فيلم "القاهرة السرية" للمخرج السويدي - المصري طارق صالح، من الأعمال الناجحة التي نالت على إشادة النقاد بالإجماع في فرنسا والخارج، ...
فيلم "القاهرة السرية" للمخرج السويدي - المصري طارق صالح، من الأعمال الناجحة التي نالت على إشادة النقاد بالإجماع في فرنسا والخارج، وقد تكون هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها هذا النوع من الخيال إلى قلب العالم العربي - في مصر وبهذه الحالة - من خلال تسليط الضوء على شخصيات عربية، ويمتد التأثير إلى هذا البعد العالمي.
[caption id="attachment_3459" align="aligncenter" width="478"] بوستر فيلم القاهرة السرية[/caption]
تدور أحداث الفيلم في مطلع عام 2011، أي قبل أقل من أسبوعين على ثورة 25 يناير، وهو اليوم الذي يوافق "عيد الشرطة"، واختاره الناشطون لتنظيم أول مظاهرة ضد نظام الرئيس حسني مبارك، حيث عثر على مغنية شهيرة مذبوحة داخل غرفة أحد الفنادق بالقرب من ضفاف نهر النيل، وتريد الشرطة إغلاق القضية بسرعة من خلال أنها حادثة انتحار.
لكن الشرطي الفاسد، وهو الأمر المتفشي داخل هذه الطبقة في مصر، ويقوم بدوره الضابط نور الدين مصطفى (فارس فارس) غير مقتنع بالتحقيقات، وأثناء بحثه في محفظة الضحية، يعثر على الدليل الذي يقوده إلى الجاني الحقيقي، أو على الأقل منفذ عملية الاغتيال.
[embed]https://youtu.be/AAuTLwWuuO4[/embed]
ويكتشف نور أن المتهم في القضية رجل أعمال وأحد أقطاب العقارات ونائب وعضو في "الحزب الوطني الديمقراطي" - الحزب الحاكم- ومُقرب من ابن الرئيس، لكن رؤسائه يأمروه بالتخلي عن تحقيقه، فيما يتمسك هو بموقفه ويحاول الوصول إلى الأدلة، لنشهد في سياق الأحداث التطور التدريجي للشرطي الذي كان فاسدا كأقرانه.
يقدم الفيلم جميع مكونات الإثارة الجيدة، بدءا من العمل، والخدع التي لا تخلو من التعقيدات، ومشاهد شرب الخمر والتدخين المستمر، الأماكن القذرة، الرجال والنساء الذين يعيشون في أسفل السلم الاجتماعي (مهاجرة سودانية شاهدة غير مباشر على الجريمة)، امرأة فاتنة (مغربية أو لبنانية، يصعب التعرف عليها)، مبتز ومدمن أفيون (تونسي) وقطيع من رجال الشرطة الفاسدين الذين يستخدمون طرقا ملتوية ولا يترددون في التعذيب.
من الواضح أن سيناريو الفيلم مستوحى من القضية التي تسببت في ضجة كبيرة بمصر، والتي يمكن أن تصنيفها بأنها ضمن الأحداث التي تسببت في الغضب الشعبي الذي انطلق يناير 2011.
في 28 يوليو 2008، عُثر على المغنية والممثلة اللبنانية سوزان تميم مقتولة في غرفة أحد الفنادق في دبي (الإمارات العربية المتحدة)، وأدت التحقيقات التي أجرتها السلطات المحلية ونظرائها في مصر، إلى اعتقال عشيقة النجمة اللبنانية.
إنه هشام طلعت مصطفى، قطب العقارات، نائب البرلمان الذي كان على مقربة من "الوريث" جمال مبارك، والعضو في "الحزب الوطني" الذي أحرق مقره المتظاهرون في فبراير 2011.

يجب أن نتذكر أنه، في ذلك الوقت، القنصليات الغربية لم تكن أعينها مصوبة فقط إلا نحو هذا "المصلح" الذي كانوا ينتظرون بفارغ الصبر أن يحل محل والده، لكن محاكمة مصطفى وشريكه محسن السكري، ضابط شرطة سابق يزعم أنه تلقى مليوني دولار لقتل سوزان تميم، أضرت بالنظام المصري.
أولا، لأن جلسات الاستماع كشفت عن طبيعة نظام مبارك، حيث تسير السياسة والقضايا جنبا إلى جنب. نظام يتواجد فيه الفساد بكل مكان - وهو ما لا يفوته فيلم طارق صالح، إن نظام مؤسسات الدولة، بما في ذلك خدماتها الأمنية، التي كانت "مخصخصة" لحساب المصالح الإجرامية - يظهره باحترافية "القاهرة السرية" وكذلك (الممثل الفرنسي الجزائري سليمان دازي الذي لعب باحترافية دور القاتل الرصين والفعال).
وبعد ذلك، إلغاء حكمي الإعدام الصادرين في فبراير 2009 ضد المتهمين، من قبل المحكمة العليا في البلاد في مارس 2010، أدهش الرأي العام المصري حيث أيقن حينئذ أن العدالة من الأغنياء وقوة الدولة العميقة موجودة بالفعل، حتى الحكم القضائي الذي صدر بسجن مصطفى خمسة عشر عاما والمؤبد للسكري، لم يصلح الضرر الذي وقع، وبالنسبة لملايين المصريين، محاكمة سوزان تميم لم تكن عادلة.
فيلم القاهرة السرية، أو المعروف أيضا بـ "حادث هيلتون النيل" كشف عن مصر الملغمة بالمافيا، والابتزاز، والدكتاتورية والعنف، فالتحدي الهائل للمخرج ومصوره السينمائي بيار عيم كانت أن يجعلنا نعتقد أن مشاهد الفيلم صورت في القاهرة، بعد أن رفضت السلطات المصرية إعطاء تراخيص التصوير ( الذي تم بدلا من ذلك في المغرب).
الاعتقاد بأن المشاهد صورت في القاهرة يجعلنا نستمتع خلال مشاهدة الفيلم بجمال السينما (الجيدة)، من خلال الأضواء الباهتة، والتلوث وحتى الزي الأبيض للشرطة، في إنجاز مماثل حققه المخرج ريدلي سكوت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، من خلال فيلمه "بلاك هوك داون" الذي صوره في المغرب، بدلا من شوارع مقديشو بالصومال.

ومع ذلك، "القاهرة السرية" ليس فيلما عن الثورة المصرية. ونحن نأسف لأنه لم يسلط الضوء على أيام ما قبل الثورة، بالتأكيد نرى بعض الطلاب الذي يتم استجوابهم من قبل الشرطة لأنهم دعوا إلى تجمع شعبي، سائق سيارة أجرة، يحكي في مشهد آخر، عن الصورة السيئة للشرطة التي قتلت وعذبت شابا في الإسكندرية، قبل أن يكتشف أن الراكب (مصطفى) شرطي.
لكن، مثل بطله، لم يتطرق الفيلم للتوتر الذي كان ينذر باضطرابات كبيرة في البلاد، وحتى عندما سلط الضوء على متابعة الثورة التونسية وهروب الرئيس زين العابدين بن علي، أُخذت اللقطات من القنوات الأوروبية، فيما كانت العديد من الأسر المصرية مرتبطة بشكل دائم بمتابعة قناة "الجزيرة" القطرية.
كذلك معرفة مصطفى بما يجري في العالم الأخر هل هو ما جعله متمردا؟ هل مصير المهاجرين السودانيين؟ هل الرشاوى والحكايات الملتوية؟ نحن لا نعرف على وجه التحديد، وعلى كل حال لم يكن في النهاية مع المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع أو حتى مع الشرطة التي فتحت النار على الحشود الغاضبة.
في نهاية الفيلم، حتى مصطفى يتعرض للضرب من قبل المتظاهرين، مما يمنعه من معاقبة أحد رجال الشرطة الفاسدين، إنها نهاية غريبة حيث أولئك الذين يطالبون بالحرية والكرامة ومغادرة مبارك يتهجمون على عضو في النظام يسعى للانفصال لتجسد الوجه الأخر من مصر، كما لو أن الخطأ، في ثورة 25 يناير، هو اختيار غير مناسب لمعركته.
ترجمة – محمود حسين
https://blog.mondediplo.net/2017-07-17-Le-Caire-Confidentiel-ou-les-abimes-de-l-Egypte
[caption id="attachment_3459" align="aligncenter" width="478"] بوستر فيلم القاهرة السرية[/caption]
تدور أحداث الفيلم في مطلع عام 2011، أي قبل أقل من أسبوعين على ثورة 25 يناير، وهو اليوم الذي يوافق "عيد الشرطة"، واختاره الناشطون لتنظيم أول مظاهرة ضد نظام الرئيس حسني مبارك، حيث عثر على مغنية شهيرة مذبوحة داخل غرفة أحد الفنادق بالقرب من ضفاف نهر النيل، وتريد الشرطة إغلاق القضية بسرعة من خلال أنها حادثة انتحار.
لكن الشرطي الفاسد، وهو الأمر المتفشي داخل هذه الطبقة في مصر، ويقوم بدوره الضابط نور الدين مصطفى (فارس فارس) غير مقتنع بالتحقيقات، وأثناء بحثه في محفظة الضحية، يعثر على الدليل الذي يقوده إلى الجاني الحقيقي، أو على الأقل منفذ عملية الاغتيال.
[embed]https://youtu.be/AAuTLwWuuO4[/embed]
ويكتشف نور أن المتهم في القضية رجل أعمال وأحد أقطاب العقارات ونائب وعضو في "الحزب الوطني الديمقراطي" - الحزب الحاكم- ومُقرب من ابن الرئيس، لكن رؤسائه يأمروه بالتخلي عن تحقيقه، فيما يتمسك هو بموقفه ويحاول الوصول إلى الأدلة، لنشهد في سياق الأحداث التطور التدريجي للشرطي الذي كان فاسدا كأقرانه.
يقدم الفيلم جميع مكونات الإثارة الجيدة، بدءا من العمل، والخدع التي لا تخلو من التعقيدات، ومشاهد شرب الخمر والتدخين المستمر، الأماكن القذرة، الرجال والنساء الذين يعيشون في أسفل السلم الاجتماعي (مهاجرة سودانية شاهدة غير مباشر على الجريمة)، امرأة فاتنة (مغربية أو لبنانية، يصعب التعرف عليها)، مبتز ومدمن أفيون (تونسي) وقطيع من رجال الشرطة الفاسدين الذين يستخدمون طرقا ملتوية ولا يترددون في التعذيب.
من الواضح أن سيناريو الفيلم مستوحى من القضية التي تسببت في ضجة كبيرة بمصر، والتي يمكن أن تصنيفها بأنها ضمن الأحداث التي تسببت في الغضب الشعبي الذي انطلق يناير 2011.
في 28 يوليو 2008، عُثر على المغنية والممثلة اللبنانية سوزان تميم مقتولة في غرفة أحد الفنادق في دبي (الإمارات العربية المتحدة)، وأدت التحقيقات التي أجرتها السلطات المحلية ونظرائها في مصر، إلى اعتقال عشيقة النجمة اللبنانية.
إنه هشام طلعت مصطفى، قطب العقارات، نائب البرلمان الذي كان على مقربة من "الوريث" جمال مبارك، والعضو في "الحزب الوطني" الذي أحرق مقره المتظاهرون في فبراير 2011.

يجب أن نتذكر أنه، في ذلك الوقت، القنصليات الغربية لم تكن أعينها مصوبة فقط إلا نحو هذا "المصلح" الذي كانوا ينتظرون بفارغ الصبر أن يحل محل والده، لكن محاكمة مصطفى وشريكه محسن السكري، ضابط شرطة سابق يزعم أنه تلقى مليوني دولار لقتل سوزان تميم، أضرت بالنظام المصري.
أولا، لأن جلسات الاستماع كشفت عن طبيعة نظام مبارك، حيث تسير السياسة والقضايا جنبا إلى جنب. نظام يتواجد فيه الفساد بكل مكان - وهو ما لا يفوته فيلم طارق صالح، إن نظام مؤسسات الدولة، بما في ذلك خدماتها الأمنية، التي كانت "مخصخصة" لحساب المصالح الإجرامية - يظهره باحترافية "القاهرة السرية" وكذلك (الممثل الفرنسي الجزائري سليمان دازي الذي لعب باحترافية دور القاتل الرصين والفعال).
وبعد ذلك، إلغاء حكمي الإعدام الصادرين في فبراير 2009 ضد المتهمين، من قبل المحكمة العليا في البلاد في مارس 2010، أدهش الرأي العام المصري حيث أيقن حينئذ أن العدالة من الأغنياء وقوة الدولة العميقة موجودة بالفعل، حتى الحكم القضائي الذي صدر بسجن مصطفى خمسة عشر عاما والمؤبد للسكري، لم يصلح الضرر الذي وقع، وبالنسبة لملايين المصريين، محاكمة سوزان تميم لم تكن عادلة.
فيلم القاهرة السرية، أو المعروف أيضا بـ "حادث هيلتون النيل" كشف عن مصر الملغمة بالمافيا، والابتزاز، والدكتاتورية والعنف، فالتحدي الهائل للمخرج ومصوره السينمائي بيار عيم كانت أن يجعلنا نعتقد أن مشاهد الفيلم صورت في القاهرة، بعد أن رفضت السلطات المصرية إعطاء تراخيص التصوير ( الذي تم بدلا من ذلك في المغرب).
الاعتقاد بأن المشاهد صورت في القاهرة يجعلنا نستمتع خلال مشاهدة الفيلم بجمال السينما (الجيدة)، من خلال الأضواء الباهتة، والتلوث وحتى الزي الأبيض للشرطة، في إنجاز مماثل حققه المخرج ريدلي سكوت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، من خلال فيلمه "بلاك هوك داون" الذي صوره في المغرب، بدلا من شوارع مقديشو بالصومال.

ومع ذلك، "القاهرة السرية" ليس فيلما عن الثورة المصرية. ونحن نأسف لأنه لم يسلط الضوء على أيام ما قبل الثورة، بالتأكيد نرى بعض الطلاب الذي يتم استجوابهم من قبل الشرطة لأنهم دعوا إلى تجمع شعبي، سائق سيارة أجرة، يحكي في مشهد آخر، عن الصورة السيئة للشرطة التي قتلت وعذبت شابا في الإسكندرية، قبل أن يكتشف أن الراكب (مصطفى) شرطي.
لكن، مثل بطله، لم يتطرق الفيلم للتوتر الذي كان ينذر باضطرابات كبيرة في البلاد، وحتى عندما سلط الضوء على متابعة الثورة التونسية وهروب الرئيس زين العابدين بن علي، أُخذت اللقطات من القنوات الأوروبية، فيما كانت العديد من الأسر المصرية مرتبطة بشكل دائم بمتابعة قناة "الجزيرة" القطرية.
كذلك معرفة مصطفى بما يجري في العالم الأخر هل هو ما جعله متمردا؟ هل مصير المهاجرين السودانيين؟ هل الرشاوى والحكايات الملتوية؟ نحن لا نعرف على وجه التحديد، وعلى كل حال لم يكن في النهاية مع المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع أو حتى مع الشرطة التي فتحت النار على الحشود الغاضبة.
في نهاية الفيلم، حتى مصطفى يتعرض للضرب من قبل المتظاهرين، مما يمنعه من معاقبة أحد رجال الشرطة الفاسدين، إنها نهاية غريبة حيث أولئك الذين يطالبون بالحرية والكرامة ومغادرة مبارك يتهجمون على عضو في النظام يسعى للانفصال لتجسد الوجه الأخر من مصر، كما لو أن الخطأ، في ثورة 25 يناير، هو اختيار غير مناسب لمعركته.
ترجمة – محمود حسين
https://blog.mondediplo.net/2017-07-17-Le-Caire-Confidentiel-ou-les-abimes-de-l-Egypte