ولّد النزاع السوري أكثر من 4.8 ملايين لاجئ ونحو 6.3 ملايين نازح في الداخل. وأمام هول الكارثة وجسامتها، يفترض كُثر أن الحل السياسي سيؤدي فورا...
ولّد النزاع السوري أكثر من 4.8 ملايين لاجئ ونحو 6.3 ملايين نازح في الداخل. وأمام هول الكارثة وجسامتها، يفترض كُثر أن الحل السياسي سيؤدي فوراً إلى تقاطر اللاجئين أفواجاً أفواجاً إلى مسقط رأسهم.
لكن الأمور ليست على هذا المنوال من البساطة واليسر. فعلى الرغم من أن المُرّحلين قسراً متلهفون إلى العودة إلى بيوتهم، لاتتمثّل عودة اللاجئين بمجرد حركة عبور الناس الحدود، بل هي تقتضي قراراً سياسياً وإرساء إطار لتيسير العودة، وهذا ماغاب عن مفاوضات جنيف الحالية الرامية إلى إنهاء النزاع السوري. وفي المقابل، يلتزم النظام السوري وروسيا وإيران وحزب الله بمقاربة جزئية تحيل مسألة العودة إلى بند فرعي من حساباتهم السياسية والعسكرية.
هجرة السكان السوريين الجماعية هي نتيجة مباشرة لحملة القمع التي شنّها نظام بشار الأسد على القواعد الشعبية للمعارضة المدنية، وللحروب بالوكالة التي يشارك فيها لاعبون إقليميون ودوليون. لاجئون كثر فروا من مناطق عاثت فيها البراميل المتفجرة دماراً، وانتشر فيها الاختفاء القسري والحصار والهجمات بالأسلحة الكيميائية. بعض آخر غادر نتيجة فظاعات مذهبية أو إثنية، أو نقل السكان، أو استهداف القوات العسكرية لمناطقهم.
وقد فاقم الوضع الجغرافي-السياسي المعقّد وتغيير الوقائع على الأرض من عُسر التوصل إلى تسوية سياسية عادلة وعودة طوعية للاجئين، وباتت سورية اليوم مقسمة إلى مناطق نفوذ منفصلة ومتجاورة، تقع تحت سيطرة النظام ومروحة واسعة من القوى غير الدولتية، بينها ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، وهيئة تحرير الشام المتفرعة من القاعدة، وقوات سورية الديمقراطية الكردية–العربية، ومجموعات متنوعة من الثوار، عدد منها متحالف مع تركيا. يعيش حوالى 10.1 ملايين شخص في مناطق سيطرة الحكومة، فيما يقطن مناطق السيطرة الكردية ومناطق سيطرة الدولة الإسلامية، نحو مليونيْ نسمة، غالباً ما يهمين عليها عدد من المجموعات المسلحة.
في الوقت نفسه، تساهم الهدن أو الاتفاقات المحلية التي يبرمها النظام في تغيير الوقائع على الأرض. ومثل هذه الترتيبات هي في الواقع عمليات استسلام تُفرض على بلدات أو أحياء كانت تسعى إلى كسر طوق حصار النظام وحلفائه، ووقف قصفهم العسكري، مقابل إجبار السكان غالباً على الرحيل إلى مناطق أخرى.
ممثلو النظام وسموا، أخيراً، الهدن المحلية بأنها آليات لتيسير عودة اللاجئين والنازحين محلياً. وخير مثال على ذلك هو إخلاء حي الوعر مؤخراً في حمص، وهو آخر منطقة كانت تحت سيطرة المعارضة في المدينة. طيلة أربع سنوات، كان الحي هذا محاصراً، إلى حين إبرام اتفاق في منتصف آذار/مارس يقضي بترحيل نحو ألفي مقاتل معاد للنظام. روسيا ضمنت الاتفاق، ونشرت 60 إلى 100 جندي لمراقبة تنفيذه، وهو يرمي، حسبما ذكر محافظ حمص، إلى اقتلاع المتمردين والسماح للنازحين بالعودة إلى منازلهم، فور إنجاز عملية الإخلاء. لكن لم يتضح، حتى اليوم، مصير المدنيين، المتراوح عددهم بين 15 و20 ألفاً، الذين كانوا بَقوا ثمّ رُحّلوا عن الوعر بموجب الاتفاق، وما إذا كان سيُسمح لهم بالعودة.
مآلات الاتفاقات السابقة، ومنها ذلك الذي يُغطي القسم الشرقي من مدينة حلب، تشي بأن وتيرة عودة اللاجئين والنازحين بطيئة في أحسن الأحوال، وغالباً مايعرقلها ويحول دونها المسيطرون على الأرض.
في هذه الأثناء، يبدو أن معالم مقاربة جديدة لعودة اللاجئين ترتسم في لبنان المجاور. ففي مطلع هذا العام، سعى حزب الله إلى التوسّط في تسوية لمنطقة القلمون، الواقعة على طول الحدود مع لبنان. الاتفاق المؤلف من 24 نقطة ينصّ على عودة اللاجئين إلى كل المنطقة في ما خلا ست بلدات واقعة على طريق دمشق – حمص السريع الاستراتيجي، ستبقى تحت سيطرة حزب الله. ويمنح الاتفاق حصانة للهاربين من الجيش والمقاتلين المتمردين شريطة الانضمام إلى سرايا أهل الشام، المتحدرة من الجيش السوري الحر، على أن يُنزع السلاح الثقيل من هذه الجماعة، وتُسلّم مهمة الحفاظ على النظام والأمن في هذه المناطق. يعني البند الأخير من الاتفاق أن تتولى حكم السكان قوات صديقة، فيما توفّر سرايا أهل الشام روابط مع حزب الله.
يسمح الاتفاق كذلك، علاوةً على استئناف تقديم الخدمات وإرساء جسم حكومة محلية يتفق عليه الجانبان، بعودة اللاجئين للحصول على أوراق ثبوتية صالحة، بعد أن فُقِدَ شطر كبير منها أو انتهت صلاحيته خلال أعوام النزوح أو التشرد. وتشير تقارير إلى أن إحصاء اللاجئين في سهل البقاع اللبناني أساساً، وشطر كبير منهم يعيش في البلدة الحدودية عرسال، جار على قدمٍ وساق. وقد تباينت أعداد اللاجئين المتوقع عودتهم باختلاف مصدر الخبر، وهي تتراوح بين 20 ألفاً و120 ألفاً إلى 200 ألف. لكن حصيلة هذه الخطة لما تظهر بعد، لأن ثقة اللاجئين في حزب الله ونظام الأسد ضعيفة. ولذا، لم يصادق ممثلوهم بَعد على هذه الخطة.
يرى حزب الله أن الاتفاق يخفف، إذا ما نُفّذ، ضغط أعداد اللاجئين الكبير عن لبنان (خصوصاً في المناطق الشيعية الملاصقة لسورية). وهذا الاتفاق خيار جذاب للحكومة اللبنانية، التي تتوق إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، خصوصاً حين يُقدَّم (الاتفاق) على أنه آلية ترسي منطقة آمنة للاجئين داخل سورية. بيد أن معاداة أعضاء في الحكومة اللبنانية للنظام السوري هي حجر عثرة، في وقت تمسّك حزب الله بتنفيذ عمليات العودة عبر القنوات الرسمية السورية. وقد أعلن بعض الوزراء أنهم لن يطبّعوا العلاقات مع الحكومة السورية ولن يتفاوضوا معها.
بيد أن المزاج في لبنان يتغيّر إزاء اللاجئين. فالإعداد جار على قدم وساق، إثر لقاءات بين مسؤولين أمنيين لبنانين وسوريين، لإعادة فتح إحدى نقاط الحدود التي مضى على إغلاقها 4 سنوات لدواعٍ أمنية. فتح هذه النقطة الحدودية يشرّع الأبواب أمام التجارة بين البلدين، ويرفع القيود عن حركة الناس بين لبنان والمناطق التي استعادها النظام. ومثل هذه التطورات يعزز دور النظام السوري في مفاوضات عودة اللاجئين، ويزيد مشروعيته أمام الحكومات الأجنبية.
في هذه الأثناء، يبدو أن مشاعر معاداة السوريين تتعاظم في لبنان، مع قرار بلدتين في عكار إغلاق مراكز اللاجئين وطردهم من أراضيهما. مثل هذه الأعمال قد يعزز مآلات يستسيغها حزب الله، أي إنشاء مناطق آمنة داخل سورية تخفّف الأعباء عن لبنان وتسند نظام الأسد.
في مثل هذا السياق، تسهّل المقاربة المجتزئة لمسألة العودة التلاعب بها لتلبية ضرورات عسكرية وسياسية قصيرة الأمد. والحال أن عمليات المصالحة المحلية في سورية تخفق في تناول السياق الأوسع الذي تدور فيه عمليات ترحيل السكان. فهي لاتعالج التحديات على الأمد الأبعد لمرحلة مابعد النزاع السياسي والاقتصادي وإعادة الاعمار- والتي يجب أن تشمل بعض أوجه العدالة الانتقالية لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب. لكن مثل هذه المحاسبة ستكون عسيرة إذا مابقي المسؤولون عن جرائم النزاع في السلطة. ولا يقل عن هذه المسألة أهميةً، الانعطافُ نحو إرساء الاستقرار، عوضاً عن بناء السلام، الذي ليس شيئاً آخر سوى تدبير فوري لفرض تغيير على أرض الواقع (فيما تدور المفاوضات في جنيف، وغيرها) يمهّد لتسوية نهائية في سورية.
مثل هذا المنطق ينطبق على مقاربة عودة اللاجئين التي يقترحها حزب الله في القلمون، التي تمهّد بالفعل لبسط الحزب نفوذه السياسي في مناطق شاسعة داخل سورية، في محاذاة الحدود اللبنانية كما في مناطق محيطة بدمشق. وإذا مارجحت كفة هذه المقاربة، فقد تحمل الضغوط سكاناً يعانون من هشاشة في أوضاعهم الاجتماعية على الرحيل إلى مناطق غير آمنة، الأمر الذي يشكّل انتهاكاً لبند "رفض العودة القسرية" في اتفاقية العام 1951 الخاصة بأوضاع اللاجئين وبروتوكول 1967. وفي هذه الأثناء، تشير تقارير إلى أن الحكومة اللبنانية تنوي ترحيل اللاجئين السوريين كلهم إلى مناطق تتوافق مع انتماءاتهم السياسية.
ليست عمليات الاستسلام التدريجية والمصالحات الرمزية بديلاً عن مقاربة شاملة لتسوية سياسية في سورية ولعودة اللاجئين. لا بل الواقع أن مثل هذه الخطوات المحدودة تعرِّض، من دون شك، سكاناً غير آمنين إلى مخاطر جسيمة في حال اندلع القتال مجدداً في الأماكن التي ينتقلون إليها. وبدوره هذا يزرع بذور نزاعات مقبلة في سورية وغيرها.
مهى يحيَ
لكن الأمور ليست على هذا المنوال من البساطة واليسر. فعلى الرغم من أن المُرّحلين قسراً متلهفون إلى العودة إلى بيوتهم، لاتتمثّل عودة اللاجئين بمجرد حركة عبور الناس الحدود، بل هي تقتضي قراراً سياسياً وإرساء إطار لتيسير العودة، وهذا ماغاب عن مفاوضات جنيف الحالية الرامية إلى إنهاء النزاع السوري. وفي المقابل، يلتزم النظام السوري وروسيا وإيران وحزب الله بمقاربة جزئية تحيل مسألة العودة إلى بند فرعي من حساباتهم السياسية والعسكرية.
هجرة السكان السوريين الجماعية هي نتيجة مباشرة لحملة القمع التي شنّها نظام بشار الأسد على القواعد الشعبية للمعارضة المدنية، وللحروب بالوكالة التي يشارك فيها لاعبون إقليميون ودوليون. لاجئون كثر فروا من مناطق عاثت فيها البراميل المتفجرة دماراً، وانتشر فيها الاختفاء القسري والحصار والهجمات بالأسلحة الكيميائية. بعض آخر غادر نتيجة فظاعات مذهبية أو إثنية، أو نقل السكان، أو استهداف القوات العسكرية لمناطقهم.
وقد فاقم الوضع الجغرافي-السياسي المعقّد وتغيير الوقائع على الأرض من عُسر التوصل إلى تسوية سياسية عادلة وعودة طوعية للاجئين، وباتت سورية اليوم مقسمة إلى مناطق نفوذ منفصلة ومتجاورة، تقع تحت سيطرة النظام ومروحة واسعة من القوى غير الدولتية، بينها ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، وهيئة تحرير الشام المتفرعة من القاعدة، وقوات سورية الديمقراطية الكردية–العربية، ومجموعات متنوعة من الثوار، عدد منها متحالف مع تركيا. يعيش حوالى 10.1 ملايين شخص في مناطق سيطرة الحكومة، فيما يقطن مناطق السيطرة الكردية ومناطق سيطرة الدولة الإسلامية، نحو مليونيْ نسمة، غالباً ما يهمين عليها عدد من المجموعات المسلحة.
في الوقت نفسه، تساهم الهدن أو الاتفاقات المحلية التي يبرمها النظام في تغيير الوقائع على الأرض. ومثل هذه الترتيبات هي في الواقع عمليات استسلام تُفرض على بلدات أو أحياء كانت تسعى إلى كسر طوق حصار النظام وحلفائه، ووقف قصفهم العسكري، مقابل إجبار السكان غالباً على الرحيل إلى مناطق أخرى.
ممثلو النظام وسموا، أخيراً، الهدن المحلية بأنها آليات لتيسير عودة اللاجئين والنازحين محلياً. وخير مثال على ذلك هو إخلاء حي الوعر مؤخراً في حمص، وهو آخر منطقة كانت تحت سيطرة المعارضة في المدينة. طيلة أربع سنوات، كان الحي هذا محاصراً، إلى حين إبرام اتفاق في منتصف آذار/مارس يقضي بترحيل نحو ألفي مقاتل معاد للنظام. روسيا ضمنت الاتفاق، ونشرت 60 إلى 100 جندي لمراقبة تنفيذه، وهو يرمي، حسبما ذكر محافظ حمص، إلى اقتلاع المتمردين والسماح للنازحين بالعودة إلى منازلهم، فور إنجاز عملية الإخلاء. لكن لم يتضح، حتى اليوم، مصير المدنيين، المتراوح عددهم بين 15 و20 ألفاً، الذين كانوا بَقوا ثمّ رُحّلوا عن الوعر بموجب الاتفاق، وما إذا كان سيُسمح لهم بالعودة.
مآلات الاتفاقات السابقة، ومنها ذلك الذي يُغطي القسم الشرقي من مدينة حلب، تشي بأن وتيرة عودة اللاجئين والنازحين بطيئة في أحسن الأحوال، وغالباً مايعرقلها ويحول دونها المسيطرون على الأرض.
في هذه الأثناء، يبدو أن معالم مقاربة جديدة لعودة اللاجئين ترتسم في لبنان المجاور. ففي مطلع هذا العام، سعى حزب الله إلى التوسّط في تسوية لمنطقة القلمون، الواقعة على طول الحدود مع لبنان. الاتفاق المؤلف من 24 نقطة ينصّ على عودة اللاجئين إلى كل المنطقة في ما خلا ست بلدات واقعة على طريق دمشق – حمص السريع الاستراتيجي، ستبقى تحت سيطرة حزب الله. ويمنح الاتفاق حصانة للهاربين من الجيش والمقاتلين المتمردين شريطة الانضمام إلى سرايا أهل الشام، المتحدرة من الجيش السوري الحر، على أن يُنزع السلاح الثقيل من هذه الجماعة، وتُسلّم مهمة الحفاظ على النظام والأمن في هذه المناطق. يعني البند الأخير من الاتفاق أن تتولى حكم السكان قوات صديقة، فيما توفّر سرايا أهل الشام روابط مع حزب الله.
يسمح الاتفاق كذلك، علاوةً على استئناف تقديم الخدمات وإرساء جسم حكومة محلية يتفق عليه الجانبان، بعودة اللاجئين للحصول على أوراق ثبوتية صالحة، بعد أن فُقِدَ شطر كبير منها أو انتهت صلاحيته خلال أعوام النزوح أو التشرد. وتشير تقارير إلى أن إحصاء اللاجئين في سهل البقاع اللبناني أساساً، وشطر كبير منهم يعيش في البلدة الحدودية عرسال، جار على قدمٍ وساق. وقد تباينت أعداد اللاجئين المتوقع عودتهم باختلاف مصدر الخبر، وهي تتراوح بين 20 ألفاً و120 ألفاً إلى 200 ألف. لكن حصيلة هذه الخطة لما تظهر بعد، لأن ثقة اللاجئين في حزب الله ونظام الأسد ضعيفة. ولذا، لم يصادق ممثلوهم بَعد على هذه الخطة.
يرى حزب الله أن الاتفاق يخفف، إذا ما نُفّذ، ضغط أعداد اللاجئين الكبير عن لبنان (خصوصاً في المناطق الشيعية الملاصقة لسورية). وهذا الاتفاق خيار جذاب للحكومة اللبنانية، التي تتوق إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، خصوصاً حين يُقدَّم (الاتفاق) على أنه آلية ترسي منطقة آمنة للاجئين داخل سورية. بيد أن معاداة أعضاء في الحكومة اللبنانية للنظام السوري هي حجر عثرة، في وقت تمسّك حزب الله بتنفيذ عمليات العودة عبر القنوات الرسمية السورية. وقد أعلن بعض الوزراء أنهم لن يطبّعوا العلاقات مع الحكومة السورية ولن يتفاوضوا معها.
بيد أن المزاج في لبنان يتغيّر إزاء اللاجئين. فالإعداد جار على قدم وساق، إثر لقاءات بين مسؤولين أمنيين لبنانين وسوريين، لإعادة فتح إحدى نقاط الحدود التي مضى على إغلاقها 4 سنوات لدواعٍ أمنية. فتح هذه النقطة الحدودية يشرّع الأبواب أمام التجارة بين البلدين، ويرفع القيود عن حركة الناس بين لبنان والمناطق التي استعادها النظام. ومثل هذه التطورات يعزز دور النظام السوري في مفاوضات عودة اللاجئين، ويزيد مشروعيته أمام الحكومات الأجنبية.
في هذه الأثناء، يبدو أن مشاعر معاداة السوريين تتعاظم في لبنان، مع قرار بلدتين في عكار إغلاق مراكز اللاجئين وطردهم من أراضيهما. مثل هذه الأعمال قد يعزز مآلات يستسيغها حزب الله، أي إنشاء مناطق آمنة داخل سورية تخفّف الأعباء عن لبنان وتسند نظام الأسد.
في مثل هذا السياق، تسهّل المقاربة المجتزئة لمسألة العودة التلاعب بها لتلبية ضرورات عسكرية وسياسية قصيرة الأمد. والحال أن عمليات المصالحة المحلية في سورية تخفق في تناول السياق الأوسع الذي تدور فيه عمليات ترحيل السكان. فهي لاتعالج التحديات على الأمد الأبعد لمرحلة مابعد النزاع السياسي والاقتصادي وإعادة الاعمار- والتي يجب أن تشمل بعض أوجه العدالة الانتقالية لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب. لكن مثل هذه المحاسبة ستكون عسيرة إذا مابقي المسؤولون عن جرائم النزاع في السلطة. ولا يقل عن هذه المسألة أهميةً، الانعطافُ نحو إرساء الاستقرار، عوضاً عن بناء السلام، الذي ليس شيئاً آخر سوى تدبير فوري لفرض تغيير على أرض الواقع (فيما تدور المفاوضات في جنيف، وغيرها) يمهّد لتسوية نهائية في سورية.
مثل هذا المنطق ينطبق على مقاربة عودة اللاجئين التي يقترحها حزب الله في القلمون، التي تمهّد بالفعل لبسط الحزب نفوذه السياسي في مناطق شاسعة داخل سورية، في محاذاة الحدود اللبنانية كما في مناطق محيطة بدمشق. وإذا مارجحت كفة هذه المقاربة، فقد تحمل الضغوط سكاناً يعانون من هشاشة في أوضاعهم الاجتماعية على الرحيل إلى مناطق غير آمنة، الأمر الذي يشكّل انتهاكاً لبند "رفض العودة القسرية" في اتفاقية العام 1951 الخاصة بأوضاع اللاجئين وبروتوكول 1967. وفي هذه الأثناء، تشير تقارير إلى أن الحكومة اللبنانية تنوي ترحيل اللاجئين السوريين كلهم إلى مناطق تتوافق مع انتماءاتهم السياسية.
ليست عمليات الاستسلام التدريجية والمصالحات الرمزية بديلاً عن مقاربة شاملة لتسوية سياسية في سورية ولعودة اللاجئين. لا بل الواقع أن مثل هذه الخطوات المحدودة تعرِّض، من دون شك، سكاناً غير آمنين إلى مخاطر جسيمة في حال اندلع القتال مجدداً في الأماكن التي ينتقلون إليها. وبدوره هذا يزرع بذور نزاعات مقبلة في سورية وغيرها.