Archive Pages Design$type=blogging

جدل التصدير والتنمية: أولوية الكيف على الكم

أثبتت تجارب التنمية في بلدان الجنوب منذ الستينيات أن الاقتصادات التي نجحت في التوسع في التصدير، مثل تايوان وكوريا الجنوبية، ومن قبلهما الياب...

أثبتت تجارب التنمية في بلدان الجنوب منذ الستينيات أن الاقتصادات التي نجحت في التوسع في التصدير، مثل تايوان وكوريا الجنوبية، ومن قبلهما اليابان، ومن بعدهما الصين وبلدان جنوب شرق أسيا، قد حققت معدلات نمو وحسّنت من مؤشرات التنمية لدى الغالب الأكبر من شعوبها، مقارنة بتلك البلدان التي اختارت في نفس الفترة  تقريبًا الاعتماد على التصنيع المحلي، وإحلال منتجات وطنية محل الواردات مثل مصر والبرازيل والمكسيك والهند، والتي ما لبثت بعد تعثر مراكزها الخارجية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ومن فرط الاقتراض الخارجي لتمويل ما تحتاجه من واردات تكنولوجية ومدخلات للتصنيع المحلي، أن اضطرت اضطرارًا للحاق بركب الاقتصادات التصديرية الآسيوية، ولكن تحت وقع مشروطية صندوق النقد والبنك الدوليين، ومع ارتفاع مد تحرير التجارة العالمية في التسعينيات.

ورغم أن الاقتصادات الأسيوية تصديرية التوجه قد أثبتت قدرة أكبر على تحقيق التنمية وتوليد النمو، وعلى التأقلم مع اضطرابات الاقتصاد العالمي، إلا أن المسألة ليست على إطلاقها حقًا، فبالنظر لتجارب الدول التي حاولت التوجه للتصدير منذ الثمانينيات، ومنها مصر، وخاصة بعد تبني برنامج التحول الهيكلي في مطلع التسعينيات، يظهر لنا أن أغلبها يمثل نماذج شاحبة ومحدودة النجاح، وربما فاشلة، مقارنة بالرواد الآسيويين، وذلك لأن المسألة متعلقة بما تنتجه هذه الدول من أجل التصدير، لا بحجم التصدير أو بمعدل نموه. يضاف لهذا أن ما تنتجه هذه الدول الأسيوية من سلع وخدمات يرتبط بهيكل الإنتاج ككل، وبالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تربط العمال برأس المال، وتربط الدولة بكليهما، وبطبيعة المؤسسات التي تدير هذه التفاعلات، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، عامة أو خاصة.

من هنا يكون لنا أن نتوقف قليلًا عند الأطروحات التي يسارع إليها بعض الخبراء الاقتصاديين من ذوي التوجه النيوليبرالي، والتي ترى أن الأولوية في اللحظة الحالية هي لإطلاق العنان للتصدير، ولا يرون أي شيء تقريبًا إلا من هذه الزاوية الضيقة، فانخفاض سعر صرف الجنيه يسهم في زيادة تنافسية الصادرات المصرية، وهو قول نظري وليس مطلقًا، لأن هناك عوامل أخرى تؤثر على الاستجابة لانخفاض سعر الصرف، وعلى رأسها هيكل الصادرات، فصادرات مصر من البترول الخام مثلًا، والتي تصل إلى نحو 40% من الإجمالي، لن تتأثر إيجابيًا بتخفيض سعر صرف الجنيه في مواجهة الدولار، لأنها مرهونة بأسعار البترول العالمية، والتي لها ديناميات خاصة بها، بل بالعكس، فتخفيض سعر الصرف وجد طريقه إلى زيادة العجز في الموازنة لأنه ضاعف من فاتورة الدعم، كما انعكس كذلك على العجز التجاري، في ضوء كون مصر مستوردًا صافيًا للبترول والغاز، أي أنها تستورد أكثر مما تصدر في نهاية المطاف.

تمثل هذه نقطة انطلاق جيدة لفهم إشكالية التصدير وعلاقتها بالتنمية في مصر، ففي ظل حكومة أحمد نظيف (2004-2010) حدثت تغيرات على مستوى السياسات العامة لزيادة الصادرات، والتي كانت شهدت تراجعًا مطلقًا في التسعينيات. وبالفعل نمت الصادرات المصرية في عهد نظيف بحوالي 19.5% سنويًا، وهو معدل مرتفع ولا شك، تولّد عن عوامل عدة، على رأسها تخفيض سعر صرف الجنيه في 2003، والتوسع في دعم الصادرات بشكل مباشر وغير مباشر في صورة دعم الوقود، الذي أسهم في زيادة صادرات الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة كالإسمنت والحديد والصلب، (والذي كان يُترجم بالطبع إلى عجز أكبر في الموازنة العامة للدولة، ولكن هذه مسألة أخرى يمكن نقاشها على حدة في مقال منفصل). ولكن التوسع في الصادرات كان مجرد توسع كمي، حيث تركزت الصادرات في البترول الخام والغاز الطبيعي (قبل نضوبه) بنحو 50% من الإجمالي، مضافة إليها منتجات زراعية من فواكه وخضروات وأرز، وصادرات صناعية مثلت نحو 37% من إجمالي الصادرات، كانت في جزء منها صادرات بترولية وغازية خفية كالإسمنت والحديد والألومنيوم، أو صناعات أخرى منخفضة القيمة المضافة كالملابس الجاهزة والمنسوجات.

وأدى عدم القدرة على تعديل هيكل الصادرات لصالح منتجات ذات قيمة أعلى، ويُقصد بها منتجات تحتوي على مدخلات مرتفعة في المهارة أو التكنولوجيا، تُحقق لها عائدًا كبيرًا من التبادل في الأسواق العالمية، أن تماشت الزيادة في الصادرات فعليًا مع زيادة أكبر في الواردات، والتي كان الجزء الأكبر منها مدخلات إنتاج للصناعة عامةً، بما فيها الصناعات التصديرية، فبينما كان متوسط النمو السنوي للصادرات في الفترة بين 2004 و2010 عند 19.5%، كان نمو الواردات السنوي في ذات الوقت عند متوسط 23%، وهو ما أدى بدوره إلى زيادة الواردات إلى الصادرات بنسبة 1.7، أي أننا كنا نستورد في 2004 بما قدره تقريبًا مرة ونصف ما نصدر به، حتى وصلت النسبة إلى الضعف في 2010، ويُترجم هذا، بشكل أو بآخر، إلى العجز في الميزان التجاري. كل هذه الاختلالات في فترة الازدهار مهدت للتدهور الشديد بعد 2011.

واقع الحال فإن تدهور الصادرات المصرية قد بدأ في 2009، كنتيجة لأزمة 2008 المالية وما تبعها من ركود عالمي، وقد تراجعت الصادرات بنحو 12% في 2009، وتعافت جزئيًا في 2010 و2011، ولكنها انهارت بواقع سالب 10% كمتوسط سنوي بين 2012 و2015. لم يكن هذا ناجمًا بالأساس، وبشكل مباشر، عن الاضطراب السياسي، بقدر ما كان ناشئًا عن أزمة الكهرباء ونضوب الغاز الطبيعي، واستفحال أزمة الدين في السوق الأوروبية، وهي أكبر سوق للصادرات المصرية وقتذاك قبل التحول إلى الخليج. وفي مقابل تراجع الصادرات كان اعتمادنا على الواردات كبيرًا، حيث ظلت الواردات تنمو بنحو 5% سنويًا في الفترة من 2010-2015، ونتج عن هذا أن أصبحت الواردات 3.5 مرة الصادرات في 2015.

وها نحن ذا رجعنا للأسطوانة المشروخة لـ2004، والتي تراهن على ارتفاع الصادرات، أي صادرات والسلام، اعتمادًا على انخفاض تكلفة المنتجات المصرية، لا على جودتها ولا ما تحويه من قيمة مضافة، وتراهن على أن هذا سيكون كافيًا، لا لتحقيق التنمية فهي مؤجلة حتى إشعار آخر، بل لعلاج الاختلال المالي والنقدي والتجاري، وهو كما سبقت الإشارة في المقال الماضي هدف نبيل ومهم، ولكنه هدف مرحلي من المفترض أن يكون في سبيل التنمية.

بما إنك تصدر ما تنتجه، فالسؤال هو كيف يمكن دمج استراتيجية التجارة في استراتيجية التصنيع، حتى يمكن تطوير هيكل الصادرات المصرية، لا مجرد البحث عن زيادة في الكم، لأننا جربنا هذا في الفترة السابقة على الأزمة المالية، وثبت أنه غير فعال، وأنه بالكاد يكفي لتوليد إيرادات دولارية لتمويل عجز تجاري دائم ومزمن.

عمرو عادلي
باحث غير مقيم
مركز كارنيغي للشرق الأوسط

تم نشر هذا المقال في مدى مصر.

التعليقات

الاسم

أتاتورك أحياء إختراع أدوية إذاعة أرامكو أردوغان أسبانيا إستاكوزا إسرائيل أسلحة إصابات إعلام أفريقيا أقباط إقتصاد إكتشاف أكراد الأباء الإباحية الإبتكار الأبراج الأبناء الإتحاد الأوربي الأثرياء الأجانب الإجهاض الأحزاب الأخبار الأخوان الإخوان الأديان الأردن الأرض الإرهاب الإرهابيين الأزهر الإستجمام الأسرة الإسلام الإسلامية الإسلاميين الإصطناعي الأطفال الإعتداء الأعسر الإعلام الإغتيال الإغتيالات الأغنياء الأفلام الإباحية الأقباط الإقتصاد الأكراد الألتراء الألتراس الإلحاد الألعاب الإلكترونية الألمان الأم الفردية الأمارات الإمارات الإمارات العربية الأمازيغ الأمراض الأمم المتحدة الأمن الأمواج الأمومة الأميرة دايانا الإنتاج الإنتحاريين الإنترنت الإنتفاضة الإنجليز الإنفصال الانفلونزا الأهرام الأهلي الأوسكار البترول البحر البدو البشر البصرة البناء البنك المركزي البوذية البورصة البيئة التجميل التجنيد التحديث التحرش الترفيه التشدد التطرف التغيير التقشف التليفون التهرب الضريبي الثدي الثقافة الثورة الجاذبية الجامعات الجراثيم الجزائر الجسد الجفاف الجماعات الإسلامية الجماهير الجنس الجنسي الجنود الجنيه الجهاد الجيش الحاسب الحاسوب الحب الحرارة الحرب الحرس الثوري الحزب الجمهوري الحشد الشعبي الحكومة الحوثيون الختان الخديوي الخلافة العثمانية الخليج الخليج العربي الدانمارك الدولار الدولة الديكتاتورية الديمقراطية الدين الدينية الديون الذكاء الذكاء الإصطناعي الربيع العربي الرجل الرقمي الروبوت الروبوتات الروهينجا الري الزراعة السرطان السعودية السفر السكان السلام السلة السلطان السلطة السلطة الفلسطينية السلطوية السلفية السلفيين السمنة السموم السنة السود السودان السوريون السياحة السياسة السياسي السيسي السينما السيول الشباب الشرطة الشرق الشرق الأوسط الشريعة الشمس الشيعة الصحة الصحراء الصحف الصحفيين الصخري الصدر الصواريخ الصين الضرب الطاقة الطعام الطفل الطوارئ ألعاب العاصمة العاطفة العالم العثمانيون العدالة العدالة الإجتماعية العراق العرب العربي العسكر العقل العلاج العلم العلماء العلمانية العلويون العمال العمل العملة العنصرية العنف العنف الأسري الغاز الغذاء الغرب الفراعنة الفرعونية الفساد الفضاء الفضائيات الفقر الفلسطنيين الفلك الفن القاعدة القانون القاهرة القبائل القدس القذافي القوات المسلحة القومية العربية الكبد إلكترونيات الكنيسة الكنيسة اليونانية الكهنة الكواكب الكورة الكوليرا الكويت اللاجئين الليرة المال المانيا المتشددين المتطرفين المتوسط المثالي المجتمع المجلس العسكري المحمول المدينة المنورة المذبحة المرأة المراهقين المرض المريخ المساواة المستقبل المسلسلات المسلمون المسيحية المصريين المعلومات المغرب المقاتلون المقاولون المقبرة الملائ الأمن الملك توت المليشيات المناخ المنطقة العربية المنظمات الموبايل الموساد الموضة المياه الميراث النجوم النساء النظافة النظام النفايات النفط النووي النيل الهند الهوس الهوليجنز الهوية الوالدة باشا الوراثة الولادة الوليد بن طلال الوهابية اليابان ألياف ضوئية اليمن اليهود اليهودية اليورو اليونان أمراض أمريكا امريكا أموال أميركا اميركا أميريكا إنترنت إنجلترا أهرامات الجيزة أوربا اوربا أوروبا أوسكار إيبولا إيران إيفان الرهيب أيمن الظواهري بازل باسم يوسف باكستان براكين بريطانيا بنجلاديش بوتفليقة بوتن بوتين بووليود بيراميدز بينج تاريخي تجارة تحت المجهر ترامب تركيا تشارلز تشلسي تصوير تعليم تغير مناخي تكنولوجيا تليفزيون تونس تويتر ثروات جبهة النصرة جدة جراحة جنس جوته جوجول جونسون جيرتود بيل حاسب حزب الله حفتر حفريات حماس خاشقجي خامئني خداع خليفة حفتر خيال علمي دارفور داعش دبي دراما دوري السلة الأمريكي ديانا ديمقراطية ديناصور رأس رام الله رجل ألي رسوم روبرت ماردوخ روسيا روما رياضة زراعة زرع زواج ساعة أبل سامي عنان ستراتفور سرت سرطان سفينة فضاء سكن سنيما سوء التغذية سوريا سياسة سيف الإسلام القذافي سيناء سينما شارلز شعاع شفيق شمال أفريقيا شيخ الأزهر صحافة صحة صدام حسين صندوق النقد الدولي صنعاء صوت طائرات طاقة طاقة نووية طب طبي طعمية طفيل طلاق عبد القادر الجزائري عبد الناصر عدن عرب عسكرية عصابات عقل علاج علوم وصحة عمل عنان غاز غزة فحم فرعون فرنسا فضائيات فقر فلافل فلسطين فن فن وثقافة فنزويلا فوكس نيوز فيتنام فيديو فيروس فيروس سي فيس بوك فيصل فيضان فيورينتنا قارون قبرص قتل قش الأرز قطر قمع قنصوة قواعد كائنات كاس العالم كاسيني كافاليرز كافاليير كاميرا كتالونيا كربون كرة القدم كليوباترا كوكايين كيسنجر كيفين دورانت لاجئين لبنان لغة لوحات ليبرون جيمس ليبيا ليزر ليفربول لييبا مائير كاهانا ماري كوري مال وأعمال مايكروسوفت متجددة مجتمع مجتمع وإعلام مجتمعات مجلس الأمن محمد بن سلمان محمد صلاح مختبرات مخدرات مدرسة مراهقات مرتزقة مرض مركبات الفضاء مسلسل مسلسلات مسلمين مصر مصري مطلقات معارك معدل وراثيا معدن معرض مكة ملفات مليشيا مهاجرين موبايل موسى موسيقى مي تو مينمار نتنياهو نساء نسخ نظام الفقيه نفط نفظ نقابة نيكسون هاري هوليوود وباء وعد بلفور وقود ولي العهد وليام ياهو accessories animals anxiety art artist assignment attraction aviation bag beach beautiful destinations Best Catering Best Catering Services bicycle bicylce tours bigger bitter juice Blood Pressure botox brain brazilian buildings business Business Website cannes activity career cartoon Catering Services cave cheap hotels cheap loan cigarette climbing clothing communication Control Blood Control Blood Pressure cook cosmetic coursework craziness credit cremation deppression dermal Ease Stiffness education effective Engine Optimization entrepreneur ethnic wear europan explore eyes face finance fire damage focus food food tips fruit furniture garden gardening glasses gym hand tools health herbal Herbal Treatment High Blood home home loan home tips Hypertension Naturally immune system india Joint Pain Joint Pain Relief kindle life life hack loans marriage mba meal money movie music natural Natural Joint Natural Joint Pain occassion office Orthoxil Plus outdoor Pain Relief Pain Relief Treatment paris pets photographer pumpkin quality Reduce Hypertension Reduce Hypertension Naturally relationship relaxed Relief Treatment round face runner sea Search Engine Search Engine Optimization Search Engines self help self improvements shoes Side Effects sleep smoking snowboard social spain sports stories stress Stresx Capsules style success surgery travel trees vegetable voice voyage Website Design wi-fi winter work world zodiac sign
false
rtl
item
الجيل الجديد: جدل التصدير والتنمية: أولوية الكيف على الكم
جدل التصدير والتنمية: أولوية الكيف على الكم
الجيل الجديد
https://geel25elgaded.blogspot.com/2017/06/blog-post_72.html
https://geel25elgaded.blogspot.com/
http://geel25elgaded.blogspot.com/
http://geel25elgaded.blogspot.com/2017/06/blog-post_72.html
true
6246319857275187510
UTF-8
لايوجد اي تدوينة المزيد المزيد الرد اغلاق الرد حذف By الصفحة الرئيسية صفحة مقالة المزيد مواضيع ذات صلة التسميات الارشيف البحث لا يوجد اي تدوينة الصعود الى الاعلى Sunday Monday Tuesday Wednesday Thursday Friday Saturday Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat January February March April May June July August September October November December Jan Feb Mar Apr May Jun Jul Aug Sep Oct Nov Dec just now 1 minute ago $$1$$ minutes ago 1 hour ago $$1$$ hours ago Yesterday $$1$$ days ago $$1$$ weeks ago more than 5 weeks ago