عملت المنتجة والمخرجة الأمريكية، سارة تاكسلر، لسنوات طويلة مع جون ستيوارت في برنامجه الأسطوري "ديلي شو". وقد استوحى المصري باسم يو...
عملت المنتجة والمخرجة الأمريكية، سارة تاكسلر، لسنوات طويلة مع جون ستيوارت في برنامجه الأسطوري "ديلي شو". وقد استوحى المصري باسم يوسف من برنامج جون ستيوارت الأسلوب التنويري والنقد اللاذع بلا حدود، وأطلق برنامجه الخاص به، "البرنامج". حصد "البرنامج" شعبية كاسحة خلال الربيع العربي، ليس في مصر فحسب، بل في كل العالم العربي.
بعد ظهور باسم يوسف في برنامج جون ستيوارت في نيويورك، بدأ نجمه يلمع عالمياً وأُطلق عليه لقب "جون ستيوارت المصري". وشرعت تاكسلر في إنتاج فيلم وثائقي عن باسم، حمل عنوان "دغدغة العمالقة". نجحت تاكسلر في تقديم بورتريه شخصي مؤثر ويلامس شغاف القلب. وقد لاقى الفيلم احتفاء به في "مهرجان تريبيكا السينمائي" في الولايات المتحدة الامريكية. كما أتاح التعاون مع جمعية "سينما من أجل السلام" عرض الفيلم في "مؤسسة هاينرش بول"، المقربة من حزب الخضر، في العاصمة الألمانية برلين.
ميدان التحرير...الشرارة
يبدأ الفيلم بمقاطع فيديو من ميدان التحرير صورها باسم بنفسه للأيام الأولى من الثورة. "لم أرَ بحياتي مثل هذه الاحتجاجات. كان أمراً يصعب تصديقه"، يقول باسم. قرر باسم مع صديقه طارق البدء بتقديم برنامج الهجاء السياسي، "باسم يوسف شو"، على الانترنت، وذلك باستخدام جهاز كمبيوتر محمول في البيت. حقق البرنامج شعبية واسعة في كل أنحاء العالم العربي؛ إذ بلغ عدد المشاهدات 35 ألفاً في الأيام الأولى، ووصل العدد إلى ملايين المشاهدات بعد شهرين فقط من البدء من عرضه على موقع اليوتيوب يوم 8 آذار/مارس 2011.
بشخصيته الآسرة وبخفة دمه ونكاته نزل باسم، الذي ترك عمله كجراح للقلب، إلى الشارع وأجرى مقابلات مع المتظاهرين. دُهش باسم من الجماهير في ساحة التحرير وهو نفسه واحد منهم. آنذاك كان يحدوه الأمل، مثل كل المصريين، ببزوغ فجر عصر جديد. كان برنامجه جزءاً من معركة الحريات المكافحة للوصول لحرية التعبير وحرية الصحافة. جعل باسم من كليبتوقراطية (نظام حكم اللصوص) الحكومة والجيش العفنة موضع سخرية. كما أنه عرّى محاولات إعلام الحكومة تشويه سمعة المتظاهرين.
[caption id="" align="alignright" width="365"]

عملت المنتجة والمخرجة الأمريكية، سارة تاكسلر، لسنوات طويلة مع جون ستيوارت في برنامجه الأسطوري "ديلي شو". وقد استوحى المصري باسم يوسف من برنامج جون ستيوارت الأسلوب التنويري والنقد اللاذع بلا حدود، وأطلق برنامجه الخاص به، "البرنامج". حصد "البرنامج" شعبية كاسحة خلال الربيع العربي، ليس في مصر فحسب، بل في كل العالم العربي.
بعد ظهور باسم يوسف في برنامج جون ستيوارت في نيويورك، بدأ نجمه يلمع عالمياً وأُطلق عليه لقب "جون ستيوارت المصري". وشرعت تاكسلر في إنتاج فيلم وثائقي عن باسم، حمل عنوان "دغدغة العمالقة". نجحت تاكسلر في تقديم بورتريه شخصي مؤثر ويلامس شغاف القلب. وقد لاقى الفيلم احتفاء به في "مهرجان تريبيكا السينمائي" في الولايات المتحدة الامريكية. كما أتاح التعاون مع جمعية "سينما من أجل السلام" عرض الفيلم في "مؤسسة هاينرش بول"، المقربة من حزب الخضر، في العاصمة الألمانية برلين.
ميدان التحرير...الشرارة
يبدأ الفيلم بمقاطع فيديو من ميدان التحرير صورها باسم بنفسه للأيام الأولى من الثورة. "لم أرَ بحياتي مثل هذه الاحتجاجات. كان أمراً يصعب تصديقه"، يقول باسم. قرر باسم مع صديقه طارق البدء بتقديم برنامج الهجاء السياسي، "باسم يوسف شو"، على الانترنت، وذلك باستخدام جهاز كمبيوتر محمول في البيت. حقق البرنامج شعبية واسعة في كل أنحاء العالم العربي؛ إذ بلغ عدد المشاهدات 35 ألفاً في الأيام الأولى، ووصل العدد إلى ملايين المشاهدات بعد شهرين فقط من البدء من عرضه على موقع اليوتيوب يوم 8 آذار/مارس 2011.
بشخصيته الآسرة وبخفة دمه ونكاته نزل باسم، الذي ترك عمله كجراح للقلب، إلى الشارع وأجرى مقابلات مع المتظاهرين. دُهش باسم من الجماهير في ساحة التحرير وهو نفسه واحد منهم. آنذاك كان يحدوه الأمل، مثل كل المصريين، ببزوغ فجر عصر جديد. كان برنامجه جزءاً من معركة الحريات المكافحة للوصول لحرية التعبير وحرية الصحافة. جعل باسم من كليبتوقراطية (نظام حكم اللصوص) الحكومة والجيش العفنة موضع سخرية. كما أنه عرّى محاولات إعلام الحكومة تشويه سمعة المتظاهرين.
مديح الديكتاتور بدلاً من السخرية منه؟
أمام استديو تصوير البرنامج وتحت أعين القوة الأمنية، انطلقت مظاهرات عنيفة، على ما يبدو أن الحكومة هي من وقفت وراءها. بعد بث حلقتين بعد الانقلاب وصل البل إلى ذقن باسم وبرنامجه؛ فقد قيل له إن البرنامج لن يستمر، إذا تم التعرض للسيسي بالنقد.
طبعاً لم يوافق باسم على ذلك. إذ يقول إن لب برنامجه يقوم على تناول الحكومة من زاوية نقدية. فهو يرى في السخرية أكثر الأسلحة مضاءً حدة ضد أهل السلطة، كما يرى فيها أيضاً مقياساً لحرية الرأي. أدى ذلك لتزايد الخطورة على حياته.
فشلت محاولة الانتقال إلى محطة تلفزيونية جديدة؛ ففي مصر لم يعد بالإمكان توجيه أي شكل من أشكال النقد للسيسي. وفي مؤتمر صحفي وداعي أعلن في 2014 عن توقف برنامج "البرنامج". كان الإعلان محزناً، إذ كان ذلك يعني أن الأمل بمصر ديمقراطية قد ذهب أدراج الرياح، في الوقت الحاضر على الأقل. فرّ باسم بجلده إلى الولايات المتحدة الأمريكية لينجو من الاعتقال. وحتى عندما توفي والده، لم يكن بإمكانه العودة لأسباب أمنية.
"أمريكا، أعظم ديمقراطيات العالم، أليس كذلك؟"
رغم أن قصة باسم المؤثرة تنتهي في الفيلم بشكل محبط، غير أن طريق باسم لم ينتهِ بعد. فقد بدأ ومنذ مطلع عام 2016 بإنتاج برنامجه الكوميدي "كتيب الديمقراطية". يقول باسم في الشريط الدعائي لبرنامج "كتيب الديمقراطية": "قدمت برنامج كوميدي في مصر لوضع الأمة على الطريق الصحيح. أعجب الشعب بالبرنامج، بيد أنه لم ينل رضى الحكومة. لذا جئت إلى البلد، الذي يفتح أبواب الإمكانيات غير المحدودة أمامي. ففي النهاية، أمريكا أعظم الديمقراطيات في العالم. أليس كذلك؟".
في العشرين حلقة الأولى من البرنامج يجوب باسم أمريكا، البلد المنقسم بفعل الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فقد شن المرشح الرئاسي آنذاك، دونالد ترامب، حملة على المسلمين، مما أدى لازدياد الإسلاموفوبيا. يرى باسم نفس النزعة في أمريكا كما كان الحال عليه في مصر: "لا ينتخب الناس؛ فقط مشاعرهم هي من تدلي بأصواتها. مشاعر الخوف هي سيدة العملية الانتخابية. هذا كل شيء". خسرت مصر باسم يوسف. ربما أمريكا بحاجة له الآن أكثر من أي وقت مضى.
رينيه فيلدانغل
الترجمة من الألمانية: خالد سلامة
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017
ar.Qantara.de