن وقطع العلاقات الأمريكية مع الحزب الديموقراطي الكردي، ومع إحتمال هجوم تركي على الرقة، حاولت أنقرة إقناع واشنطن بالتخلي عن الأكراد السوريين، وبأن تفضل عليهم المتمردين الذين تدعمهم، إلا أن حقبة السيطرة الصعبة على مدينة الباب (8) من قبل هؤلاء المتمردين، خاصة في ظل التلاقي في الجنوب بين قوات دمشق وقوات الحزب الديموقراطي الكردي المدعومة من قبل موسكو.
وأياً كان الأمر، فإن الولايات المتحدة تظل متعلقة بالدور الذي يمكن أن تلعبه القوات الديموقراطية السورية (تحالف بين الحزب الديموقراطي الكردي وقوى متمردة سورية أخرى "علمانية") خلال الهجوم النهائي على تنظيم داعش (9)، وفي ظل إحتمالات هذه المعركة، من المحتمل أن يعمل القادة الأمريكيين الجدد، على غرار سابقيهم، على التوفيق بين طموحات حلفائهم المتعارضة في بعض الأحيان (الأكراد، الأتراك، الجيش السوري الحر)، مع السعي لتجنب حدوث مواجهات بين القوات والنظام السوري المدعوم من روسيا.
ومن ناحيتها، وفي الوقت الذي تبدو فيه منظمة حلف شمال الأطلنطي مدعوة إلى تثبيت دورها إزاء التغيير السياسي في واشنطن، وفي الوقت الذي برزت فيه محدودية مسار أستانة، فإنه يصعب على تركيا أن تستمر في إستغلال علاقاتها مع روسيا من أجل الضغط على حليفها الأمريكي، مثلما قامت بذلك مع نهاية الفترة الرئاسية لأوباما، ويمكن لوفاق روسي أمريكي في سوريا، أن يدعم الإستقلال الذاتي للأكراد التابعين للحزب الديموقراطي الكردي، ولذلك فإن علاقة تركيا مع كلا من موسكو وواشنطن، هي أبعد ما تكون عن أن تمثل ورقة قوية، بل ويمكن أن تصبح، على المدى البعيد بالنسبة لأنقرة، عبئاً ثقيلاً لا تقدر على تحمله (10).
الهوامش:
- سامي كوهين، "كيف نفهم سياسة "أصدقاء أكثر، أعداء أقل؟"، ميليات، 27مايو، 2016.
- صلاح الدين ديمرتاس، "الرجل الذي يعتبر نفسه سلطاناً"، لوموند دبلوماتيك، يوليو، 2016.
- محمد رضا جليلي وتييري كيلنر، "أنقرة وطهران، حلفاء أم متنافسون"، لوموند دبلوماتيك، يناير2017.
- بشير الخوري، "من هم المتمردون السوريون؟"، لوموند دبلوماتيك، ديسمبر، 2016.
- أجاك لوفاسك، "روسيا تلعب ورقتها الأخيرة في حلب"، لوموند دبلوماتيك، نوفمبر 2016.
- حوار مع القناة التلفزيونية "هابتورك"، 25 يوليو 2016.
- مراد ياتكين، "إستقلال ذاتي للأكراد في سوريا بأياد روسية؟"، حريات دايلي نيوز، أسطنبول، 4مارس 2017.
- سانجيز كاندار، "ما الذي سيحدث حقيقة في الباب السورية؟"، المونيتور، واشنطن، 21قبراير 2017.
- أمبرين زمان، "تركيا، الأكراد يشعرون بالثقة من تحركات البنتجاون القادمة في سوريا" المونيتور، 23 فبراير 2017.
- سانجيز كاندار، "أردوجان محاصر بين ترامب وبوتين في الحرب السورية"، المونيتور، فبراير 2017.
جان ماركو
أستاذ بمعهد العلوم السياسية بجرونوبل (فرنسا) ومدير ماجستير البحر المتوسط والشرق الأوسط، وباحث مشارك بمعهد دراسات الأناضول بأسطنبول.
المصدر: لوموند ديبلوماتيك
الطبعة العربية ملحق الأهرام