ماهو الواقع الإفتراضي الذي أصبح الجميع يتعامل معه على الإنترنت وأخيراً بنظارات التليفون المحمول. إنه تعمية للعين من خلال صور وأفلام تغطي الع...
ماهو الواقع الإفتراضي الذي أصبح الجميع يتعامل معه على الإنترنت وأخيراً بنظارات التليفون المحمول. إنه تعمية للعين من خلال صور وأفلام تغطي العين لجعل الإنسان يعتقد أنه يعيش في عالم أو حدث لايوجد في الواقع وعند نزع النظارة يعود للإنسان الى الحقيقة مثل النظارات المجسمة التي كانت تأتي مع الحجاج وبها صور للأماكن المقدسة أو مثل سلسلة أفلام ماتركس عندما يدخل بطل الفيلم للمصفوفة ووهم العالم المصنوع أو حتى وإن كنت لأتجاوز كما حدث في عملية صلب السيد المسيح والذي تم تعمية عيون معاصرين الحدث للإيمان بالصلب ولكنه لم يحدث كما يؤمن المسلمين.
[caption id="attachment_3310" align="aligncenter" width="838"]
نظارات الواقع الإفتراضي[/caption]
[caption id="attachment_3308" align="aligncenter" width="800"]
كيف يتم تعمية العين وما تراه من داخل النظارة[/caption]
من ينظر لمشهد الإعداد للإنتخابات الرئاسية المصرية يرى أن هناك تشكيل لهذا الواقع الإفتراضي لتعمية أعين الشعب في الإنتخابات المقبلة التي سيفوز بها عبد الفتاح السيسي بكل تأكيد.
بدأت عمليات التعمية والخداع في القديم عن طريق السحر، وقصة سحرة فرعون النموذج الأبرز لهذا الأسلوب عندما قاموا تعمية عيون المشاهدين وإيهامهم بتحول العصي والحبال الى ثعابين. لكن في العصر الحديث إنتقل السحر من تعمية العيون الى تعمية العقول بإضفاء صفات العصمة والبركات على الزعماؤ من خلال وسائل الإعلام والفكر لإيجاد صورة ذهنية بإحتياج الشعب للزعيم وبدونه ستنهار الدولة، رغم أن الزعماء يموتون أو يقتلون أو حتى يثور يثور عليهم الشعب ويسقطهم ولم نرى أي دولة إنهارت. وبعد أن يكون الشعب قد وصل الى الدرجة المطلوبة من غسيل المخ يتم تنظيم الإستفتاء فتظهر النتيجة المعروفة مقدماً والتي طالما سمعنا وقرأنا عنها 99.99%.
تغيرت وسائل التعمية وتطورت بالإنتقال من الإستفتاء على الرئيس الى الإنتخابات التنافسية بداية من إنتخابات حسنى مبارك في 2005 وكان لابد لها من منافسين وتم تشجيع أيمن نور رئيس حزب الغد ونعمان جمعة رئيس حزب الوفد. وتم إجراء العملية الإنتخابية ووقفت الدولة على الحياد أمام الشعب, فهناك مرشحين يتدحثون في وسائل الإعلام وبرامج إنتخابية
[caption id="attachment_3311" align="aligncenter" width="892"]
نعمان جمعة رئيس حزب الوفد ومرشح الرئاسة[/caption]
[caption id="attachment_3305" align="aligncenter" width="891"]
أيمن نور رئيس حزب الغد[/caption]
وصراعات فكرية وسخونة قد تصل الى المشاجرات والقتل والذهاب الى المقار الإنتخابية والإدلاء بالأصوات ولكي تتم الحبكة فالإنتخابات تحت إشراف القضاء الشامخ المستقل. لكن في الغرف المغلقة كان كل شئ معد فيتم التزويرو تغيير الصناديق داخل مقار الإنتخابات او في اللجان الرئيسية، ليفوز الرئيس بالمنصب وبألتكيد لن يكون 99.99% لكن بنسبة 70% لإعطاء أصوات للمرشحين الآخرين لزيادة الحبكة.
وبعد أن إنتهى المولد وتم إضفاء الزينات تم تصفية الحساب مع من صدق هذه الأكذوبة فتم تلفيق التهم لأيمن نور ليدخل السجن وتحريك معارضي نعمان للإنقلاب عليه في الصراع الذي أدى الى حرق مقر الحزب
[caption id="attachment_3304" align="aligncenter" width="616"]
أيمن نور في طريقه للمحاكمة[/caption]
[caption id="attachment_3307" align="aligncenter" width="657"]
حرق مقر حزب الوفد في الصراع الذي أدى الى إقالة نعمان جمعة من رئاسة الحزب[/caption]
كان هذا من الماضي، أما في العصر الحالي فإن التعمية أصبحت أكثر تقدماً وتطوراً، اصبحت في إعداد المسرح والأبطال لخداع الجماهير كما حدث في إنتخاب السيسي أول مرة.
ففي الوقت الذي كان عبد الفتاح السيسي يحاول إستعادة جماهيرية الجيش التي تاذت بسبب إخطاء المجلس العسكري في إدارة الفترة الإنتقالية، كانت تُعد حركة (تمرد) لتعبئة الشعب ضد تجاوزات وحماقات الإخوان المسلمين وساهمت الدولة العميقة في أداء دور زيادة إمتعاض الفقراء من عجز النظام فشله في حل مشاكلهم كما في مشكلة الكهرباء والعيش وأنابيب البوتاجاز.
في ذلك الأثناء قام السيسي بدور الطيب في حين قام الآخرين بدور الشرير وعندما تأزمت الأمور ووصلت لدرجة المواجهة تدخل عبد الفتاح السيسي ليحنو على الشعب وينقذه من حرب أهلية فيصبح البطل الذي يصفق له الجمهور كأي فيلم من أفلام فريد شوقى. أو أفلام هوليود الذي دائما يستطيع البطل إبطال القنبلة أو إنقاذ القطار في آخر خمس ثوان.
(هذا السيناريو غير تخيلي ففي أحد الأفلام الشهيرة بطولة روبرتو دي نيرو وداستين هوفمان تم صياغة سيناريو للتدخل في أحد دول البلقان وأسم الفيلم "ذيل الكلب")
[caption id="attachment_3306" align="aligncenter" width="518"]
الفيلم عن إتفاق مخرج سينمائي ورجل تنفيذي من الرئاسة يقومان بإختلاق أحداث كاذبة في أحد الدول لتبرير التدخل الأمريكي بها[/caption]
هل هناك من يجرؤ أحد بعد كل هذا أن يترشح أمام البطل المنقذ وهل يتوقع أحد أن عبد الفتاح السيسي عند ترشحه سيخسر أمام أي منافس. وفي حالة تقدم أحد لإتقان الحبكة الدرامية ستكون النتيجة مخزية له كما حدث مع حمدين صباحي الذي حصل على أصوات أقل من اصوات الناخبين الذين أبطلوا اصواتهم.
في الإنتخابات القادمة سيتم إتباع نفس الاسلوب, فلابد من إيجاد سيناريو ليحظى عبد الفتاح السيسي بمنصب الرئيس بشعبية وتعاطف تضخ الدماء في شعبيته المحتضرة وتحاول أن تعيد صورة البطل الذي كان, وحتى لايكون الأمر مجرد إستحقاق للإنتخابات الرئاسية.
تم ترشح خالد علي وبالتأكيد هناك من يدعمه ويأمل في فوزه أو حتى لتحريك المياه الراكدة وهذا هو المطلوب ولكي يتم تسخين المشهد لابد من التعسف المحسوب ضد المناصرين والمؤيدين ليشعروا بالأهمية والإعتقاد أنهم أثاروا خوف الدولة. ودخل على الخط أحد العسكريين الغير معروفين وغير معروف الى أين سينتهى مصيره. وفي النهاية يدخل أحمد شفيق ساحة الإنتخابات للإستفادة من إسمه لإعطاء ثقل وشهرة دعائية للعملية الإنتخابية.
[caption id="attachment_3329" align="aligncenter" width="980"]
المرشح الوهمي في إنتخابات الرئاسة المصرية[/caption]
ينتج من هذا تعالي الأصوات في البرامج وتبادل الإتهامات ليلتفت الناس الى العملية الإنتخابية ولإيهامهم بجديتها ولكنها في النهاية جعجعة بلا طحين أو مثل البرامج الرياضية التى ستظل تحلل مجموعات كأس العالم والإحتمالات والطموحات للفرق وإقامة الإحتفالية وإعطاء أمل للجميع بالمنافسة المقبلة وذلك لزيادة أسهم البطولة وزيادة الإقبال عليها وتسويقها للعامة لجنى الأرباح وجميع يعلم أن البطولة الحقيقية تبدأ من دور الثمانية وترشيحات الفوز بكأس العالم محصورة دائما بين الخمس الكبار.
هل هذا الكلام هو تفريغ لحالة إحباط ودعوة لليأس وكسر المجاديف أو كما يقال (مفيش فايدة)، قد يكون هذا صحيحاً لمن يقرأ ظاهر الكلام ولكن الحقيقة هو منتهى التفاؤل، فكما يقول الأطباء ( التشخيص السليم هو 75% من العلاج) فلابد أن نرى الأمور في صورتها الحقيقية ولابد أن نختار أن نفكر بمنطقنا وليس كما يرغب الآخرين لنا أن نفكر ذلك لنعرف ماهو العلاج.
إن إنتخاب الرئيس في الدولة ذات النظام الرئاسي أو رئيس الحكومة في الدولة ذات النظام البرلماني, تختلف جملةً وتفصيلاً عن إنتخابات مجلس النواب في مصر ليس من جهة الشفافية وحرية الإقتراع ولكن من جهة الفكرة والمبدأ.
إن إنتخاب عضو البرلمان أو المحافظ أو غيرهم هو إنتخاب يقوم على إختيار الشخص, فيكون مكون شخصية المرشح عامل حاسم في إختياره, لأن هذا المرشح هو مجرد فرد في منظومة (مجلس النواب الحالي يزيد على 500 عضو) وإن كان يمكن أن يكون عضو مؤثر في المجلس ولكن تأثيره يظل حالة فردية مالم يتبنى الآخرون أرائه. كذلك إنتخاب المحافظ فهو جزء من منظومة الحكم المحلي وهو محكوم بحدود المحافظة وهناك محافظين يزيدون على 20 محافظ في الجمهورية.
الوضع يختلف بالنسبة لمنصب رئيس الجمهورية, فهناك رئيس جمهورية أو رئيس وزراء (الدول البرلمانية) واحد, وهناك صلاحيات مطلقة في الدستور المصري يملكها رئيس الجمهورية, لذلك لايمكن لشخصٍ ما مهما كانت صفاته الشخصية الحميدة أن يحوز على تأييد أغلبية الشعب ومن هنا كان من الإستحالة أن يكون هناك زعيم لثورة في التاريخ, فيمكن إجماع الشعب بكل تياراته وفئاته على رفض وضع سياسي إجتماعي أو حاكم ولكن لايمكن للشعب أن يتوافق على إنسان مهما بلغت صفاته الحميدة أن يقود ثورة ولكن الثورات تصنع الزعماء.
لذلك نجد في كل الدول الديمقراطية مرشحي الرئاسة أو مرشحى رئاسة الوزراء يقف خلفهم تكتل إقتصادي فكري إجتماعي. ففي أمريكا يوجد الحزب الجمهوري معبراً عن الطبقة البيضاء المتنفذة في الحياة الأمريكية, والحزب الديمقراطي يعبر عن الأقليات والأفكار الليبرالية والمهمشين, وطوال الحياة السياسية الأمريكية كان الرؤساء من هذين الحزبين. ويسعى كل المرشحين للحصول على تأييد أحد الحزبين رغم أن القانون الأمريكي يتيح الترشح الفردي وهو ماقام به المرشح (رالف نادر) في عدة إنتخابات كمرشح مستقل فلم يحز على نسبة معتبرة من أصوات الناخبين.
في إنجلترا حزب العمال يعبر الأفكار اليسارية وحزب المحافظين يعبر عن طبقة الأغنياء. في ألمانيا هناك أحزاب اليمين وأحزاب اليسار وكل منهم يعبر عن أفكار وطموحات ومصالح طبقات أو مناطق في المجتمع ودخل الساحة السياسية مؤخراً حزب الخضر المعبر عن فكر الإهتمام بالبيئة.
في فرنسا عقل أوربا هناك تنوع وتعدد في الأحزاب والتوجهات الفكرية بسبب أن فرنسا يعتقد كل فرد فيها أنه فيلسوف, فهناك طيف متنوع ممتد من أقصى اليمين والى أقصى اليسار يجعلها الأكثر حساسية وإستجابة للتغيرات الإجتماعية وتطورها كما حدث في ثورة الطلبة عام 1968.
لكل هذه الأسباب نجد أن كل مرشح في هذه الدول يدعمة تكتل من مجموعة من الأحزاب يكون معبراً عنها ومدافعاً عن رؤيتها في قيادة البلاد.
وليس إستثناء حالة الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون وهو الرئيس الثامن للجمهورية الفرنسية الخامسة. وسياسي ومصرفي استثماري سابق، أصبح ماكرون مفتشًا ماليًا قبل أن يبدأ في العمل كمصرفي .
انضم بين 2006 و2009 للحزب الاشتراكي، ثم عين في 2012 نائبًا للأمين العام لرئاسة الجمهورية الفرنسية لدى الرئيس فرانسوا أولاند، ثم وزيرًا للاقتصاد والصناعة والاقتصاد الرقمي في حكومة مانويل فالس الثانية.
في أبريل2016، أسس حزب (إلى الأمام (ذو التوجهات الوسطية. ثم في 16نوفمبر أعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017 .انتقل للجولة الثانية من الانتخابات بعد مجيئه في المرتبة الأولى بفارق صغير عن مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبن. حصل على دعم كل من مرشح حزب الجمهوريون اليميني فرنسوا فيون ومرشح الحزب الاشتراكي اليساري بونوا أمون. وفاز في الأنتخابات في 7 مايو 2017 بعد فوزه على ماري لوبن بنسبة 66.06 في الانتخابات الرئاسية. وتولى رسمياً في 14 مايو 2017 سلطاته الدستورية رئيساً للجمهورية الفرنسية.(المعلومات من موقع ويكيبديا)
يتضح من مسيرة الرئيس الفرنسي الحالي أنه عندما قرر أن يرشح نفسه لمنصب الرئاسة لم يترشح بصفته الشخصية ولكن شكل حزب جديد يعبر عن فكر جديد مختلف عن السائد في ذلك الوقت في فرنسا وكتلة إجتماعية جديدة تشكلت متأثرة بالتغيرات الفكرية والروح الشابة التى أثارتها ثورات الربيع العربي. ورغم هذا إحتاج الى دعم الكتل المختلفة لإسقاط مرشحة اليمين المتطرف.
[caption id="attachment_3316" align="aligncenter" width="1000"]
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون[/caption]
وبالنظر الى التجربة الوليدة في مصر التي بدأت بعد ثورة 25 يناير, سيتضح لنا جلياً الى أين يجب علينا النظر ومن أين نبدأ إذا أردنا أن نصل الى نهاية الطريق. فبعد محاولة المجلس العسكري التخلص من الرأس للمحافظة على النظام, حاول رئيس المجلس العسكري خلع البدلة العسكرية والنزول الى الشارع بالبدلة المدنية ومقابلة المواطنين على أمل تقديم نفسه كبديل مقبول للشعب ( كما فعل عبد الفتاح السيسي بعد ذلك) لكن المحاولة لم تكلل بالنجاح لأن الزمن قد تخطى المرحلة بأكملها ورموزها.
[caption id="attachment_3318" align="aligncenter" width="450"]
صورة حسين طنطاوي بالبدلة المدنية في وسط البلد[/caption]
[caption id="attachment_3319" align="aligncenter" width="636"]
لقاء حسين طنطاوي مع المواطنين[/caption]
مع الضغوط الشعبية والشبابية في مقدمتها تم تسليم السلطة للمدنيين, وبدأت أول إنتخابات حرة نزيهة بين مرشحين متعددين لمنصب الرئاسة. ولأول مرة وتقليداً للمناظرات التى تقام في الدول الديمقراطية. كانت هناك مناظرة بين عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى والذي إعتقد الكثيرين أنهما فرسى الرهان لمميزاتهم الشخصية. فالدكتور أبو الفتوح إنشق على الإخوان وله موقف في مواجهة أنور السادات ويرأس منظمة للعمل التطوعي, وعمرو موسى وزير خارجية سابق تم إقالته بسبب شعبيته التى تغنى بها المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم وأصبح أمين عام جامعة الدول العربية. وبالمقارنة بالمشرحين الآخرين لايوجد أفضل منهما.
[caption id="attachment_3322" align="aligncenter" width="699"]
صور مناظرة عبد المنعم ابو الفتوح وعمرو موسى[/caption]

وعند إعلان نتائج الجولة الإنتخابية الأولى كانت الصدمة التى أوضحت الحقيقة بأن عدد الأصوات التى حصل عليها كل منهما جعلتهما في المراكز الأخيرة وأن المراكز الأولى كانت بين المرشح أحمد شفيق والمرشح محمد مرسي ويأتي بعدهما المرشح حمدين صباحي. وعند قراءة هذه النتيجة تتضح صدق النظرية, فالمرشح أحمد شفيق تكتل خلفه قواعد النظام القديم الإجتماعية والإقتصادية على أمل المحافظة على مصالحها وهى نفس الكتل التي دعمت وصول عبد الفتاح السيسي بعد ذلك الى القصر الرئاسي. والمرشح محمد مرسي تكتلت خلفه الكتلة الإسلامية معبرة ومدافعة عن أفكارها ووجودها ومنتهزة فرصة الفراغ الحادث لتحقيق حلمها الذي إستمر 70 عاماً. وبالنسبة لحمدين صباحي فقد كان يعبر علن قطاع من الشعب تم تجاهله من كلا المرشحين الأولين في خضم التنافس المحموم بين الكتلتين وهو قطاع الفقراء والمهمشين الذين يكافحون من أجل لقمة العيش.
هنا كان وقع الصدمة على قوى المجتمع الجديد وعلى الشباب الذي فوجئ أنه مخير بين مرشحين أحلاهما مر فكان لابد من إختيار أخف الأضرار والإتفاق مع مرشح القوى الإسلامية محمد مرسي في ما عرف بإتفاق فيرمونت ليس حباً في محمد مرسى ولكن كرهاً في أحمد شفيق وقطع الطريق على قوى النظام القديم أن تعود أو هذا ماكانوا يأملون.
وعند إجراء الإنتخابات السابقة فاز عبد الفتاح السيسي بشبة إجماع ولم يستطيع حمدين صباحي المحافظة على مؤيديه السابقين لأن في هذه الإنتخابات تم الترويج للسيسى بأنه خليفة جمال عبد الناصر. ومن جهة آخرى قاطع تحالف القوى الإسلامية الإنتخابات فلم يصوت أحد لحمدين صباحي نكاية في عبد الفتاح السيسي.
يتضح من الأمثلة السابقة أن المرشح لمنصب الرئيس أو منصب رئيس الوزراء ماهو إلا واجهة لتحالفات إجتماعية فكرية وإقتصادية. وأن كل من يريد الفوز أو حتى المنافسه عليه أن يبحث أو يشكل له قاعدة إجتماعية فكرية إقتصادية يعبر عنها وتدعمه. وأن الإنتخابات على هذين المنصبين تحسم قبل التوجه الى لجان الإنتخابات. وليسأل كل ناخب نفسه حتى لو ترشح مائة مرشح أمام السيسي في أي إنتخابات قادمة أمام السيسي, هل سيخسر عبد الفتاح السيسي, ماهو المرشح الذي تدعمه قاعدة إجتماعية أو تحالف فكري أو إقتصادي. من يقف خلف المرشح خالد على ومن يمثل ولماذا سينتخبه المواطن العادي. هل يعبر خالد على عن قوى الثورة. فيثار عندها سؤال: وماهى قوى الثورة فكرياً وإجتماعياً وإقتصادياً، هل إستطاعت هذه القوى الثورية أن تتحول من الحالة السائلة التى يستغلها الجميع أن تبلور لها شخصية على أرض الواقع, هل أصبح لها كيان مادي يستطيع أن يدافع عن نفسه ويقف خلف مرشحها للحفاظ على وجودها ومصالحها.
[mks_pullquote align="right" width="700" size="16" bg_color="#000000" txt_color="#ffffff"]
إذا أردنا التغيير لابد أن نبدأ التغيير من أسفل لابد أن يكون هناك تيارات إجتماعية إقتصادية لها توجهات فكرية ومجموعات ضغط لكي تتشكل الحياة الديمقراطية التي تفرز أحزاب وقوى سياسية وبدائل في الخيارات الإستراتيجية لكي يختار من بينها الشعب.[/mks_pullquote]
هنا يتضح طرف الخيط وبداية الطريق, فلابد أن نفرق بين الإنتخابات الديمقراطية والحياة الديمقراطية. فلكي يكون هناك إنتخابات ديمقراطية أي إختيار بين البدائل فلابد أن يكون هناك بدائل من الأساس. تماما مثل الخلط في كثير من الأولويات كأن يقال لابد من وجود حرية رأي لكن هذا يتطلب أن يكون هناك رأي أو أراء أولاً وإلا أصبحت الأمور فوضى, فلايمكن بناء مبنى ونبدأ ببناء الدور العاشر قبل وضع الأساس.
لذلك إذا أردنا التغيير لابد أن نبدأ التغيير من أسفل لابد أن يكون هناك تيارات إجتماعية إقتصادية لها توجهات فكرية ومجموعات ضغط لكي تتشكل الحياة الديمقراطية التي تفرز أحزاب وقوى سياسية وبدائل في الخيارات الإستراتيجية لكي يختار من بينها الشعب.
هذا يتطلب أن يتغير الشعب من مجرد متلقى بين بدائل تطرح عليه الى فاعل مفكر يأخذ زمام المبادرة ويبتعد عن السلبية كما حدث في ثورة 25 يناير, وهذا ماتحاول قوى النظام القديم جاهدة أن لايتكرر, فهى تحارب كل المحاولات التي يقوم بها البعض لتحريك الماء الراكد العقلي والإجتماعي لمعرفتهم الأكيدة أن بداية الغيث قطرة ويتضح هذا من تسفيه كل الأفكار الشابة ومحاولة إعادة تشكيل عقل الشباب في مؤتمراتهم على هواهم وفي المقدمة ترسيخ عقدة التدني والتقليد واليأس من الإبداع فيتشكل قطيع من الخراف مرة ثانية وهذه النتيجة هى مايسعوا إليه لمعرفتهم الأكيدة أنهم لايمتلكوا فكراً يستطيعوا إقناع الشعب به أو أدوات ليستطيعوا التحكم فيه.
[caption id="attachment_3309" align="aligncenter" width="690"]
ثورة 25 يناير[/caption]
على المجتمع أن يستعيد الثقة بالنفس وبالغير ويطالب بحقوقه ويعتد برأيه, فإذا كان من المفروض على الشعب الإنتاج والتصدير ومنافسة الشعوب الآخرى الديمقراطية, فيجب أن تُحترم ذاته ويطالب الدولة بإحترامه, كما تُحترم ذوات الشعوب التى يراد منه منافستها إقتصاديا وإجتماعياً.
حتى يتحقق ذلك ستظل الإنتخابات مجرد واقع إفتراضي نعيش فيه لفترة ونعتقد جميعا مخادعين أنفسنا أننا نمارس الحرية والديمقراطية لنكتشف بعد ذلك أن كل هذا كان وهماً وسراب.
المهندس حازم الأشهب
[caption id="attachment_3310" align="aligncenter" width="838"]

[caption id="attachment_3308" align="aligncenter" width="800"]

من ينظر لمشهد الإعداد للإنتخابات الرئاسية المصرية يرى أن هناك تشكيل لهذا الواقع الإفتراضي لتعمية أعين الشعب في الإنتخابات المقبلة التي سيفوز بها عبد الفتاح السيسي بكل تأكيد.
بدأت عمليات التعمية والخداع في القديم عن طريق السحر، وقصة سحرة فرعون النموذج الأبرز لهذا الأسلوب عندما قاموا تعمية عيون المشاهدين وإيهامهم بتحول العصي والحبال الى ثعابين. لكن في العصر الحديث إنتقل السحر من تعمية العيون الى تعمية العقول بإضفاء صفات العصمة والبركات على الزعماؤ من خلال وسائل الإعلام والفكر لإيجاد صورة ذهنية بإحتياج الشعب للزعيم وبدونه ستنهار الدولة، رغم أن الزعماء يموتون أو يقتلون أو حتى يثور يثور عليهم الشعب ويسقطهم ولم نرى أي دولة إنهارت. وبعد أن يكون الشعب قد وصل الى الدرجة المطلوبة من غسيل المخ يتم تنظيم الإستفتاء فتظهر النتيجة المعروفة مقدماً والتي طالما سمعنا وقرأنا عنها 99.99%.
تغيرت وسائل التعمية وتطورت بالإنتقال من الإستفتاء على الرئيس الى الإنتخابات التنافسية بداية من إنتخابات حسنى مبارك في 2005 وكان لابد لها من منافسين وتم تشجيع أيمن نور رئيس حزب الغد ونعمان جمعة رئيس حزب الوفد. وتم إجراء العملية الإنتخابية ووقفت الدولة على الحياد أمام الشعب, فهناك مرشحين يتدحثون في وسائل الإعلام وبرامج إنتخابية
[caption id="attachment_3311" align="aligncenter" width="892"]

[caption id="attachment_3305" align="aligncenter" width="891"]

وصراعات فكرية وسخونة قد تصل الى المشاجرات والقتل والذهاب الى المقار الإنتخابية والإدلاء بالأصوات ولكي تتم الحبكة فالإنتخابات تحت إشراف القضاء الشامخ المستقل. لكن في الغرف المغلقة كان كل شئ معد فيتم التزويرو تغيير الصناديق داخل مقار الإنتخابات او في اللجان الرئيسية، ليفوز الرئيس بالمنصب وبألتكيد لن يكون 99.99% لكن بنسبة 70% لإعطاء أصوات للمرشحين الآخرين لزيادة الحبكة.
وبعد أن إنتهى المولد وتم إضفاء الزينات تم تصفية الحساب مع من صدق هذه الأكذوبة فتم تلفيق التهم لأيمن نور ليدخل السجن وتحريك معارضي نعمان للإنقلاب عليه في الصراع الذي أدى الى حرق مقر الحزب
[caption id="attachment_3304" align="aligncenter" width="616"]

[caption id="attachment_3307" align="aligncenter" width="657"]

كان هذا من الماضي، أما في العصر الحالي فإن التعمية أصبحت أكثر تقدماً وتطوراً، اصبحت في إعداد المسرح والأبطال لخداع الجماهير كما حدث في إنتخاب السيسي أول مرة.
ففي الوقت الذي كان عبد الفتاح السيسي يحاول إستعادة جماهيرية الجيش التي تاذت بسبب إخطاء المجلس العسكري في إدارة الفترة الإنتقالية، كانت تُعد حركة (تمرد) لتعبئة الشعب ضد تجاوزات وحماقات الإخوان المسلمين وساهمت الدولة العميقة في أداء دور زيادة إمتعاض الفقراء من عجز النظام فشله في حل مشاكلهم كما في مشكلة الكهرباء والعيش وأنابيب البوتاجاز.
في ذلك الأثناء قام السيسي بدور الطيب في حين قام الآخرين بدور الشرير وعندما تأزمت الأمور ووصلت لدرجة المواجهة تدخل عبد الفتاح السيسي ليحنو على الشعب وينقذه من حرب أهلية فيصبح البطل الذي يصفق له الجمهور كأي فيلم من أفلام فريد شوقى. أو أفلام هوليود الذي دائما يستطيع البطل إبطال القنبلة أو إنقاذ القطار في آخر خمس ثوان.
(هذا السيناريو غير تخيلي ففي أحد الأفلام الشهيرة بطولة روبرتو دي نيرو وداستين هوفمان تم صياغة سيناريو للتدخل في أحد دول البلقان وأسم الفيلم "ذيل الكلب")
[caption id="attachment_3306" align="aligncenter" width="518"]

هل هناك من يجرؤ أحد بعد كل هذا أن يترشح أمام البطل المنقذ وهل يتوقع أحد أن عبد الفتاح السيسي عند ترشحه سيخسر أمام أي منافس. وفي حالة تقدم أحد لإتقان الحبكة الدرامية ستكون النتيجة مخزية له كما حدث مع حمدين صباحي الذي حصل على أصوات أقل من اصوات الناخبين الذين أبطلوا اصواتهم.
في الإنتخابات القادمة سيتم إتباع نفس الاسلوب, فلابد من إيجاد سيناريو ليحظى عبد الفتاح السيسي بمنصب الرئيس بشعبية وتعاطف تضخ الدماء في شعبيته المحتضرة وتحاول أن تعيد صورة البطل الذي كان, وحتى لايكون الأمر مجرد إستحقاق للإنتخابات الرئاسية.
تم ترشح خالد علي وبالتأكيد هناك من يدعمه ويأمل في فوزه أو حتى لتحريك المياه الراكدة وهذا هو المطلوب ولكي يتم تسخين المشهد لابد من التعسف المحسوب ضد المناصرين والمؤيدين ليشعروا بالأهمية والإعتقاد أنهم أثاروا خوف الدولة. ودخل على الخط أحد العسكريين الغير معروفين وغير معروف الى أين سينتهى مصيره. وفي النهاية يدخل أحمد شفيق ساحة الإنتخابات للإستفادة من إسمه لإعطاء ثقل وشهرة دعائية للعملية الإنتخابية.
[caption id="attachment_3329" align="aligncenter" width="980"]

ينتج من هذا تعالي الأصوات في البرامج وتبادل الإتهامات ليلتفت الناس الى العملية الإنتخابية ولإيهامهم بجديتها ولكنها في النهاية جعجعة بلا طحين أو مثل البرامج الرياضية التى ستظل تحلل مجموعات كأس العالم والإحتمالات والطموحات للفرق وإقامة الإحتفالية وإعطاء أمل للجميع بالمنافسة المقبلة وذلك لزيادة أسهم البطولة وزيادة الإقبال عليها وتسويقها للعامة لجنى الأرباح وجميع يعلم أن البطولة الحقيقية تبدأ من دور الثمانية وترشيحات الفوز بكأس العالم محصورة دائما بين الخمس الكبار.
هل هذا الكلام هو تفريغ لحالة إحباط ودعوة لليأس وكسر المجاديف أو كما يقال (مفيش فايدة)، قد يكون هذا صحيحاً لمن يقرأ ظاهر الكلام ولكن الحقيقة هو منتهى التفاؤل، فكما يقول الأطباء ( التشخيص السليم هو 75% من العلاج) فلابد أن نرى الأمور في صورتها الحقيقية ولابد أن نختار أن نفكر بمنطقنا وليس كما يرغب الآخرين لنا أن نفكر ذلك لنعرف ماهو العلاج.
إن إنتخاب الرئيس في الدولة ذات النظام الرئاسي أو رئيس الحكومة في الدولة ذات النظام البرلماني, تختلف جملةً وتفصيلاً عن إنتخابات مجلس النواب في مصر ليس من جهة الشفافية وحرية الإقتراع ولكن من جهة الفكرة والمبدأ.
إن إنتخاب عضو البرلمان أو المحافظ أو غيرهم هو إنتخاب يقوم على إختيار الشخص, فيكون مكون شخصية المرشح عامل حاسم في إختياره, لأن هذا المرشح هو مجرد فرد في منظومة (مجلس النواب الحالي يزيد على 500 عضو) وإن كان يمكن أن يكون عضو مؤثر في المجلس ولكن تأثيره يظل حالة فردية مالم يتبنى الآخرون أرائه. كذلك إنتخاب المحافظ فهو جزء من منظومة الحكم المحلي وهو محكوم بحدود المحافظة وهناك محافظين يزيدون على 20 محافظ في الجمهورية.
الوضع يختلف بالنسبة لمنصب رئيس الجمهورية, فهناك رئيس جمهورية أو رئيس وزراء (الدول البرلمانية) واحد, وهناك صلاحيات مطلقة في الدستور المصري يملكها رئيس الجمهورية, لذلك لايمكن لشخصٍ ما مهما كانت صفاته الشخصية الحميدة أن يحوز على تأييد أغلبية الشعب ومن هنا كان من الإستحالة أن يكون هناك زعيم لثورة في التاريخ, فيمكن إجماع الشعب بكل تياراته وفئاته على رفض وضع سياسي إجتماعي أو حاكم ولكن لايمكن للشعب أن يتوافق على إنسان مهما بلغت صفاته الحميدة أن يقود ثورة ولكن الثورات تصنع الزعماء.
لذلك نجد في كل الدول الديمقراطية مرشحي الرئاسة أو مرشحى رئاسة الوزراء يقف خلفهم تكتل إقتصادي فكري إجتماعي. ففي أمريكا يوجد الحزب الجمهوري معبراً عن الطبقة البيضاء المتنفذة في الحياة الأمريكية, والحزب الديمقراطي يعبر عن الأقليات والأفكار الليبرالية والمهمشين, وطوال الحياة السياسية الأمريكية كان الرؤساء من هذين الحزبين. ويسعى كل المرشحين للحصول على تأييد أحد الحزبين رغم أن القانون الأمريكي يتيح الترشح الفردي وهو ماقام به المرشح (رالف نادر) في عدة إنتخابات كمرشح مستقل فلم يحز على نسبة معتبرة من أصوات الناخبين.
في إنجلترا حزب العمال يعبر الأفكار اليسارية وحزب المحافظين يعبر عن طبقة الأغنياء. في ألمانيا هناك أحزاب اليمين وأحزاب اليسار وكل منهم يعبر عن أفكار وطموحات ومصالح طبقات أو مناطق في المجتمع ودخل الساحة السياسية مؤخراً حزب الخضر المعبر عن فكر الإهتمام بالبيئة.
في فرنسا عقل أوربا هناك تنوع وتعدد في الأحزاب والتوجهات الفكرية بسبب أن فرنسا يعتقد كل فرد فيها أنه فيلسوف, فهناك طيف متنوع ممتد من أقصى اليمين والى أقصى اليسار يجعلها الأكثر حساسية وإستجابة للتغيرات الإجتماعية وتطورها كما حدث في ثورة الطلبة عام 1968.
لكل هذه الأسباب نجد أن كل مرشح في هذه الدول يدعمة تكتل من مجموعة من الأحزاب يكون معبراً عنها ومدافعاً عن رؤيتها في قيادة البلاد.
وليس إستثناء حالة الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون وهو الرئيس الثامن للجمهورية الفرنسية الخامسة. وسياسي ومصرفي استثماري سابق، أصبح ماكرون مفتشًا ماليًا قبل أن يبدأ في العمل كمصرفي .
انضم بين 2006 و2009 للحزب الاشتراكي، ثم عين في 2012 نائبًا للأمين العام لرئاسة الجمهورية الفرنسية لدى الرئيس فرانسوا أولاند، ثم وزيرًا للاقتصاد والصناعة والاقتصاد الرقمي في حكومة مانويل فالس الثانية.
في أبريل2016، أسس حزب (إلى الأمام (ذو التوجهات الوسطية. ثم في 16نوفمبر أعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017 .انتقل للجولة الثانية من الانتخابات بعد مجيئه في المرتبة الأولى بفارق صغير عن مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبن. حصل على دعم كل من مرشح حزب الجمهوريون اليميني فرنسوا فيون ومرشح الحزب الاشتراكي اليساري بونوا أمون. وفاز في الأنتخابات في 7 مايو 2017 بعد فوزه على ماري لوبن بنسبة 66.06 في الانتخابات الرئاسية. وتولى رسمياً في 14 مايو 2017 سلطاته الدستورية رئيساً للجمهورية الفرنسية.(المعلومات من موقع ويكيبديا)
يتضح من مسيرة الرئيس الفرنسي الحالي أنه عندما قرر أن يرشح نفسه لمنصب الرئاسة لم يترشح بصفته الشخصية ولكن شكل حزب جديد يعبر عن فكر جديد مختلف عن السائد في ذلك الوقت في فرنسا وكتلة إجتماعية جديدة تشكلت متأثرة بالتغيرات الفكرية والروح الشابة التى أثارتها ثورات الربيع العربي. ورغم هذا إحتاج الى دعم الكتل المختلفة لإسقاط مرشحة اليمين المتطرف.
[caption id="attachment_3316" align="aligncenter" width="1000"]

وبالنظر الى التجربة الوليدة في مصر التي بدأت بعد ثورة 25 يناير, سيتضح لنا جلياً الى أين يجب علينا النظر ومن أين نبدأ إذا أردنا أن نصل الى نهاية الطريق. فبعد محاولة المجلس العسكري التخلص من الرأس للمحافظة على النظام, حاول رئيس المجلس العسكري خلع البدلة العسكرية والنزول الى الشارع بالبدلة المدنية ومقابلة المواطنين على أمل تقديم نفسه كبديل مقبول للشعب ( كما فعل عبد الفتاح السيسي بعد ذلك) لكن المحاولة لم تكلل بالنجاح لأن الزمن قد تخطى المرحلة بأكملها ورموزها.
[caption id="attachment_3318" align="aligncenter" width="450"]

[caption id="attachment_3319" align="aligncenter" width="636"]

مع الضغوط الشعبية والشبابية في مقدمتها تم تسليم السلطة للمدنيين, وبدأت أول إنتخابات حرة نزيهة بين مرشحين متعددين لمنصب الرئاسة. ولأول مرة وتقليداً للمناظرات التى تقام في الدول الديمقراطية. كانت هناك مناظرة بين عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى والذي إعتقد الكثيرين أنهما فرسى الرهان لمميزاتهم الشخصية. فالدكتور أبو الفتوح إنشق على الإخوان وله موقف في مواجهة أنور السادات ويرأس منظمة للعمل التطوعي, وعمرو موسى وزير خارجية سابق تم إقالته بسبب شعبيته التى تغنى بها المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم وأصبح أمين عام جامعة الدول العربية. وبالمقارنة بالمشرحين الآخرين لايوجد أفضل منهما.
[caption id="attachment_3322" align="aligncenter" width="699"]


وعند إعلان نتائج الجولة الإنتخابية الأولى كانت الصدمة التى أوضحت الحقيقة بأن عدد الأصوات التى حصل عليها كل منهما جعلتهما في المراكز الأخيرة وأن المراكز الأولى كانت بين المرشح أحمد شفيق والمرشح محمد مرسي ويأتي بعدهما المرشح حمدين صباحي. وعند قراءة هذه النتيجة تتضح صدق النظرية, فالمرشح أحمد شفيق تكتل خلفه قواعد النظام القديم الإجتماعية والإقتصادية على أمل المحافظة على مصالحها وهى نفس الكتل التي دعمت وصول عبد الفتاح السيسي بعد ذلك الى القصر الرئاسي. والمرشح محمد مرسي تكتلت خلفه الكتلة الإسلامية معبرة ومدافعة عن أفكارها ووجودها ومنتهزة فرصة الفراغ الحادث لتحقيق حلمها الذي إستمر 70 عاماً. وبالنسبة لحمدين صباحي فقد كان يعبر علن قطاع من الشعب تم تجاهله من كلا المرشحين الأولين في خضم التنافس المحموم بين الكتلتين وهو قطاع الفقراء والمهمشين الذين يكافحون من أجل لقمة العيش.
هنا كان وقع الصدمة على قوى المجتمع الجديد وعلى الشباب الذي فوجئ أنه مخير بين مرشحين أحلاهما مر فكان لابد من إختيار أخف الأضرار والإتفاق مع مرشح القوى الإسلامية محمد مرسي في ما عرف بإتفاق فيرمونت ليس حباً في محمد مرسى ولكن كرهاً في أحمد شفيق وقطع الطريق على قوى النظام القديم أن تعود أو هذا ماكانوا يأملون.
وعند إجراء الإنتخابات السابقة فاز عبد الفتاح السيسي بشبة إجماع ولم يستطيع حمدين صباحي المحافظة على مؤيديه السابقين لأن في هذه الإنتخابات تم الترويج للسيسى بأنه خليفة جمال عبد الناصر. ومن جهة آخرى قاطع تحالف القوى الإسلامية الإنتخابات فلم يصوت أحد لحمدين صباحي نكاية في عبد الفتاح السيسي.
يتضح من الأمثلة السابقة أن المرشح لمنصب الرئيس أو منصب رئيس الوزراء ماهو إلا واجهة لتحالفات إجتماعية فكرية وإقتصادية. وأن كل من يريد الفوز أو حتى المنافسه عليه أن يبحث أو يشكل له قاعدة إجتماعية فكرية إقتصادية يعبر عنها وتدعمه. وأن الإنتخابات على هذين المنصبين تحسم قبل التوجه الى لجان الإنتخابات. وليسأل كل ناخب نفسه حتى لو ترشح مائة مرشح أمام السيسي في أي إنتخابات قادمة أمام السيسي, هل سيخسر عبد الفتاح السيسي, ماهو المرشح الذي تدعمه قاعدة إجتماعية أو تحالف فكري أو إقتصادي. من يقف خلف المرشح خالد على ومن يمثل ولماذا سينتخبه المواطن العادي. هل يعبر خالد على عن قوى الثورة. فيثار عندها سؤال: وماهى قوى الثورة فكرياً وإجتماعياً وإقتصادياً، هل إستطاعت هذه القوى الثورية أن تتحول من الحالة السائلة التى يستغلها الجميع أن تبلور لها شخصية على أرض الواقع, هل أصبح لها كيان مادي يستطيع أن يدافع عن نفسه ويقف خلف مرشحها للحفاظ على وجودها ومصالحها.
[mks_pullquote align="right" width="700" size="16" bg_color="#000000" txt_color="#ffffff"]
إذا أردنا التغيير لابد أن نبدأ التغيير من أسفل لابد أن يكون هناك تيارات إجتماعية إقتصادية لها توجهات فكرية ومجموعات ضغط لكي تتشكل الحياة الديمقراطية التي تفرز أحزاب وقوى سياسية وبدائل في الخيارات الإستراتيجية لكي يختار من بينها الشعب.[/mks_pullquote]
هنا يتضح طرف الخيط وبداية الطريق, فلابد أن نفرق بين الإنتخابات الديمقراطية والحياة الديمقراطية. فلكي يكون هناك إنتخابات ديمقراطية أي إختيار بين البدائل فلابد أن يكون هناك بدائل من الأساس. تماما مثل الخلط في كثير من الأولويات كأن يقال لابد من وجود حرية رأي لكن هذا يتطلب أن يكون هناك رأي أو أراء أولاً وإلا أصبحت الأمور فوضى, فلايمكن بناء مبنى ونبدأ ببناء الدور العاشر قبل وضع الأساس.
لذلك إذا أردنا التغيير لابد أن نبدأ التغيير من أسفل لابد أن يكون هناك تيارات إجتماعية إقتصادية لها توجهات فكرية ومجموعات ضغط لكي تتشكل الحياة الديمقراطية التي تفرز أحزاب وقوى سياسية وبدائل في الخيارات الإستراتيجية لكي يختار من بينها الشعب.
هذا يتطلب أن يتغير الشعب من مجرد متلقى بين بدائل تطرح عليه الى فاعل مفكر يأخذ زمام المبادرة ويبتعد عن السلبية كما حدث في ثورة 25 يناير, وهذا ماتحاول قوى النظام القديم جاهدة أن لايتكرر, فهى تحارب كل المحاولات التي يقوم بها البعض لتحريك الماء الراكد العقلي والإجتماعي لمعرفتهم الأكيدة أن بداية الغيث قطرة ويتضح هذا من تسفيه كل الأفكار الشابة ومحاولة إعادة تشكيل عقل الشباب في مؤتمراتهم على هواهم وفي المقدمة ترسيخ عقدة التدني والتقليد واليأس من الإبداع فيتشكل قطيع من الخراف مرة ثانية وهذه النتيجة هى مايسعوا إليه لمعرفتهم الأكيدة أنهم لايمتلكوا فكراً يستطيعوا إقناع الشعب به أو أدوات ليستطيعوا التحكم فيه.
[caption id="attachment_3309" align="aligncenter" width="690"]

على المجتمع أن يستعيد الثقة بالنفس وبالغير ويطالب بحقوقه ويعتد برأيه, فإذا كان من المفروض على الشعب الإنتاج والتصدير ومنافسة الشعوب الآخرى الديمقراطية, فيجب أن تُحترم ذاته ويطالب الدولة بإحترامه, كما تُحترم ذوات الشعوب التى يراد منه منافستها إقتصاديا وإجتماعياً.
حتى يتحقق ذلك ستظل الإنتخابات مجرد واقع إفتراضي نعيش فيه لفترة ونعتقد جميعا مخادعين أنفسنا أننا نمارس الحرية والديمقراطية لنكتشف بعد ذلك أن كل هذا كان وهماً وسراب.
المهندس حازم الأشهب